شرح دعاء الصباح 34

img

ضياءٌ وَإحِياءٌ

قال صاحبُ إحياء العلوم: «إنّ خاطر الهوى يبتدي أوّلاً فيدعوه إلى الشرّ، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير، فينبعث النّفس بشهوتها إلى نصرة خاطر الشر فتقوّي الشهوة، وتحسّن التمتّع، فينبعث العقل إلى خاطر الخير، ويدفع في وجه الشهوة، ويقبّح فعلها، وينسبها إلى الجهل، ويشبّهها بالبهيمة والسّبع في تهجمها على الشرّ، وقلّة اكتراثها بالعواقب، ويميل النّفس إلى نصح العقل، فيحمل الشّيطان حَملةً على العقل، ويقوّي داعي الهوى، فيقول: ما هذا الزّهد البارد؟ ولِمَ تمتنع عن هواك فتؤذي نفسك؟ وهل ترى أحداً من أهل عصرك يخالف هواه، أو ترك عزيمته؟ أفتترك ملاذّ الدّنيا لهم يستمتعون منها، وتحجر على نفسك حتّى تبقى محروماً مطعوناً يضحك عليك أهل الزّمان؟ تريد أن تزيد منصبك على فلان بن فلان، وقد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يمنعوا؟ أما ترى العالِم الفلاني ليس يحترز عن فعل ذلك، ولولا كان شرّاً لامتنع عنه؟

فيميل النّفس إلى الشّيطان، وينقلب إليه، فيحمل المَلَكُ حملةً على الشيطان ويقول: هل لك إلّا من اتّبع([1]) لذّة الحال، ونسي العاقبة؟ أفتقنع بلذّة يسيرة وتترك الجنّة ونعيمها أبد الآباد، أو تستثقل ألَم الصّبر عن شهوة ولا تستثقل ألم النّار؟ أتغتّر بغفلة النّاس عن أنفسهم واتّباعهم الهوى، ومساعدتهم للشيّطان، مع أنّ عذاب النّار لا يخفّف بمعصية غيرك؟ فعند ذلك يميل النّفس إلى قول المَلَك، فلا يزال مردّداً بين الجندَيْنِ، متجاذباً إلى الجانبين، إلى أن يغلب على القلب من هو أَولى به؛ فإن غلب على القلب الصّفات الشيطانيّة، غلب الشّيطان وأجرى على جوارحه سوابق القدر ماهو سبب بُعده عن الله تعالى؛ وإن غلب عليه الصّفات الملكيّة لم يصغَ القلبُ إلى إغواء الشّيطان، وظهرت الطّاعة على جوارحه بموجب ما سبق من القضاء، و«قَلَبُ المُؤمِنِ بَينَ إصبَعَين مِن أصابِعِ الرَّحمنِ»([2]).

وفي الحديث: «في القَلبِ لُمـَّتانِ: لمُـَّةٌ مِنَ المَلَك إيعادٌ بالخير وَتَصديقٌ بالحق، وَلُمـَّةٌ مِنَ العَدُوّ إيعادٌ بالشَرِّ وتكُذيِبٌ لِلحقِّ»([3]) الحديث.

الهوامش :

([1]) هل لك الاّ من اتّبع: هل انت الأكمن اتّبع(هامش ن، نسخة بدل).

([2]) عوالي اللآلي 1: 23/69، 4: 36/138، وباختلاف فيه عن الأمالي (المرتضى) 2: 1، علل الشرائع: 604/74، بحار الأنوار 67: 35، 53، 72: 48.

([3]) بحار الأنوار 67: 39، وباختلاف فيه عن الاُصول الستة عشر: 160، بحار الأنوار 6: 19، 67: 50، 68: 249.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة