سر الخشوع
لتناغم الإشارات، وانهمال العبرات بين يدي موجد الموجودات، وحتى تكمل الصلوات الخمس، وتكون درة مثل الشمس، وحتى تكون صلاتك معراجك ودوائك في داءك:
يجب أن تكون أبريق فضة من جسدك وعقلك وروحك ونفسك وقلبك، لأن الله أوجدك نوراً، فجعل ينبثق حتى يتممه لك ربك. راقب نفسك، قولاً، وفعلا، مرقبه الحبيب الذي لا يريد أن يبعده شيء عن محبوبة.. فيخاف أن يكدر خاطره بشيء، أو أن يزيل محبته من قلبه… أوجد حب ربك، بأن تتعرف عليه حتى تحبه، فإنك كلما عرفته أكثر؛ زادت محبتك له أكثر… ثم قم بما يلي:
أولا: إذا أردت التوجه إلى الحق، ولقاء حبيبك القريب منك دائما: إن شعرت به، نظف لباسك وتعطر، وكأنك ذاهب إلى مجلس يحوي ملايين من الناس، فتحب أن تكون بمظهر حسن، وريح طيب كن بكامل أدبك.
ثانياً: اطرد الشيطان من المكان الذي تصلي فيه، بقراءة آية الكرسي 3، لأنها العنبر الأشهب على شياطين الجن والإنس.
ثالثا: اطرد شيطان نفسك، بأن: تسجد قيل الصلاة سجدة العبد الذليل، وتغمض عينيك وتقول: (أي رب!.. أي رب!.. يا الله!.. 7 يا رب!.. حتى يطرد شيطان نفسك، فتنكبس نفسك الحيوانية، وتشتعل نفسك القدسية، أو النفس الكلية.. وتذكر بأن:
ربك بعيد، تريد الوصول إليه.. وقريب، خائفا من هيبته… وعادل، خائفا من بطشه، فاستدرج عطفه، وهو العطوف بقولك: يا رب!.. يا الله!.. يا من هو هو!.. يا من لا هو إلا هو!.. يا من لا يعلم ما هو إلا هو!.. يا الله!.. الخ
ذلك ينبثق النور في قلبك، فقم لاستقبال فيضك، وقل: الحمد الله!..
رابعا: أقرأ ما يجلب لك نفسك الكلية، بأن تقول مثلا: (وقف العبد المسيء بين يدي مولاه)، (وقفت بين يدي ربي)، (وقفت سفينة المساكين على ساحل بحر جودك وكرمك).
خامسا: استأذن وكأنك داخل إلى أحد الحضرات المقدسة، بشكل مبسط.
سادسا: أجعل مولاك صاحب الزمان، هو بابك في معراجك، بأن تكلمه في جوفك أو بلسانك بما تريد
سابعا: جهز نفسك للرحيل والتحليق إلى نقطة الإمكان والسفر إلى العالم الأول، بأن تقرأ الإقامة، ثم تفتح السماوات والأراضين بقولك سبعا: سبحان الله!.. وسبعاً: الحمد الله!.. وسبعاً: لا إله إلا الله!.. وسبعاً: الله أكبر!.. وتجعل السابعة هي تكبيرة الإحرام.
ثامنا: وبعد الدخول في النقطة، عليك أن تخضع قلبك إلى إرادتك، بأن تفكر في ربك.. فتحدث نفسك في كل الأوقات من صلاة وغيرها مثلاً: (أنا أحب ربي)!.. (يالله ما أحلى محبتك)!.. ( ما ألذ القرب بين يديك)!.. (ما أجمل أن يكون المرء ساهرا معك)!.. وأنت تعلم أن الله يحبك أكثر من محبتك له.
تاسعا: حين قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) أعلم أنه بذلك انفتح لك الباب، للولوج إلى الحضرة القدسية.. أقرأها على مهل، وحاول أن تكسر قلبك، وتستعطف ذاتك، وتلهم نفسك أنك واقف في حضرة قدس، وأنه عيب عليك أن تفكر إلا فيما تقول.
عاشرا: حتى تصطلي بنار العشق والوله، أقرأ الإخلاص حتى تخلص نفسك ـ بفتح التاء واللام ـ تخلص نفسك ـ بضم اللام ـ من روابط ذاتك، بذلك أخذت من قبسها ودخلت مقام أدبها.
الحادي عشر: في الركوع حاول أن تكون أكثر أدب، كأنك تقول لربك: إلهي!.. هذه رقبتي تحت حد سيفك، فإن عفوت عنها، فمن عندك…
وإن عاقبتها فبعدلك… وحين ترفع تقول: الحمد لله ربّ العالمين: لأنه نجاك من الظلمات إلى النور.. فتسجد كما سجدت في عالم النور..
وأطل في السجود، وكذلك في بقية المقامات، حتى تعطي كل موقف منها حقه، لأنها أسرار ومقامات، لو عرفتها لذقت حلاوتها، وشربت من ماءها وعسلها.. لأن الضيف إذا حل المدينة، لابد من الكريم تقديم الضيافة له فافهم!..
الثاني عشر: حين ترفع يديك للقنوت، نكس رأسك، ولا تخاطب ربك ورأسك مرفوع: لأن في ذلك قلة حياء في بعض الأحيان، ثم تكلم بدعاء ينم عن خطاب، وليس دعاء لطلب حاجة؛ لأن الله أعلم بحاجتك.. وكلما كان دعاؤك مسموعا من القرب كان أقوى.. كأن تخاطب ـ مثلا ـ رجلا كلما قربت من إذنه كان أبلغ في السمع (التشبيه مجازي) لأنه الجليل، لا يصور بأي شكل إلا أنه للتوضيح فقط ـ مثلاً ـ اقرأ الذكر اليونسي.
الثالث عشر: بعد الانتهاء من الصلاة والتسليم والتكبير، للنزول إلى العالم الثالث بجلسة لا إله إلا الله.. أنظر إلى نفسك، بأنك وصلت دار العناء ثانيةً. وتمنى بأن الصلاة لم تنته.
أسأل من الله أن يرزق المؤمنين والمؤمنات محبته، وأن يزرع أشجار الشوق إليه.