شرح دعاء الصباح 33
إستِنتاجٌ مِن إنهاج
فالمحاربة والمطاردة في معركة وجود الآدمي قائمةٌ بين جُندَي المَلَك والشّيطان إلى أن ينفتح لأحدهما فيتمكن ويستوطن؛ وذلك لأنّ أشرف البقاع إنّما هو قلب المؤمن، فلا تجد دياراً عامرةً ولا رياضاً ناضرةً إلّا وقلب المؤمن أشرف منها، بل قلب المؤمن كالمرآة إذا صفا يتراءى فيه كلّ ما في الدّيار والرّياض. ولعلّك سمعتَ قصّة بذل جهد أهل الصّين في جودة التّصويرات، واستفراغ وُسع أهل الرّوم في تحسين التصقيلات، وإراءة الصّور بنحو أتمّ في القوابل المصقولة بعد رفع الحواجز المسدولة، بل قلب المؤمن فوق المرآة؛ لأنّها تحتجب بالحُجُب المعترضة في البين، وهو لا يحتجب بالعناصر والأفلاك والكرسي والعرش. فمع سقوط الإنسان([1]) في أسفل السّافلين من العالم العنصري، ينفذ نور قلبه من أقطار الأجسام، ومراتب العوالم المجرّدة إلى عالم الأسماء والصّفات الإلهيّة، ويشاهدها بحسب جهده، بل قلب المؤمن عرش الرّحمن، وبيت الله المَلِك المَنّان. وإذا كان القلب أشرف البقاع كان لائقاً بالمُلوك.
وما من مملكة وسيعة معمورة إلّا وفيها تنازعٌ وتخاصم، وتشاجر وتقاومٌ بين الملوك، ويغبط كلّ منهم الآخرين في الظّفر بها، ولكن أحد المَلِكين هنا كماء الحياة والآخر كالسّراب، أو أحدهما كالنّور والآخر في الظّفر بها، ولكن أحد المَلِكين هنا كماء الحياة والآخر كالسّراب، أو أحدهما كالنّور والآخر كالظّلام، ومعلومٌ أنّه للظلام بالنّور قوام، كما أنّ له فيه البوار والانعدام، وفي العقول المجرّدين والملائكة المقرّبين، الظاهرُ أقوى وأشدّ فعليّةً من المظهر، وفي الجهل والأبالِسَةِ المظهرُ أقوى من الظاهر؛ لتعجين ذواتهم الخبيثة من الظّلام والأعدام([2])، والحدود ونقائص الوجود. ومع هذا الوَهْن في الوجود، والوَهْي في القدرة قد فتحوا أكثر القلوب وملكوها واستعبدوها، واسترقّوا قُراءها، وأسروا أهلها، ووقع ما وقع؛ لأنّ هؤلاء الأكثرين دَيْدَنهم قضاء وَطَرِ النّفس، وإنجاح مطالبها ومآربها، وتبعيّة حظوظها وهواجسها، وإذا اتّبعوا الهواجس تطرق الوساوس، ونِعْمَ ما قيل:
گر شود دشمنِ دروني نيست |
باكي از دشمن بروني نيست |
الهوامش :
([1]) أي البشري الطبيعي ساقط محتجب بهذه الكرات. وأمّا الإنسان الملكوتي، فهو فوقها، بل في باطنها؛ إذ لا وضع لعالم الصوّر الصّرفة والمثل المعلقة مع هذا العالم الطبيعي. وأمّا الإنسان الجبروتي فهو متّصل اتّصالاً عقليّاً بعالم الموجودات البسيطة المحيطة، والمفارقات المحضة المحيطة بالجزئيات سواء كانت جزئيات الملكوت أو النّاسوت؛ وأمّا اللاّهوتي فهو محيط بالثلاثة متّصل بالوجود الحقيقيّ. وصفاته بالعلم بها والعرفان كمن قوتّه العلاّمة دائماً في الطيران إلى هذه العوالم إلى أوج اللاّهوت. ومن لم يصدّق بهذا الطّيران والسّريان فلكون نظره قاصراً؛ فيحصر الإنسان في نفسه، وفي الكامل على هذا الإنسان اللّمحيّ البشري، ويراه جامداً واقعاً في أسفل السّافلين ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ (الحشر: 19). منه.
([2]) والظّلمة عدم النّور، وتقابلها معه تقابل العدم والملكة، فذات أرباب الجهل مجمع أعدام؛ من عدم العلم بالله، وعدم العلم باليوم الآخر، وعدم العلم بآيات الله؛ إذ لم يعرف النفس الإنسانيّة، وعدم الرّضا وعدم التّسليم، وعدم الأخلاق الحميدة، والرذيلة ترجع إلى الأعدام؛ وعدم الأعمال الصالحة: «إنّما الأعمال بالنّيّات» والنيّة الصّالحة لابدّ أن تكون مشفوعة بالمعرفة. وأمّا مظهر نفسها، فله فعليّات من الجسم والقوى والطّبائع:
اين به خاك اندر شد وكل خاك شد | وآن نمك اندر شد وكل پاك شد |
منه.