شرح دعاء الصباح 32
وأمّا الصّوريّ الغير المادّي، فهو مثل رقائق الحقائق، وتمثّلات عالم المعنى ممّا يظهر للمكاشفين من الصّور المثاليّة اللّطيفة، والصّبيحة المليحة بمقتضـى الأُصُول السّالفة، فيشاهدها الحسّ المشترك منهم، أو يخاطبونها ويخاطبهم بكلمات بليغة فصيحة.
والجمع([1]) من خصائص النبوّة بأن يتّصل حقيقة النبيّ| بحقيقة المَلَك، وهي حقيقة روح القدس الّتي تطبق الخافقَيْن، بل تسع الإقليمَيْن، وتتلّقى بسمعه العقلّي الكلّي كلامه التّامّ العقلي، ويتّصل قواه الصّوريّة برقيقة المَلَك، فيرى بحسّه صُورته البهيّة الّتي هي أصبح أهل زمانه، ويسمع كلماته الجزئيّة الّتي هي أبلغ الكلمات وأفصحها. وهكذا جميع مشاعره تنال المكشوفات الصّوريّة الاُخرى، هذا مع أنّ شدة الانكشاف له فوق الانكشافات الّتي للآخرين، وأنّ خارجيّته على نحو أتمّ وأكمل من هذه الخارجيّات.
والشّيطان، أيضاً جسماني، ومعنويّ، وصُوريّ، وخارجيّ، وداخلي:
فالجسماني أثبتَهُ النّقلُ، ولا امتناع في العقل؛ بناءً على أنّه ﴿مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾([2])، فيمكنُ أن يتحقّق في الأجسام مركّبات يغلب عليها الخفيفان ذوات أمزِجة قابلة للحياة والشعور، متشكّلة بالأشكال المختلفة بسبب التّخلخل والتّكاثف، وغير ذلك من الأحكام.
والمعنويّ الخارجي، مثل الجهل الكلّي المأثور في أحاديث العقل والجهل، ومثل كليّة الماهيّات الإمكانيّة؛ وذلك لأنّ الماهيّات مَثار الكثرة، وعليها يدور رحى السِّوائيّة. قال السيّد المحقّق الدّاماد (في التّقديسات): «تقديسٌ، فإذنْ، قد عاد الأمر كلّه إلى إقليم الله، ورجع الوجودُ كلّه إلى صقع الله([3])؛ فاشهد أنّ الموجود الحقّ هو الله الواحد الحقّ الشخصي القيّوم الواجب بالذّات. أليس لا يُعنى بالوجود إلّا ما هو منشأ انتزاع الوجود، ومصداقه ومطابقه بالذّات، وأن انتزع مفهوم الوجود عمّا سواه بالاستناد إليه على أنّ «هي» حين ما هي متقرّرة موجودة بالفعل من جهة ذلك الاستناد، باطلة الماهيّات، هالكة الإنيّات باللّيس السّاذج، والسّلب البسيط في حدّ أنفسها، بحسب لحاظ ذواتها بما هي هي؟
فإذن قد استبان أن القيوم الواجب بالذّات هو الحقيقة، والذّات والهويّة على الحقيقة، وما سواه مجازات في التقرّر، وذوات مجازيّة في الوجُود، بحسب لغة الحكمة الحقّة الخالصة الّتي واضعها الحدس والفحص والبرهان، وإن شاع إطلاق الحقيقة والموجوديّة عليها حقيقةً بحسب وضع اللّغة اللسانيّة. ولعلّ هذه المعرفة كنه الكفر بالطاغوت وحقيقة الإيمان بالله في التّنزيل الحكيم الكريم؛ إذ قال عزّ من قائل: ﴿فَمَن يَكفُر بالطاغُوتِ وَيُؤمِن بالله فَقَد اِستَمسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقى لا انْفِصامِ لَها﴾([4]). فلعلّ «الطاغوت» كلُّ عالم الإمكان([5]) بنظام الجملي الّذي هو صنم الهلاك بطباع الجواز الّذي هو صنم البطلان، و﴿العُرْوَةِ الوُثْقى﴾ نورُ اليقين الحقّ الخالص الّذي لا يعتريه قواصم الشّكوك في ظلمات الأوهام من حوله، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والله تعالى أعلم برموز خطابه وأسرار وحيه». انتهى.
والمعنوي الداخلي، مثل الوهم الغالط المغالط، حتى إنّ بعض الفلاسفة قصر «الشيطان» عليه، وهو وهم.
والصوري، مثل ما يظهر للمُكاشِف في رياضاته ومراقباته من مظاهر الجهل، ورقائق حقيقة الشّيطان، كمن يخالف النفس فيمثّل له ويرى في المراقبة أنّه يرمي الحجر على كلب جاثم رؤية حسيّة واقعيّة.
الهوامش :
([1]) أي الجمع بين شهود حقيقة المَلَك ودرك صورته المليحة وكلماته الفصيحة وغيرهما من الصّوريات الملكيّة من حصائص النبوّة.
وأمّا ما ذكرنا من الصّور المثاليّة اللطيفة مما يظهر للمكاشفين فليس من صور الملائكة ودرك الصّور في الكشف الصوريّة واكتساء الحقائق بكسوة الرقائق لصاحب الدّولة الحقّة إنما هو لإرشاد اهل الصّورة فيتنزّل مقامهم اذ لا يمكنهم نيل الحقائق إلاّ في كسوة الرقائق. منه.
وأمّا ما ذكرنا من الصّور المثاليّة اللطيفة مما يظهر للمكاشفين فليس من صور الملائكة ودرك الصّور في الكشف الصوريّة واكتساء الحقائق بكسوة الرقائق لصاحب الدّولة الحقّة إنما هو لإرشاد اهل الصّورة فيتنزّل مقامهم اذ لا يمكنهم نيل الحقائق إلاّ في كسوة الرقائق. منه.
([3]) وذلك لأنّ الماهيّات الإمكانيّة حيثيّة ذواتها حيثيّة عدم الإباء عن الوجود والعدم، وبالوجود تصير واجبة بالغير، لأنّ حيثيّة الوجود حيثيّةُ الإباء عن العدم، وواجب الوجود بالذات ممتنع العدم، فالموجود الحقّ هو الله الواحد لأنّه حقيقة الوجود الصّرفة البسيطة المبسوطة الممتنعة العدم بالذّات وسمّاه ذوق التألُه بمنشأ انتزاع الموجوديّة؛ لأنّ ذاته بذاته منشأ انتزاع الموجوديّة المصدريّة حيث أن ذاته حقيقة الوجود وذوات الممكنات منشأ الانتزاع لأجل الانتساب إليها. منه.
([5]) أي من يستر الماهيّات ويمحقها عن منصّة الظّهور، ويؤمن ويوقن بحقيقة الوجود التّي هي النّور الحقيقي والظّهور التحقيقي، فقد استمسك بنور اليقين بما هو أصلٌ محفوظ للمجودات كرباط هو ناظم اللآلي، وعاصمها عن التّناثر والانفصام. منه.