ضغطة القبر

ضغطة القبر وشدتها:
قد سمعنا الكثير من القصص والحكايات عن القبر وعذابه وضغطته، ولم يرد تفصيل إلينا عن ضغطة القبر فجهلنا كيف هي؟ وبأي طريقة تتم؟ خصوصاً أن الجسد لن يكون له اثر، ولا شعور ولا إحساس، إنما ينتهي ويزول، ويتجزأ وتتبعثر جميع أجزاءه، حتى لا يبقى شيء على حاله، إنما الباقي هو الروح، إلا إنه وردت أحاديث سنقف عند معناها لنرى ما سيعود علينا من مفاهيم، وما سيؤول إليه من تفاسير.
روى عبد الله بن عمار (رض) عن النبي (ص) قال: (هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء وشهد له سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه).
وعن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): (للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ). لن ينجو سعد من الضغطة ولا غيره، حيث إنها لا بد من أن تصيب كل إنسان ولو كان مؤمناً؛ لأنها حق على كل ميت، مما عمل في الدنيا، إلا القليل.
وقد روي أن النبي (ص) قال: (إن الميت إذا وضع في قبره أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، والصيام عن يمينه، والزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة الصلة والمعروف والإحسان عند رجليه، فيؤتي من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتي من يمينه، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتي من يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتي من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان: ما قبلي مدخل. فيقال: إجلس فيجلس قد مثلث له الشمس وقد أخذت الغروب، فيقال له: هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول؟ فيقول فيه: وماذا تشهد به علي؟ فيقول: دعوني أصلي فيقولون إنك ستصلي، أخبرنا عمّا نسألك عنه أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقولون فيه وما تشهد عليه؟ فيقول محمد، أشهد أنه رسول الله جاء بالحق من عند الله، فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله.
ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسروراً ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، وينور له فيه، ويعاد الجسد لما بدأ منه، وتجعل نسمته من النسيم الطيب، وهي طير معلق في شجرة الجنة، قال: فذلك قول الله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾).
وذكر في الكافر ضد ذلك إلى أن قال: ثم يضيق عليه في قبره إلى أن تختلف فيه أضلاعه فتلك الضنك التي قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.
فإذن المعيشة الضنك تأتي على المجرم والفاسق والكافر، وأولها الوحشة، وأوسطها الضغطة حتى تختلط أضلاعه بمخه ولحمه، ويتعذب ويتألم ألماً شديداً.
ضغطة القبر حق مصدق:
قال الإمام الصادق (ع): (يسأل وهو مضغوط). سأل الإمام الصادق عليه السلام: (أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: نعوذ بالله منها ما أقل من يفلت من ضغطة القبر).
إن رقية (ع) لمّا قتلها عثمان وقف رسول الله (ص) على قبرها، فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عينه وقال للناس: (إني ذكرت هذه وما لقيت فرققت لها، فاستوهبتها من ضمة القبر). قال: اللهم هب لي رقية من ضمة القبر، فوهبها الله له.
قال: وإن رسول الله (ص) خرج في جنازة سعد و قد شيعه سبعون ألف ملك، فرفع رسول الله (ص) رأسه إلى السماء ثم قال: (مثل سعد يضم)!! قال الراوي: قلت: جعلت فداك، إنا نحدث أنه كان يستخف بالبول، فقال: (معاذ الله، إنما كان من زعارة في خلقه على أهله).
وعن ابن عباس، إن النبي (ص) مرّ بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة.. الخ).
عذابات القبر عديدة وحواجزه كثيرة فلا تعد ولا تحصى، حيث إنها نتيجة طبيعية للمعاصي والسيئات التي ارتكبها في الدنيا، حيث لا يغادر الكتاب صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، من زنا وقطيعة رحم، وإهمال في البول والنجاسات وغيرها.
أنواع عذاب القبر:
إن أنواع عذاب القبر تتعدد حسب ما فعل العبد العاصي وارتكب، فلا حدود لأنواع العذاب ولا إحصاء لعددها، لكن ما يلاقيه العاصي المقصّر كثير، قال الله تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ*وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيد* كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾.
[أكذا نصير إلى القبور من بعد شاهقة القصور نتوسد المهين إذ الوسائد من حرير والغاية القصوى بأن نسعى إلى ذاك الحفير ومغبة الأحياء لحدّ قد يشق من الصخور]
منها: الضرب بمطارق من حديد أو غير حديد.
منها: تسليط الحيات والعقبات، عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال: (يسلط على الكافر في قبره تسع وتسعون تنيناً، يلدغونه حتى تقوم الساعة، ولو أن تنيناً منها نفخ على الأرض ما أنبتت خضراء).
منها: رضخ رأس الميت بحجر وشق شدقه، وتعذيبه أشد العذاب ونحو ذلك.
ولا يخفى أن ما يعذب به هو حسب حاله في البرزخ، حتى لا يقال كيف يعذب وهو جسد ميت؟ لأن الميت يلبس جسداً يتناسب مع حاله تلك.
ضغطة القبر حق، ويؤكد هذا الأحاديث الصحيحة وهي تحدث للمؤمن الصالح، كما تحدث للطالح والمجرم والأثيم. أكثر من دليل وبرهان من المرويات، وهي للمؤمن تمحيص وتطهير، ورفع درجته عند ربه، وهي للفاسد الفاسق عذاب وتشديد وإحصار عليه.
كيف هي ضغطة القبر؟؟:
وضغطة القبر أساسها معاصي وذنوب المرء فهي حصيلة أيامه، وحصاد زرع الدنيا، تبدأ بالسكرات وتمر بالضغطة. إذن الضغطة نتيجة الأعمال السيئة، فإن كان لها تأثير دنيوي على الرزق وغيره فكيف لا يكون لها ذلك التأثير الوضعي في فترة الفاصلة بين الدنيا والآخرة وهي القبر.
روي عن النبي (ص): أنه قال في الكافر: (يضيق عليه قبر حتى يخرج دماغه من بين أظافره ولحمه).
سأل الإمام الصادق عليه السلام: (أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: نعوذ بالله منها ما أقل من يفلت من ضغطة القبر).
ضمة القبر أم ضغطة القبر:
قد لا يدرك الإنسان أن هناك فرقاً بين الضمة والضغطة التي تحصل للميت في قبره، حيث إن الروايات جاءت تحمل المعنيين. تارة ذكرت الضمة وتارة أخرى الضغطة. وربما يقال أن الفرق شاسع بين المعنيين من حيث الاسمين ونتيجة الحساب، فتكون للمؤمن ضمة وللكافر والفاسق المقصر ضغطة على رأي بعضهم. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ﴾.
وذكر عن أبي عبد الله التميمي: قال: سمعت أبا بكر التميمي ـ شيخ من قريش ـ يقول: إن ضمة القبر أصلها أن الأرض أن الإنسان منها خلق فغاب عنها الغيبة الطويلة، فلما رد إليها أولادها ضمتهم الوالدة التي غاب عنها ولدها، ثم قدم عليها فمن كان مطيعا ضمته برأفة ورفق، ومن كان عاصياً لله ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها.
وقد ورد عن النبي (ص) في قوله تعالى: ﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾. قال: (يكسى الكافر في قبره ثوبين من نار)، فذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾.
وفي خبر آخر عنه (ص) أنه قال: (إذا وضع الميت في القبر وأهيل التراب عليه، يقول أهله وعياله: وسيداه، وشريفا، فيقول الملك الموكل: أتسمع ما يقولون؟ فيقول: نعم، فيقول له: أنت أين كنت من الشريف؟ فيقول العبد: هم يقولون ذلك. يا ليتهم سكتوا، فيضيق عليه القبر فتختلف أضلاعه وينادي في قبره، وا كسر عظماه، وا ذل موقفاه، وا موضع ندامتاه، وا عنف سؤالاه).
ملاحظة: المصادر من الفريقين، من كتاب: سفر في عالم البرزخ، للشيخ إبراهيم السباعي.
تقديم: أمينة حرقان