المحقق الحلي (رحمه الله)

img

اسمه ونسبه:

هو جعفر بن الحسن بن أبي زكريا يحيي بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي؛ المكني بأبي القاسم. أما ألقابه فعديدة من أهمها: نجم الدين، المحقق الحلي، وقد اشتهر بلقب المحقق بدرجة كبيرة حتى أصبحت وقفاً عليه، حتى قال عنه صاحب الأعيان: (كفاه جلالة قدر اشتهاره بالمحقق. فلم يشتهر من علماء الإمامية على كثرتهم في كل عصر بهذا اللقب غيره ..).

ولادته وعصره:

أما العصر الذي كان يحتل مكان الصداره فيه، قيادةً وزعامةً، فهو أقلُ ما يقال بحقه: أنه مضطرب> حيث عاشت البلاد الإسلامية الكثير من مآسي الدولة العباسية، والعلل الموروثة من جراء السياسة الأموية، ثم انتقلت لتشكو الخراب والدمار سببه لها الغزو المغولي وحكم التتار.

في مثل هذا العصر المتأزم فكريا وروحيا، والمتدهور سياسياً واقتصادياً ولد المحقق الحلي في سنة 602 ھ.

نشأته العلمية:

لقد رزق المحقق رحمه الله العيش في وسط عائلي، جل أفراده أفاضل، حيث أنه عاش في بيت علمي، لا يتنفس إلا عبير التقى، ولا ينهل إلا من وراء العلم، ولا يطعم إلا من رياض الأدب. وقد قال عنه صاحب أعلام  العرب بأنه: (أحد أفراد أسرة اشتهرت بالمنزلة العلمية والزعامة الدينية… ونشأ مولعاً بنظم الشعر، وتعاطي الأدب والإنشاء، فكان مجلياً في ذلك، ولكنه ترك ذلك وعكف على الاشتغال في علوم الدين).

مشايخه:

1ـ والده الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد.

2ـ السيد النّسابة الجليل شمس الدين أبو علي، فخار بن معد الموسوي، وهو من أكابر مشايخ الفقهاء، صاحب كتاب: (الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب).

3ـ الفقيه نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء، هبة الله بن نما، الحلي الربعي.

4ـ نجم الدين محمد بن أبي القاسم، عبد الله بن زهرة الحلبي، صاحب كتاب: (الأربعين في حقوق الإخوان).

شخصيته:

كان المحقق يمتاز بمجموعة من المؤهلات النادرة، التي هيئت له طواعية، بفضل تربيته الإسلامية، العامرة بالمفاهيم الصحيحة والمثل السامية والقيم الحقّة، خاصّة في مجاله الأسري. ومن ابرز مؤهلاته:

الشاعرية: فهو يمتاز بأدب جمّ، وامتلاك ثرّ للمفردات اللغوية، واطلاع واسع بأساليب الأدب والبلاغة، وقد جاء ذلك كله واضحاً في شعره وانعكس فيما بعد في كتاباته. ومن شعره الذي ذكر في روضات الجنات:

يا راقدا والمنايا غير راقدة  ***  غافلا وسهام الليل ترميه

بم اغترارك والأيام مرصدة  ***  والدهر قد ملأ الأسماع داعيه؟

أما أرتك الليالي قبح دخلتها  ***  وغدرها بالذي كانت تصافيه

رفقا بنفسك يا مغرور إن لها  ***  يوما تشيب النواصي من دواهيه

سرعة الخاطر: لقد كان الشيخ ألسن أهله زمانه، وأقومهم بالحجة، وأسرعهم استحضارا.

الفقاهة: لقد قال عنه صاحب الأعيان ما نصه: (قال العلّامة في إجازته لأبناء زهرة: كان أفضل أهل عصره في الفقه). وقال الشيخ حسن بن الشهيد الثاني: لو ترك التقييد بأهل زمانه كان أصوب، إذ لا أرى في فقهائنا مثله…

وقد جاء في قاموس الرجال للتستيري: (أقول: هو أول من جعل الكتب الفقيهة بترتيب المتأخرين، فجمع في شرائعه لب ما في نهاية الشيخ الذي كان مضامين الأخبار، وما في مبسوطة وخلافه اللذين كانا على حذو كتب العامة في جمع الفروع، وقبله كان بعضهم يكتب كالنهاية كسرائر الحلي، وبعضهم كالمبسوط والخلاف كمهذب القاضي…).

التنقيح والتحقيق: كان أول من نبع منه التحقيق في الفقه، وعنه أخذ، وعليه تخرج ابن أخته العلّامة الحسن بن المطهر الحلي، وأمثاله أرباب التحقيق والتنقيح.

التدريس: كان مما خلّد المحقق، فقد خرّج على يده نخبة من الفطاحل، الذين جمعوا في دنياهم بين الورع والعلم، وتلمذ، عليه جماعة كبيرة من العلماء والفقهاء المبرّزين. وكانت الحركة العلمية في عصره قد بلغت شاناً عظيماً، حتى صارت الحلّة من المراكز العلمية في البلاد الإسلامية. وقد قال السيد الصدر: (وبرز من عالي مجلس تدريسه، أكثر من أربعمائة مجتهد جهابذة، وهذا لم يتفق لأحد من قبله).

تلامذته:

1ـ العلّامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي.

2ـ الحسن بن داوود الحلي، صاحب (الرجال).

3ـ السيد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاووس، صاحب (فرحة الغري).

4ـ جلال الدين محمد بن محمد الكوفي الهاشمي الحارثي.

5ـ السيد جلال الدين محمد بن علي بن طاووس.

6ـ الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد الحلي.

7ـ جمال الدين، يوسف بن حاتم الشامي، صاحب (الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم).

8ـ شمس الدين محمد بن صالح القسيني.

9ـ جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي القاشي.

مؤلفاته:

لقد صنف المحقق كتبه حسب مواضيعها كما يلي:

في أصول الدين: كتاب المسلك في أصول الدين.

في المنطق: كتاب النكهة في المنطق.

في الأصول: 1. المعارج في أصول الفقه. 2. نهج الوصول إلى علم الأصول.

في الفقه: 1. شرح نكت النهاية (أي نهاية الشيخ الطوسي). 2. شرايع الإسلام. 3. النافع في مختصر الشرايع. 4. مختصر مراسم سلار. 5. رسالة في القبلة.

في الأدب: ومن أهمها مراسلاته الشعرية التي جرت:

  1. بينه وبين والده. 2. بينه وبين صديقه الشيخ محفوظ.

في أجوبة المسائل: 1. المسائل العزية 2. المسائل المصرية.

وفاته:

اختلفت الأحاديث في نقل وفاة المحقق الحلي، ولكن أغلبها كان كما ذكر ابن داوود في رجاله بأنه: (توفي في شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وستمائة)، والذي يصادف صباح يوم الخميس، حيث سقط الشيخ رحمه الله من أعلى درجة في داره فخر ميتاً لوقته، من غير نطق ولا حركة، وقد دُفنَّ المحقق رحمه الله في محلة الجباوين من الحلة، وقبل بأنه بعد ذلك إلى النجف.

مما قيل في رثائه:

لمّا توفي المحقق رثاه الكثير من الناس ومنهم صديقه الشيخ محفوظ حيث قال:

أقلني الدهر وفرط الأسى  ***  وزاد في قلبي لهيب الضرام

لفقد بحر العلوم والمرتضى  ***  في القول والفعل وفصل الخصام

أعني أبا القاسم شمس العلى  ***  الماجد المقدام ليث الزحام

أزمة الدين بتدبيره  *** منظومة أحسن بذلك النظام

شبه به البازي في بحثه  ***  وعنده الفاضل فرخ الحمام

قد أوضع الدين بتصنيفه  ***  من بعد ما كان شديد الظلام

بعدك أضحى الناس في حيرة  ***  عالمهم مشتبه بالعوام

لو لا الذي بين في كتبه  ***  لأشرف الدين على الأصطلام

قد قلت للقبر الذي ضمه:  ***  كيف حويت البحر؟ والبحر طام

عليك مني ما حدا سائق  ***  أو غرّدَ القمري إلفا سلام

الكاتب ــ ــ

ــ ــ

مواضيع متعلقة