لسان العرب لابن منظور

img

مؤلف معجم «لسان العرب» هو: «محمد بن جلال الدين مكرّم ابن منظور»، شهر بنسبته إلى جده السابع «منظور» إذ عنده يقف أكثر من ترجموا له. ولد بمصر سنة (630 ھ)، حيث كان لأبيه مركز ديني وعلمي، ولذلك انشغل بالتحصيل العلمي منذ طفولته، وقد جذبته هذه الحركة العلمية كثيراً، فبيتهم كان معروفاً بعلمه منذ جده الأول، ولعل لقبه جلال الدين خير دليل على مكانه.

لقد كان له العديد من المؤلفات حيث قال فيه «الصفدي» في كتابه «أعيان العصر»: (.. أختصر كتبا، وكان كثير النسخ، ذا خط حسن وله أدب ونظم ونثر، وكان فاضلا، خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة، وكان قادراً على الكتابة لا يمل مواصلتها..).

وكان من أهم أعماله كتاب: «لسان العرب» والذي استخدم فيه نمط محدد، فلم يخرج عن النقل من الكتب اللغوية التي اعتمد عليها في تبويب ما نقل، وعرضه في صورة ميسرة، حيث قال في مقدمة كتابه: (..فجمعت منها في هذا الكتاب ما تفرق، وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها، سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم).

المراجع التي اعتمد عليها ابن منظور في كتابه:

تهذيب اللغة للأزهري، المحكم لابن سيده الصحاح للجوهري، الحاشية على الصحاح لابن بري، والنهاية لابن الأثير.

أسلوب الكتاب:

بدأ «ابن منظور»  معجمه «لسان العرب» بمقدمة ذكرت شيئا من المناهج التي اعتمدها، ومناهج الكتب التي كانت مرجعا له، ورأى أن يجمع من تلك المراجع خالصها، وأن يرتب هذا الخالص بأن يلتزم بالحرف الأخير من الكلمة، فيجعله بابا، ثم يفرع على الباب فصولا، ويجعل رموزها الحرف الأول من كلمات الباب.

فلسان العرب على هذا الترتيب الذي ارتضاه «ابن منظور» يكون عمل من أعمال المدرسة الثالثة، التي كان على رأسها «الجوهري». ثم رتب «ابن منظور» كتابه على ترتيب الجوهري لصحاحه. وصدّره بفصل في تفسير الحروف المقطعة التي وردت في أوائل سور القرآن الكريم، إذ ينطق بها مفرقة غير مؤلفة ولا منظمة ولو لم يجعلها في باب، فتفرقت على أبواب، كل كلمة في بابها، وكان الأزهري، قد عقد لهذه الحروف المقطعة فصلا، جعله في آخر كتابه «التهذيب» غير أن «ابن منظور» حين نقلها عن الأزهري، لم يشأ أن يؤخرها، بل صدر بها كتابه، وذلك للتبرك بتفسير كلام الله تعالى الخاص به، الذي لم يشاركه أحد فيه، إلا من تبرّك بالنطق به في تلاوته، ولا يعلم معناه إلا هو، لذلك اختار الابتداء بها. وبعد هذا التصدير، عقد «ابن منظور» بابا في ألقاب الحروف وطبائعها وخواصها، وقد ساق في هذا التصدير، ما عند ابن كيسان، والخليل بن أحمد، في ألقاب حروف الهجاء، ثم ما عند الخليل وسيبويه حول ترتيبها من حيث المخرج، ثم ما عند الخليل وسيبويه وابن كيسان والأزهري، حول العلامات بين الحروف المتقاربة المخارج والمتباعدة من تناسق وتنافر.

وبعد ذلك، ساق ابن منظور مواد كتابه «اللسان» مبتدئا بحرف الهمزة، ثم عرض الأبواب والفصول.

وقد درج «ابن منظور» على التمهيد لبعض الأبواب بكلمة موجزة عن الحرف المعقود له بابا، يذكر فيها مخرجه وخلاف النحويين فيه.

وهو في ذلك يستقي هذا من مرجع من مراجعه الخمسة في أكثر الأحيان، وإن لم يجد استخلصه من كتب النحو والصرف.

 وقد أتم «ابن منظور» تأليف كتابه «اللسان» نحو 681 ھ، كما أثبت ذلك بخطه في آخر الكتاب.

ونحن حين ننظر إلى مادته في معجم «لسان العرب» فإن ما يدهشنا هو غزارة المعلومات حول تلك المادة، وهذا عائد إلى أن المؤلف قد جمع خمسة مؤلفات في مؤلف واحد، وبذلك نرى الجهد الكبير الذي اقتضاه تأليف هذا المعجم.

وكان هم «ابن منظور» في «لسان العرب» الاستقصاء إلى أبعد حد، وهو حين يكثر الأخذ في مادة عن مرجع، يغلب طابع هذا المرجع على المادة، ولقد حرك هذا العمل رجال عصره بتقريظه.

وتروي لنا كتب التراث كثيرا من القصائد التي قيلت في مدح «ابن منظور» وكتابه «لسان العرب» وقد عاش المؤلف طويلا، إلى أن جاوز الثمانين عاما، وقد عاش هذا العمر قارئا كاتباً، وقبل أن يخرج من حياته، خرج عنه بصره فعاش بعض السنين لا يقرأ ولا يكتب، ولكن يسمع ويُسمع منه، وظل متابعا للعلم، ولم تقعده العاهة التي أصابته، بل ظل وفيا للعلم والمعرفة، وإماماً لمن يريد الاقتداء به، من أجل الوصول إلى غاية نبيلة شريفة.

الكاتب ــ ــ

ــ ــ

مواضيع متعلقة