الأمن في الإسلام (5)

img

كيف يتحقق الأمن الروحي؟

أولاً: الخوف العقلي

 لا يخلو الإنسان من الخوف؛ لأنه مخلوق ضعيف، محدود القوى والإمكانيات، ومحدود الجسد أيضاً. إن ما يشعرنا بالقلق والاضطراب هو تعلقاتنا بما حولنا، أو تنفرنا عما حولنا، فنخاف أن نخسر ما نحب، ونخاف من وقوعنا فيما نكره؛ إن المحبة والبغض تارة يكونان نابعين من الإيمان، وتارة أخرى ينبعان من الشرك، وهکذا فإننا نحتاج الى إيجاد تغيير في تعريف المحبة والبغض ومتعلقاتهما، بحيث لا نريد غير الله، ومن هو في طول محبة الله. وهذا ما يعبّر عنه بـ«الحب في الله والبغض في الله»، والذي يدرسه المتكلمون تحت عنوان (التوحيد في المحبة)، كما نحتاج الى أن ندرك حقيقة معنى «بيدك لا بيد غيرك زيادتي ونقصي، ونفعي وضري؛ إن حرمتني فمن ذا الذي يرزقني؟ وإن خذلتني فمن ذا الذي يرفعني؟ فلا نعتمد على غير الله في الوصول إليه، عندها لن نخاف خوفاً خارجاً عن التوحيد. وعندما يصبح خوف الإنسان هو خوف البعد عن الله، فإن هذا الخوف نوراني، وهو سبب من أسباب تنزل رحمة الله على عباده، وسبب في تحقق الأمن الروحي.

وحتى يصل الإنسان إلى الأمن، عليه العبور من عدة معابر تمثل في واقعها مخارجَ من مراحل الشرك إلى مراحل التوحيد حتی یصل الى التوحيد الخالص، والخوف هو أحد سبل الخروج: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. فعندما نعتمد على غير الله يمثّل هذا المعتمَد حاجزاً يمنعنا من الوصول إلى الله سبحانه وتعالی. وعندما يدرك الإنسان ذلك فإنه يخاف الله، لكن هذا الخوف هو خوف عقلي وليس خوفاً نفسياً. والخوف العقلي معقول ومطلوب أيضاً. والسر في ذلك كما ذكر الشيخ جوادي: إن القلب عندما يخلو من الهوى والتعلق بغير الله فإنه سوف يمتلئ وجلاً من إدراك جلال الله سبحانه وتعالى وعظمته، يصاحب تجلي عظمة الله وجلاله نوعاً من الخوف، لكنه ليس خوفاً من جهنم، أحياناًً يكون الخوف حذراً من الآخرة: «يحذر الآخرة»، و«يخافون العقاب». لكن قلب المؤمن المتعلق بالله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}.

إن خوف النبي موسى× هو الخوف العقلي النابع من:

أولاً: إدراكه لضعفه.

وثانياً: إدراكه لغنى الحق المطلق.

وثالثاً: إيمانه بأن ذلك الغني المطلق هو الذي يرفع حاجته، ولذلك يخاف من مقام الله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ويخاف أن يصدر منه سوء فيؤثر على علاقته بالله سبحانه: {مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[1]….

ثانياً: تحطيم ما نعتمد عليه من دون الله

عندما يحطم الله ما نعتمد عليه من دونه، فإن الهدف من ذلك هو أن نعترف بأنه لا أحد يمكن الاعتماد عليه غير الله.

 الخوف من ابتلاءات الله للانسان.

    إن الإنسان الصابر هو الذي يمكنه العبور من هذه المرحلة حتى يصل الى حصن التوحيد، كذلك الخوف من الموت هو من المخاوف التي تعتبر إحدی السبل لاستكمال الإنسان خاصة في المراحل الأولى للسلوك؛ ولذلك ورد الحث على الإكثار من ذكر الموت. ونسأل: ما هو الموت؟ الموت هو أن يخسر الإنسان الوسائط الأرضية المحدودة ويفقد ما تعلق به منها والتي تحفه في هذه الدنيا من كل جانب. إن هذا الخوف يرجع الى التعلق بغير الله؛

ولذلك يقول القرآن: أنكم عندما تصبرون في حال رفعنا لهذه الوسائط من بينكم تتنزل عليكم صلوات الله ورحمته: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}

ثالثاً: ذکر الموت

الخوف من الموت أمر طبيعي، لكن عندما يختار الصبر عند الخوف، فإن هذا الصبر هو حبل نجاته. کما أن ذکر الموت یعتبر عاملاً مهماً یحفظ إیمان الإنسان حیًّا.

يتبع…

_____________________

[1] شرح الشيخ جوادي آملي لسورة الأنفال، الدرس الخامس.

الكاتب الأستاذة فاطمة اليوسف

الأستاذة فاطمة اليوسف

مواضيع متعلقة