سلسلة محاضرات الوائلي رحمه الله : الإسلام ودورة المرأة في الحياة العامة

ضرورة الخضوع للحق:
إن المفارقات التي نراها في تاريخنا وتراثنا هي حافز لنا على أن نقيم الآخرين وأقوالهم في زيد وعمرو وفي بكر وخالد، كما أنها تبعث في أدمغتنا نشاطاً يحثّنا ويأخذ بأيدينا إلى عملية التقييم هذه؛ لأننا نريد أن نعرف طريق الحقّ فنتّبعه من طريق الباطل فنجتنبه. أمّا أولئك الذين يحاولون أن يموهوا تلك الحقائق فلابدّ من كشفهم وكشف زيفهم وكذب ادعائهم في مدحهم ثلة هي من أحطّ الناس، وفي تغييبهم أو توهينهم وتحجيمهم لمجموعة هي عبارة عن قمم ونجوم متألقة في سماء الدين وفي سماء الإسلام وفي حياة المسلمين كافة.
فالواقع يُملي علينا أن نعرف طريق الحق من طريق الباطل، وأن نميز بينهما،وأن نتبع منهج الحق وأن نترك منهج الباطل؛ لأننا بهذا نكون قد امتثلنا لكل ما رسمته لنا السماء، ولا نخرج عن ذلك الإطار الإلهي المقدس الذي يريدنا أن نكون ضمن دائرته، والإطار الّذي يبيّن لنا المنهج الواضح الذي ينبغي أن نسير عليه.
إذن ليس من الصحيح أن نعمد إلى مبدأ (قال اللَّه سبحانه وتعالى وأقول) ونعمل به، مع ما يتضمنه من معاندة صريحة للأوامر الإلهية، وما ينطوي عليه من مخالفة واضحة للمقاييس الشرعية؛ ذلك أننا نجد مثلاً وفق المقاييس الشرعية أن القرآن الكريم يعبّر عن ثلّة من الصحابة بأنهم منافقون ومنافقات، أما وفق مبدأ (قال اللَّه تبارك وتعالى وأقول) فإننا نجد أن هناك الكثير ممن يسبغ على هؤلاء المنافقين صفة التقديس، ويحلّهم موضع التكريم والاحترام، بحيث إنه يكفّر من ينالهم بالقول، أو ينال منهم أو يوجه إليهم أقلام النقد المبتني على المقاييس الشرعية، وعلى المنهج القرآني.
إن مثل هذا الكلام، ومثل هذه التصرفات يجب أن يُنأى بها عن حضرة الشرع الحنيف، وأن تطرح عن دائرة المعقول، وأن يرجع القائلون بها إلى ضوابط السماء، وأن يعملوا على ضوئها وهم يتعاملون مع هذه الظاهرة، وإلّا فإنهم سيصبحون مصداقاً للمروق عن تعاليم الدين، والتقيّد بها.
المبحث الثالث: نظرة القرآن الكريم إلى المرأة
تقول الآية الكريمة: (الْمُنَافِقَاتُ)، وهنا نقطة ينبغي التنبيه إليها، وهي أن القرآن الكريم قد وضع المنافقات مع المنافقين، ونصّ عليهنّ في هذه الآية الكريمة، مع أن المجتمع العربي الذي نزل فيه القرآن كان مجتمعاً بدوياً جاهلاً لا يعطي للمرأة مساحة أكثر من تلك المساحة التي يركنها فيها بين الجدُر وخلفالسُّتُر؛ ذلك أن المرأة عندهم دائماً تكون في موضع اشمئزاز. وهذا ما نلتمسه من خلال مأثوراتهم الأدبية التي وصلتنا، والتي تصور لنا تلك النظرة التي كانوا عليها إزاء المرأة، وتترجم لنا بدقّة وتفصيل كيف كان موقفهم السلبي منها، يقولأحد الشعراء:
القبر أخفى سترةٍ للبناتْ |
ودفنهنْ يُرى من المكرماتْ |
ألم ترَ الرحمن عزَّ اسمه |
قد وضع النعش بجنب البناتْ |
في إشارة إلى المجموعة الكوكبية التي تسمى بنات نعش. وهذا تصوير منهم صريح بأنهم لا يريدون للمرأة أن تعيش، بل إن الواجب هو قبرها في ملحودتها حتى يُتخلّص من عارها الّذي تصوّره لهم أوهامهم وموروثاتهم.
إذن فهؤلاء كان موقفهم من المرأة موقفاً سلبياً، وعلى هذه الشاكلة التي أبرزناها، بحيث إن الأمر يصل عندهم إلى مرحلة هي أن المرأة إذا حصلت لها العادة الشهرية فإنهم كانوا ينبذونها وراء البيوت، ويبعدوهنّ عن ممارسة نشاطاتهن وواجباتهن في الحياة العامة تماماً؛ بحيث إنها لم يكن لها أي دور عندهم في تلك الحياة أبداً.
وهذا هو الذي جعل من القرآن الكريم يقف منهم تلك المواقف المشهودة فيمحاولة تصحيح هذه النظرة المغلوطة إلى المرأة، وليخرج بالمرأة من هذه الصورة القاتمة التي يحددّ البعض معالمها فيها، وليرسم لها مجالاً واسعاً في الحياة وإن كان المجال الّذي تتكلم عنه آية المقام الكريمة حيالها. والصورة التي رسمها القرآن الكريم لها هنا صورة ومجالاً سلبيين؛ لأنها كانت تقف إلى جانب المنافقين، في إشارة إلى تلك الثلة المنافقة من النساء التي كانت تعمل إلى جانب المنافقين منالرجال على هدم الإسلام والقضاء عليه.
الأثر الحقيقي للمرأة في الحياة الاجتماعية
إن هؤلاء النسوة المنافقات اللواتي كن يعملن على هدم الإسلام هنّ مسلمات كما هو معروف، وهذا يعني أن الإسلام الحنيف قد أعطى للمرأة حقّ التحرّك وحريته، وحرية التعبير عن رأيها بشكل كامل. ومن هنا نستدل على أن النساء في الإسلام كنّ يلعبن دوراً مميزاً وهاماً في ميادين الحياة كافّة؛ سواء كان هذا الدور سلبياً أو إيجابياً كما ذكرنا.
تاريخ تجنيد المرأة في المنظومات الاستخبارية
وهذا الدور حاول المشركون واليهود استغلاله بكل أبعاده؛ ومن هنا فإننا نجد أن قريشاً حينما رأت المستوى الضخم الذي بلغته الدعوة الإسلامية، ورأت المبلغ العظيم التي بلغته ووصلت إليه؛ حيث إن هذه الدعوة أخذت تشقّ طريقها بتراتبية تصاعدية ووتيرة متسارعة إلى القلوب وإلى المجتمعات العربية وغيرها في ذلك الوقت.. المجتمعات التي كان الظلم ينخر فيها، وكان القوي فيها يأكلالضعيف – وهو ما حاول القرآن الكريم محاربته؛ بحيث إنه توعّد الظالمين وهددهم بأنهم سوف يتعرضون إلى أشد الحساب وإلى نار جهنم جرّاءه، وذلك في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقَاً) – لأن ذلك المجتمع قد رأى فيها الدين الذي يحقّق له العدل، والّذي ينشر المساواة بين الناس، والذي ينتصف للمظلوم من الظالم وإن كان المظلوم إنسانا عامّياً ومن الرعيّة، وكان الظالم إنساناً معروفاً، أو ملكاً، أو سيّداً.
ومن هذا، إضافة إلى عملية استقراء التاريخ، واستنطاق حقائقه التي سطرها القرآن الكريم والكتب المختصّة بتدوين تاريخ المسيرة البشريّة نستنتج ثلاثة أمور في غاية الأهميّة هما:
الأول: أثر التوازن الاقتصادي في إرساء الاستقرار في المجتمعات
إننا نعي حقيقة أن للتوازن الاقتصادي في المجتمعات البشريّة عامّة أثراً كبيراً وهامّاً في إرساء دعائم الاستقرار على أصعدته كافّة فيها؛ سواء كان استقراراً معاشياً، أو أمنياً، أو حتى على مستوى مسيرة التطوّر عندها، كما أن له أثراً واضحاً بيّناً في تدعيم قواعد بناء البنى الأساس لتلك المجتمعات.
الثاني: أن المجتمع الجاهلي مجتمع غير متوازن
أن المجتمع البدوي الجاهلي كان مجتمعاً غير متوازن؛ فمن خلال ما مرّ نستطيع أن نقول: إن المجتمع الذي نزل فيه القرآن الكريم كان مجتمعاً يضمّ ثلة لا تجد حتى الرغيف الّذي تأكله، كما أن في مقابل ذلك كانت هناك ثلة أخرى تأكل من الطعام بمقدارٍ لا تتّسع له بطونهم، بل إلى الحدّ الّذي كانوا يصابون معه بالبطنة من كثرة ما يأكلون وما يشربون، الوقت الذي يدركون فيه أن من حولهم أناساً غرثى لا يجدون ما يأكلون.
ولذا فإن القرآن الكريم حينما أُنزل على رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حينما جاء كان قد وضع نصب عينيه هدفاً محدّداً من ضمن مجموعة الأهداف السامية التي سعى إلى تحقيقها، وأراد أن يرصد لها حركته التغييرية والإصلاحيّة العارمة، وهو أن يعدّل من ذلك التوازن إن لم نقل: يوجده، وأن يعيد توزيع الثروات التي أسيء توزيعها واستعمالها فيه، فجهّز مساحة عريضة من الأحكام المختصّة بهذه الجنبة في تلك المرحلة الهامّة والحرجة، ولما بعدها من مراحل زمنية، وقنّن الكثير منالتشريعات المتعلّقة بهذا الجانب الحيوي في حياة المجتمعات البشرية واستقرارها، وهو ما صرحت به بعض آيات الذكر الحكيم، ومنها قوله تعالى:(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌعَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
إذن فالقرآن الكريم وصاحبه رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بدأ رحلة عسيرة الوطء، تتزلزل لها الخُطى في عملية تعديل ذلك التوازن في تلك المجتمعات، وإعادته إليها من خلال حثّ المسلمين على الإنفاق، وتشجيعهم عليه برصد ما وصف لهم من الجنة إزاءه، ووعده إيّاهم بها بما فيها ممّا لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب إنسان.
الثالث: أن الحركات التحرّرية أسرع انتشاراً في المجتمعات المسحوقة
وبما أن الأغلبية الساحقة كانت طبقة مسحوقة محرومة، ومزدراة، وفقيرة معدمة، فإن الإسلام أخذ ينتشر فيها انتشاراً كبيراً، بحيث إنه كان ينطبق عليه المثل القائل: (كانتشار النار في الهشيم)؛ لأن هؤلاء رأوا فيه الوسيلة الوحيدة للقضاء على ما كانوا يعيشونه من بؤس وظلم وازدراء واحتقار في المجتمع الذي كانوا ينتمون إليه.
وقريش حينما رأت أن هذا الدين الجديد قد أخذ ينتشر بين الناس انتشاراً كبيراً، وأن رقعته بدأت تتسع بشكل كبير وقياسي راحت تفكّر في شتى الطرق للوقوف في وجهه، فكان أن استعملت – للوصول إلى ذلك – كلّ ما تملك من طاقات وقوى وقابليات لردعه، ولمحاربة المسلمين ومحاصرتهم، وتضييق الخناق عليهم؛ كي يمتنع الناس في نهاية المطاف عن التهافت على الدخول في هذا الدين.
وبعد تأمل اهتدوا إلى حقيقة أن عنصر المرأة يمكن أن يلعب دوراً هامّاً وبارزاً في هذا المجال الذي يريدون أن يوظفوا المرأة له؛ لأنها من الممكن أن تكون عنصراً فاعلاً ومؤثراً فيه، بحيث إنها تبلّغهم مآربهم وأمانيهم في النيل من الدين الإسلامي الحنيف.
وهذه النظرية لا تخلو من وجه صحّة؛ فمن البديهي والمعروف أن المرأة لها دور مهم وكبير في التأثير على الرجل وإلى حرفه عن الطريق الصحيح السوي،وإلى تغييره، وبالتالي إمكانية التأثير عليه وفق ما تمليه عليه تلك المرأة التي أخضعته لسحرها وتأثيرها.
المرأة في التاريخ الإنساني وجذور تأثيرها على الرجل
ونحن حينما نرجع إلى تاريخ الإنسانية نجد أن الإنسان من الممكن أن يصمد أمام كثير من المؤثرات التي تعترضه، والتي ربما يبلغ الحد معها أن تصل إلى التعذيب وإلى تقطيع الأعضاء، فمن الممكن أن يقف الإنسان في وجه تلك المؤثرات ويصمد دون أن يتراجع أو دون أن يتخلى عن مبدئه أو معتقده، لكننا نجد أن البعض لا يمكن أن يصمد أمام تأثير المرأة وأمام إغوائها وسحرها. وهذه الظاهرة استغلتها المجتمعات البشرية في كلّ مكان حتى بتنا نسمع ونقرأ عن كثير من الأدوار التي لعبتها المرأة في الحروب وفي تغيير مسارها، وفي عمليات التجسس التي كانت تقوم بها.
نماذج من دور المرأة وتأثيرها في الحياة
وهنا سوف نتطرّق إن شاء اللَّه تعالى إلى بضعة نماذج ممّا يمكن أن يتّسع له المجال حول تأثير المرأة في المسيرة البشرية، وما كان لها من دور ملموس وملحوظ فيها، وهي:
الأول: سارة مولاة أبي عمرو ومحاولة استغلالها في فتح مكّة
والذي يظهر أن قريشاً أيضاً ممّن التفت إلى هذه الظاهرة كما ذكرنا، وحاول استغلالها عن طريق تسخير مجموعة من النساء تقوم بوظيفة ما يمكن أن نسميه الاستخبارات التي تمدّهم بأخبار المسلمين وبأخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبخططهم للانتشار والتوسع وفي خططهم الحربية وفي الدفاع وما إلى ذلك. ومن هذا ما يرويه المفسرون وغيرهم من كتاب السير من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما عزم على فتح مكّة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم فيه الخبر، وبعث به مع سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام التي كانت قد أتت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة إلى المدينة بعد بدر بسنتين، وكانت قريش قد أرسلتها لتتجسّس لها أخبار المسلمين؛ لأنهم عرفوا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيغزوهم بعد أن خرقوا اتّفاقهم معه صلى الله عليه وآله وسلم. وقد حدسوا بأن سيكون على إثرها نوع من التحرّك الذي سيقوم به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
فلما جاءت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها: (أمسلمة جئت؟). قالت :لا.قال: (أمهاجرة جئت؟). قالت: لا. قال: (فما جاء بك؟). قالت: كنتم الأهل والعشيرة والموالى ، وقد ذهب مواليَّ، واحتجت حاجة شديدة، فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني. فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم: (فأين أنت من شبّان مكّة؟). وكانت مغنية ونائحة، فقالت: ما طُلب مني ذلك بعد وقعة بدر.
فحثّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب على إعانتها، فكسوها وأعطوها نفقة.
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يتجهّز لفتح مكة كما ذكرنا، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة، وأعطاها ذلك الكتاب إلى أهل مكة، وأعطاها عشرة دنانير، وكساها برداً على أن توصله إليهم، وكتب في الكتاب: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، إن رسول اللَّه يريدكم، فخذوا حذركم.
وخرجت سارة، فنزل جبرائيل عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل حاطب، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لها من يأتي بالكتاب منها، فأخبرتهم بأن لا كتاب معها، وحلفت على ذلك. فعادوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه أن ليس معها كتاب، وأنها قد حلفت على ذلك، فأرسل إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعماراً والمقداد بن الأسود وأبا مرثد، وعمر والزبير وطلحة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم لهم: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين، فخذوه منها).
فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لهم،فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت باللَّه ما معها من كتاب، فنحّوها وفتشوا متاعها، فلم يجدوا معها كتابه، فهمّوا بالرجوع، فقال الإمام علي عليه السلام: (واللَّه ما كَذبنا، ولا كُذبنا). ثم سلّ عليه السلام سيفه وقال لها: (أخرجي الكتاب وإلّا واللَّه لأضربن عنقك). فلما رأت الجدّ أخرجته من ذؤابتها، وكانت قد خبّأته في شعرها. فرجعوا بالكتاب إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم.
فأرسل صلى الله عليه وآله وسلم إلى حاطب فأتاه، فقال له: (هل تعرف الكتاب؟).قال: نعم. قال:(فما حملك على ما صنعت؟). قال: يا رسول اللَّه، واللَّه ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحت لك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلّا وله بمكّة من يمنعه، وهم عشيرته،أمّا أنا فكنت غريباً، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت عليهم منهم، فأردت أن أتّخذ عندهم يداً، وقد علمت أن اللَّه ينزل بهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً.
وحاطب بن أبي بلتعة هذا كان بدرياً، وكان للبدريين مكانة كبيرة في قلبالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي الإسلام، ولذا فإنه حينما برر موقفه بأنه لم يكفر بعد إسلام ولم يشك بعد إيمان، لكنها لحظات ضعف مرت به حيث إن عائلته كانت عند قريش وكان يخاف أن ينكّلوا بها فعمد إلى هذا الفعل وإلى هذا الأسلوب؛ لأنه يريد أنتكون له يد عند قريش وصنيع بحيث إذا ما تغلبوا على جيش النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم سوف يحفظون له ذلك الصنيع؛ فلا يؤذون عائلته.