حول الإنسان (11)

img

3ـ القوة الهاضمة، وهي التي تهضم الطعام أثناء مروره على الأجهزة، وأثناء إمساكه عليها بالقوة الماسكة.

4ـ القوة الدافعة، وهي التي تدفع الفضلات التي لا تلائم البدن إلى السبيلين.

5ـ القوّة الغاذية، وهي التي تغذّي أعضاء البدن بما يناسبه من عصارة ذلك الطعام والشراب.

6ـ القوّة النامية، وهي التي ينمو بها الجسد ب سبب حصول عصارة ذلك الطعام الذي يتحوّل بعمليّة تلك ال قوى الخمس السابقة لهذه القوة، والتي عجنته بالمادّة اللعابيّة والمادّة المعِديّة، وحوّلته من طعام وشراب إلى مادّة تسمى «الكيموس»، ثم إلى مادّة تسمى «الكيلوس»، ثم اختلط بالكريات الحمر والكريات البيض، فيتحوّل إلى المادّة الحيويّة المشهورة المسماة بـ«الدم» الذي يغذّي البدن وينميه.

7ـ القوّة المولّدة، وهي التي تولّد من الموادّ المتكوّنة من الغذاء أو من الدم على قول بعضهم ما يصلح أن يكون منه مخلوق آخر، كالنطفة في الإنسان والحيوان الذكرين، والبويضة في الاُنثى، والحبّة والنواة في النبات.

8ـ القوّة المصوّرة، وهي التي يصدر عنها التخطيط والتشكيل، والخشونة والليونة، وغير ذلك.

فسبحان الخلّاق العليم.

وإذا استطعنا وبفضل من الله أن نعلم كلّ هذا، فهل نستطيع أن نعلم ما هي العوامل والأسباب التي تجعل من الخلايا الناتجة عن خلية واحدة تأخذ أنواعاً متباينة؛ فخلايا غضروفيّة، وخلايا عظميّة، وخلايا جلديّة، وخلايا لحميّة، وخلايا عصبيّة، إلى غير ذلك من الخلايا، ثم جعل كلّ شيء من هذه الخلايا في محلّه؟ وهل نستطيع أن نعرف ما هي العوامل والأسباب التي منحت الحيوان المنوي الذي يتكوّن منه الجنين اُنوثته وذكورته بالتعادل النسبي بين الجنسين؟

هل هو هذا الرحم الذي قدّر مستقبل هذا المخلوق، فمنح الخلايا أشكالها، وجعل كلّ شيء منها في محلّه، وأعطى الذكر ذكورته والاُنثى اُنوثتها، أم هي صاحبة الرحم، أم من هو يا ترى؟ إنه ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى([1]).

﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى([2]).

وقد اختلف العلماء في كيفيّة وصول الغذاء إلى الجنين، فقال بعضهم: إنه يحصل له بمادّة تفرزها له مسامّ في باطن الرحم. وقال آخرون: إنه يحصل له الغذاء بواسطة مادّة تصل إليه من طريق الحبل السري. وقال آخرون: إن في كلا القولين شيئاً من الحقيقة، ولكن قبل تكوّن الحبل السري والمشيمة تحصل تغذيته بواسطة (الإندسموز) أي الامتصاص. فإذا تكون الحبل السري الذي يخلق إلى جانب الجنين مرتبطاً من أحد طرفيه بقلب الأم عن طريق شريانين ووريد واحد، ومن طرفه الآخر بالجنين عن طريق عقدة السرّة، فإنه يكوّن الطريق الذي يوصل الماء والغذاء والأوكسجين إلى الجنين بواسطة نظام الدورة الدموية للاُم، ثم يقوم بدفع الفضلات والكربونات الزائدة إلى دم الاُمّ.

وإذا اختلف العلماء في كيفية وصول الغذاء للجنين، فإنهم لا يختلفون في أن ذلك الغذاء من إفرازات الدم، ولذا نجد أكثر النساء تنقطع عنهن العادة الشهرية منذ حصول الحمل؛ لأن غذاء الجنين يستهلك الدم الذي كان يخرج منها قبل الحمل في عادتها الشهرية، بل إن بعض النساء تنقطع عنها العادة حتى في أيام الرضاع، لأن الله سبحانه وتعالى يصرف تلك المادة التي كان يتغذى منها الجنين إلى ثدييها، ويحوّله لبناً خالصاً لا يوجد غذاء أفضل للطفل منه.

قال الإمام الصادق× لتلميذه المفضل بن عمر الجعفي الكوفي ينهه يا مفضل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به فأول ذلك ما يدبر به للجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ولا دفع أذى ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغدوه كما يغدو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاؤه حتى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه (أي جلده) على مباشرة الهواء وبصره على ملاقات الضياء هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد ازعاج واعنفه حتى يولد فاذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثديها فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته اليه فحين يولد تراه قد تلمض وحرك شفتيه طلباً للرضاع فهو يجد ثدي أمه كالأداوتين المقلقتين لحاجته فلا يزال يتغدى باللبن مادام رطب البدر دقيق الأمعاء لين الأعضاء.

المؤلف

ومن جرّاء ما تقدم يتبين لنا أن للدم أثراً كبيراً في تكوين الجنين وتغذيته، وإعداد الطفل وتنميته.

وبعد أن توصّل العلم إلى معرفة فصائل دم الإنسام الأربع ـ فصيلة «A»، وفصيلة«B»، وفصيلة «AB»، وفصيلة «O»  ـ أنقذ الأطباء كثيراً من المرضى بعملية نقل الدم إليهم ممن لهم القدرة على أخذ الدم منهم إلى غيرهم. وقد أجمع فقهاء المسلمين على جواز ذلك حتى ولو كان الدم من كافر إلى مسلم أو العكس، وأجازوا أخذ العوض عنه والتبرع به، بل جعلوا التبرّع به إلى مرضى المؤمنين مع عدم الضرر من أفضل القربات، كما أن سفكه من دون حق من أعظم الخطيئات، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ([3]).

روي عن عبد الملك بن مروان الاُموي أنه قال: كنت اُجالس بريرة مولاة اُم المؤمنين عائشة بالمدينة المنوّرة، فكانت تقول لي: يا عبد الملك، إني أرى فيك خصالاً، وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر، فإن وليته فاحذر الدماء، فإني سمعت رسول الله| يقول: «إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حقّ»([4]). وسيأتي الكلام عن الدم إنشاء الله تعالى.

______________________

([1]) طه: 50.

([2]) النجم: 45 ـ 46.

([3]) البقرة: 84.

([4]) المعجم الكبير 24: 205.

الكاتب الشيخ عبد الحميد المرهون

الشيخ عبد الحميد المرهون

مواضيع متعلقة