البشارة لطلّاب الاستخارة (7)

img

الباب الثاني: الاستخارة بالرقاع المبندقة

في الاستخارة البندقية بـ(الرقاع المبندقة)

علي بن محمّد رفعه عنهم ‏عليهم السلام إنّه قال لبعض أصحابه وقد سأله عن الأمر يمضي‏فيه ولا يجد أحداً يشاوره، فكيف يصنع؟ قال: «شاور ربّك». قال: فقال له: كيف؟ قال: «أنو الحاجة في نفسك ثمّ اكتب رقعتين في واحدة مع (لا)، وفي واحدة (نعم)، واجعلهما في بندقتين من طين، ثمّ صلّ ركعتين واجعلهما تحت ذيلك ‏وقل: يا اللَّه إنّي اُشاورك في أمري هذا وأنت خير مستشار ومشير، فأشر عليّ بمافيه صلاح وحسن عاقبة، ثم أدخل يدك، فإن كان فيها (نعم) فافعل، وإن كان فيهإ (لا) لا تفعل، هكذا تشاور ربك«(66).

وهذه الرواية رواها الكليني في (الكافي) والشيخ في (التهذيب)، وقد مضى ‏الكلام عليها في الباب الأوّل.

وروى أحمد بن محمّد بن يحيى قال: أراد بعض أصحابنا الخروج للتجارة فقال: لا [أخرج] حتى آتي جعفر بن محمّد عليهما السلام فاُسلّم عليه وأستشيره في أمري هذا وأسأله الدعاء لي، قال: فأتاه فقال: يابن رسول الله إنّي عزمت على الخروج‏ للتجارة، وإنّي آليت على نفسي ألّا أخرج حتى ألقاك وأستشيرك، وأسألك الدعاء لي، قال: فدعا [لي(67)]، وقال‏ عليه السلام له:

»عليك بصدق اللسان في حديثك، ولا تكتم عيباً يكون في تجارتك، ولا تغبن‏المسترسل(68) فإنّ غبنه ربا، ولا ترض للناس إلّا ما ترضاه لنفسك، وأعط الحقّ ‏وأخذه، ولا تحف ولا تجر(69)، فإنّ التاجر الصدوق مع السفرة الكرام البررة يوم ‏القيامة، واجتنب الحلف، فإنّ اليمين الفاجرة تورث صاحبها النار، والتاجر فاجر، إلّا من أعطى الحقّ وأخذه، وإذا عزمت على السفر أو حاجة مهمّة فأكثر الدعاء والاستخارة، فإنّ أبي حدّثني، عن أبيه، عن جدّه [أنّ] رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعلّم‏ أصحابه الاستخارة كما يُعلّمهم السورة من القرآن، وإنّا لنعمل ذلك متى‏هممنا [بأمر]، ونتّخذ رقاعاً للاستخارة، فما خرج لنا عملنا عليه، أحببنا ذلك أم‏ كرهنا.«

فقال الرجل: يا مولاي علّمني كيف أعمل؟ فقال: «إذا أردت ذلك فاسبغ الوضوء وصلّ ركعتين، تقرأ في كلّ ركعة الحمد و«قل هو اللَّه أحد» مائة مرّة، فإذا سلّمت‏ فارفع يديك بالدعاء وقل في دعائك:

يا كاشف الكربِ، ومفرّجَ الهمِّ، ومُذهِبَ الغمِّ، ومبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها،يا مَن يفزعُ الخلقُ إليه في حوائجهم ومهمّاتهم واُمورهم، ويتّكلون عليه، أمرتَ‏ بالدعاء وضمنتَ الإجابةَ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وابدأ بهم في كلّ‏خير، وفرّج همّي، ونفّس كربي، وأذهب غمّي، واكشف لي عن الأمر الذي قد التبس عليّ، وخر لي في جميع أموري خيرةً في عافية، فإنّي أستخيرُك اللهمّ‏ بعلمك، وأستقدرُكَ بقدرتك، وأسأُلُك من فضلك، وألجأُ إليك في كلّ أموري، وأبرأُ من الحول والقوة إلّا بك، وأتوكّلُ عليك، وأنت حسبي ونعمَ الوكيلُ.

«اللهمّ فافتح لي أبوابَ رزقِكَ وسهّلها لي، ويسّر لي جميعَ أموري، فإنّك تقدرُ ولا أقدرُ، وتعلمُ ولا أعلمُ، وأنت علّامُ الغيوب، اللهمّ إن كنتَ تعلمُ أنّ هذا الأمر -وتسمّي ما عزمت عليه وأردته – هو خيرٌ لي في ديني ودنياي، ومعاشي ومعادي‏وعاقبة أموري، فقدّره لي وعجّله عليّ، وسهّله ويسّره وبارك لي فيه، وإن كنتَ ‏تعلمُ أنّه غيرُ نافع لي في العاجل والآجل، بل هو شرُّ فاصرفه عنّي واصرفني عنه، كيف شئتَ وأنى شئتَ، وقدّر لي الخيرَ حيث كان [وأين كان]، ورضّني يا ربّ‏ بقضائك، وبارك لي قدرك، حتى لا أحب تعجيل ما أخّرتَ، ولا تأخير ما عجّلتَ، إنّك على كلّ شي‏ء قدير [وهو عليك يسير].

ثمّ أكثر الصلاة على محمّد وآله – صلّى الله عليهم أجمعين – ويكون معك ثلاث ‏رقاع قد اتّخذتها في قَدَرٍ واحدٍ، وهيئةٍ واحدةٍ، واكتب في رقعتين منها: (اللّهمّ ‏فاطر السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أنت تحكمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اللهمّ إنّك تعلمُ ولا أعلمُ، وتقدرُ ولا أقدرُ، وتمضي ولا أمضي(70)، وأنت علاّمُ الغيوب، صلّ على محمّد وآل محمّد، واخرج لي أحبّ ‏السهمين إليك، وأخيرهما(71) لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري، إنّك على كلّ‏شي‏ء قدير، وهو عليك يسيرٌ.

وتكتب في ظهر أحد الرقعتين: افعل، وعلى الاُخرى: لا تفعل، وتكتب على ‏الرقعة الثالثة: لا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم، استعنتُ باللَّه وتوكّلتُ عليه، وهو حسبي ونعم الوكيل، توكّلتُ في جميع اُموري على الله الحيّ الذي لا يموت، واعتصمتُ بذي العزّة والجبروت، وتحصّنتُ بذي الطول والملكوت، وسلامٌ على‏المرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد النبيّ وآله الطاهرين.

ثمّ تترك ظهر هذه الرقعة أبيض، ولا تكتب عليه شيئاً.

وتطوي الثلاث الرقاع طيّاً شديداً على صورة واحدة، وتجعل في ثلاث بنادق(72) شمع أو طين، على هيئةٍ واحدةٍ ووزنٍ واحدٍ وادفعها إلى من تثق به، وتأمره أن ‏يذكر اللَّه ويصلّي على محمّد وآله، ويطرحها في كُمّه، ويدخل يده اليمنى ‏فيجيلها(73) في كمّه ويأخذ منها واحدة من غير أن ينظر إلى شي‏ء من البنادق، ولايتأمّل(74) واحدة بعينها، ولكن أيّ واحدة وقعت عليها يده من الثلاث أخرجها، فإذا أخرجها أخذتها منه وأنت تذكر اللَّه عزّ وجلّ؛ ولله الخيرة فيما خرج لك، ثمّ ‏فضّها واقرأها واعمل بما يخرج على ظهرها.

وإن لم يحضرك من تثق به طرحتها أنت في كُمّك وأجلتها بيدك، وفعلت كما وصفت لك، وإن كان على ظهرها افعل فافعل وامضِ لما أردت، فإنّه يكون لك‏ فيه إذا فعلته لقيت عنتاً، فإن تمّ لم يكن لك فيه الخيرة. وإن خرجت الرقعة التي لم‏ تكتب على ظهرها شيئاً فتوقّف إلى أن تحضر صلاة مفروضة، ثمّ قم فصلّ ركعتين‏ كما وصفت لك، ثمّ صلّ المفروضة، أوصلّهما بعد الفرض ما لم يكن الفجر أو العصر.

فأمّا الفجر فعليك بعدها بالدعاء إلى أن تنبسط الشمس، ثمّ صلّهما. وأمّا العصر فصلّهما قبلها، ثمّ اُدع اللَّه عزّ وجلّ بالخيرة – كما ذكرت لك – وأعد الرقاع واعمل ‏بحسب ما يخرج لك، وكلّما خرجت الرقعة التي ليس فيها شي‏ء مكتوب على‏ظهرها، توقّف إلى صلاة مكتوبة كما أمرتك إلى أن يخرج لك ما تعمل عليه إن‏شاء اللَّه«(75).

يتبع…

الهوامش

66) الكافي 8/473 :3، تهذيب الأحكام 413/182 :3، وسائل الشيعة 69 :8، أبواب صلاة الاستخارة، ب2، ح2.

67) من المصدر، وفي المخطوط: له.

68) في المستدرك: «المشتري» بدل: «المسترسل».

69) في فتح الأبواب: «ولاتخف ولا تخن» بدل: «ولا تحف ولا تجر».

70) في فتح الأبواب: «وتقضي ولا أقضي» بدل: «وتمضي ولا أمضي».

71) في المصدر: «وخيرهما» بدل: «وأخيرهما».

72) البندقة: طينة مدوّرة مجفّفة، مجمع البحرين 250:1- بندق.

73) الإجالة: الإدارة، الصحاح 1663 :4 – جول.

74) في المصدر: «يتعمّد»بدل: «يتأمّل».

75) فتح الأبواب: 164 – 160، مستدرك الوسائل 254 – 250 :6، كتاب الصلاة 6، صلاة الاستخارة، ب2، ح4 بتفاوت فيهما.

الكاتب الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

مواضيع متعلقة