شرح دعاء كميل (9)
![img](https://al-mostafa.co/magazine/wp-content/uploads/2015/06/2765_41444.jpg)
﴿وَبِسُلطانِكَ الّذي عَلا كَلَّ شَيء﴾
السّلطان: الحجّة والبرهان. قوله تعالى: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾([1]) يجوز أن يكون بمعنى الغلبة والتسليط، ويحتمل أن يكون بمعنى الحجّة، أي يجعل لكم حجّة وبرهاناً، والسلطنة: القوة والغلبة.
علا يعلو: ارتفع وتفوّق، وفاق.
وفي القاموس: «السلطان: الحجّة، وقدرة الملك ـ ويضمّ لامه ـ والوالي»([2]).
و هاهنا بجميع معانيه صادق عليه تعالى؛ لأنّ حجّته وبرهانه وسلطنته وغلبته وكذا قدرته وتوليته علت وفاقت على جميع الأشياء. ثم إنّ من حججه وبراهينه خلفائه تعالى في أرضه، واُمنائه في بلاده الذين افتتحت منهم الباديات، واختتمت بهم العائدات، كما ورد: «بكم فتح الله وبكم يختم»([3]). فإنّه لمّا كان مقامهم بحسب الرّوحانية مقام العقول الكليّة ـ وهي وسائط جوده تعالى بحسب النزول، وروابط الحوادث بالقديم بحسب الصعود ـ كان افتتاح الفيض منهم واختتامه بهم.
فهم^ ـ بشراشر وجودهم ـ حجج الله تعالى على عباده، التي لا تعلوها حجة سوى ذاته تعالى؛ إذ عقولهم الصحيحة الكافية المستكفية حجج على العقول، ونفوسهم المطمئنة المعلّمة حجج على النفوس، وأقوالهم الشافية الوافية حجج للمحبّين، وأفعالهم الخالصة الصافية حجج للعاملين المستكملين المشترشدين.
ومن حججه وبراهينه النفوس المتعلّمة بالأسماء بالقوّة، كما ورد عن أمير المؤمنين×: «الصورة الإنسانيّة هي أكبر حجج الله على خلقه، وهي الكتاب الذي كتبه بيده، وهي الهيكل الذي بناه بحكمته، وهي مجموع صُوَر العالمين، وهي المختصر من اللوح المحفوظ، وهي الشاهدة على كلّ غائب، وهي الحجّة على كلّ جاحد، وهي الطّريق المستقيم إلى كلّ خير، وهي الجسر الممدود بين الجنّة والنّار»([4]).
والآيات الفرقانيّة والكلمات الحكميّة والعرفانيّة في هذا الباب كثيرة جدّاً:
منها: قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾([5])، وقوله: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾([6])، وقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾([7])، وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ﴾([8]).
وقوله×: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»([9])، وقوله: «أعرفكم بنفسه أعرفكم بربّه»([10]).
وقال صدر المتالّهين السّبزواري+ في النّبراس الذي نظمه في الفقه:
لا تعد عنك بك للكلّ اتّسا |
آسيك فيك دافع عنك الأسى |
وهذه الأبيات كانت ترجمة كلام أمير المؤمنين×:
دواؤك فيك ولا تبصر |
وداؤك منك ولا تشعر |
وقال+ في الأبيات الفارسيّة:
فلک دوران زند بر محور دل نهفته مهر پاکان در نهادش |
وجود هر دو عالم مظهـر دل |
ومن حججه البالغة في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾([15]): أنّه تعالى يقول يوم القيامة للعبد: «عبدي كنت عالماً؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت؟! وإن قال: كنت جاهلاً، قال: أفلا تعلّمت حتّى تعمل؟! فيخصمه، فتلك الحجّة البالغة»([16]).
يتبع…
________________________
([2]) القاموس المحيط 2: 365، مادة «سلط».
([3]) الكافي 4: 576/ 2، وفيه: «عن الصادق×».
([4]) شرح الأسماء الحسنى (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 12.
([9]) عوالي اللئالي 4: 102/ 149. بحار الأنوار 2: 32/ 22.
([14]) انظر: شرح الأسماء الحسنى (حاج ملا هادي السبزواري) 1: 12.