البشارة لطلّاب الاستخارة (6)

img

وقد صنف السيّد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة رضي ‏الدين أبو الحسن علي بن طاووس الحسني ‏رحمه الله كتاباً ضخماً في الاستخارات، واعتمد فيه على رواية الرقاع، وذكر من آثارها عجائب وغرائب أراه اللَّه تعالى ‏إيّاها.

وقال: إذا توالى الأمر في الرقاع فهو خير محض، وإن توالى النهي فذاك الأمر شرّ محض، وإن تفرّقت كان الخير والشرّ موزّعاً بحسب تفرّقها على أزمنة ذلك الأمر بحسب ترتبها(57)…(58).انتهى كلامه أعلى اللَّه مقامه.

قال ابن طاووس ‏رحمه الله: (وممّا وجدته من عجائب استخارة الرقاع أنّه طلبني بعض ‏أبناء الدنيا وأنا بالجانب الغربي من بغداد، فبقيت اثنين وعشرين يوماً أستخير الله ‏أن ألقاه، فتأتي الاستخارة (لا تفعل) في أربع رقاع، أو في ثلاث متواليات، وما اختلف في المنع المدّة المذكورة، ثم ظهر لي حقيقة سعادتي بعد ذلك. ومن‏عجائبها أنّي أقمت بالحلّة شهراً وكنت أريد إتيان بعض ولاتها، فكنت كلّ يوم‏ أستخير اللَّه أوّل النهار وآخره في لقائه، فتأتي الاستخارة (لا تفعل)؛ فتكمّلت ‏نحواً من خمسين استخارة (لا تفعل) وظهر لي بعد ذلك سبب سعادتي، وهل يقبل ‏العقل أنّ الإنسان يستخير اللَّه خمسين استخارة تكون كلّها اتفاقاً (لا تفعل)؟

ومن عجائبها أنّي قد بلغت من العمر نحواً من ثلاث وخمسين سنة منذ عرفت جهة الاستخارات فلم أرَ فيها ما يخالف السعادات فأنا فيها كما قيل:

قلـــتُ للعـــاذل لمّـــا جـــاءنــي   ***   من طريق النصح يبدي ويعيــد

أيّهـــا النـــاصـــح لي في زعمـــه    ***   لا ترد نصحــاً لمن ليـس يريــد

فالــذي أنـــت لـــه مستـقبـــح    ***   ما على استحسانه عندي مزيـــد

وإذا نحـــن تـبــايــنّــــا كــــذا    ***   فاستمــاع العذل شي‏ء لا يفيـــد(59)

ومن كتاب (الاستخارات) لابن طاووس‏رحمه الله: (وأمّا تفصيل فوائد الاستخارة بالستّ رقاع زيادة على ما قدّمناه ممّا فتحه اللَّه – جلّ جلاله – علينا وعرفناه يقيناً ووجدناه، فإنّني أستخير اللَّه – جلّ جلاله – كما وردت الروايات بذلك على ‏التفصيل مع روايات عرفتها من اُصول كتب أصحابنا المتضمّنة للأخبار والأسرار، فأستخير اللَّه في فعل شي‏ء فتخرج الاستخارة (افعل) – مثلاً – ثلاث مرّات‏ متواليات، فأستخير في ترك ذلك الفعل، لجواز أن يكون الفعل مثل الترك، لمادّة تقتضي تجويز التساوي بين الفعل والترك وجواز الاستخارة فيهما، فإن جاءت ‏الاستخارة في الترك ثلاث متواليات علمت أنّ الترك مثل الفعل، فكنت أعلم من ‏نفسي أن لا ترجيح لأحدهما على الآخر في الفعل.

وهذا [علمته وعملته بظاهر(60)] روايات الاستخارات، لأنّني وجدت إذا كانت ‏الاستخارة في ثلاث (افعل) فبقي الترك لا أدري هل أنا ممنوع منه أو مخيّر فيه‏ على السواء، أو مخيّر فيه، ولكن الفعل أرجح؟ فلمّا وجدت الحال مشتبهاً وجدت ‏الروايات تتضمّن كشف الحقيقة بالاستخارات، ووجدت روايات الاستخارة بالرقاع أيضاً تتضمّن: (إذا أردت أمراً فاستخر فيه)، فتدخل استخارتي في الترك‏ تحت عموم أخبار الاستخارة عند الاشتباه في المصلحة، وتحت عموم الأخبار(إذا أردت أمراً فاستخر)، وهذا في أمر قد أردته فاستخرت في الترك.

والوجه الآخر: أنّني أستخير اللَّه – جلّ جلاله – فتخرج الاستخارة مثلاً في ثلاث‏متواليات (افعل)، فأستخير في الترك فتكون الاستخارة (افعل) ولكنّها في خمس‏ رقاع أو في أربع، فأعلم أنّ الفعل أرجح من الترك، وإن كان الجميع خيرة.

والوجه الآخر: أنّني أستخير اللَّه جلّ جلاله فتخرج الاستخارة في خمس أو أربع(افعل)، ثمّ أستخير اللَّه في الترك فتكون الاستخارة (لا تفعل)، فأعلم أنّ الفعل‏خيرة ولكن فيه كدر بحسب موضع الرقاع التي في خمس أو أربع التي فيها(لا تفعل…((61). انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

تنبيه: اعلم أنّ القراءة بعد الحمد في صلاة الاستخارة غير معيّنة، يدلّ على ذلك ‏مارواه الكليني والصدوق والشيخ الطوسي في (متهجّده) عن مرازم قال: قلت ‏للصادق‏ عليه السلام: أيّ شي‏ء في ركعتي الاستخارة؟ فقال: «اقرأ فيهما ما شئت، وإن‏ شئت قرأت فيهما التوحيد والجحد«(62).

وذكر ابن طاووس في كتابه (فتح الأبواب): (ولمّا رأيت أخباراً كثيرة تضمّنت ‏تخيير الإنسان فيما يقرؤه بعد الحمد في ركعتي الاستخارة هداني اللَّه تعالى أن‏ أقرأ فيهما كصلاة ركعتي الغفيلة، لأنّي وجدت المستشير له تعالى في ظلمات في ‏رأيه وتدبيره فقرأت بعد الحمد في الاُولى: «وذا النون إذ ذهب«(63) الآيتين، ثم ‏قلت ما معناه:

يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أنا في ظلمات فيما أستشيرك فيه، فنجّني كما وعدت، إنّك تنجي المؤمنين، واكشف لي ذلك برحمتك على اليقين، ثمّ اقرأ في ‏الركعة الثانية بعد الحمد: «وعنده مفاتيح الغيب«(64) الآية، وأقول: اللهم إنّي‏ أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلّا أنت. ثمّ أدعو بما سنح((65). انتهى كلامه‏ أعلى الله مقامه.

يتبع…

الكاتب الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

مواضيع متعلقة