البشارة لطلّاب الاستخارة (5)

img

الباب الأوّل: استخارة ذات الرقاع

في الاستخارة بالرقاع

وهي أعظمها فضلاً وأجلّها نفعاً، فقد رواها الشيخ ثقة الإسلام في (الكافي) وشيخ ‏الطائفة في (التهذيب) عن غير واحد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد البصري، عن القاسم بن عبد الرحمن الهاشمي، عن هارون بن خارجة، عن أبي ‏عبداللَّه‏ عليه السلام قال: «إذا أردت أمراً فخذ ستّ رقاع فاكتب في ثلاث منها: (بسم الله ‏الرحمن الرحيم، خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل، وفي ثلاث‏ منها: بسم الله الرحمن الرحيم، خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل، ثم ضعها تحت مصلّاك، ثمّ صلّ ركعتين، فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل ‏فيها مائة مرّة: أستخير اللَّه برحمته خيرة في عافية، ثم استوِ جالساً وقل: اللهمّ خرلي واختر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية، ثمّ اضرب بيدك إلى الرقاع ‏فشوّشها وأخرج واحدة [واحدة]، فإن خرج ثلاث متواليات افعل فافعل الأمر الذي تريده؛ وإن خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله، وإن خرجت واحدة افعل والأخرى لا تفعل فاخرج من الرقاع إلى خمس، فانظر أكثرها فاعمل به، ودع ‏السادسة لا تحتاج إليها«(50).

[ترجيح الاستخارة بالرقاع على أنواع الاستخارة الأخرى]:

قال ابن طاووس – طاب ثراه – في كتابه (فتح الأبواب) : (هذه الاستخارة مفضّلة على كلّ استخارة وردت عنهم‏ عليهم السلام.

أمّا ترجيحها على الاستخارة بالدعوات فمن وجوه:

الأوّل: أنّ المستخير بالدعوات لو وجد ما تضمّنه دعاؤه لم يعلم هل ذلك منهم في‏جواب دعائه أم كان ابتداءً منه واتفق عند اتفاق الدعاء؟

الثاني: أنّ المستخير بالدعوات ليس بمستشير بل سائل، والمستشار يلزمه نصيحة المستشير له ما لا يلزمه لأصحاب الدعاء.

الثالث: أنّ المستخير بالدعوات لا يعلم مابين يديه من ظفر أو كدر، وهذا يعرف ‏من الرقاع.

وأمّا ترجيحها على الاستخارة بترجيح الخاطر فمن وجوه:

الأوّل: أنّ الذي يعتمد على الخاطر الأرجح كيف يصنع إذا كان الفعل كالترك وهما متساويان عنده تعالى؟ فهنا ينسد الباب بخلاف الرقاع.

الثاني أنّ الذي يعمل على ترجيح الخاطر كيف يصنع إذا كان الفعل أرجح من ‏الترك أو العكس، وبهما جميعاً خيرة وصواب؟ وهذا يعرف من الرقاع.

الثالث: أنّ الإنسان بين عقله وبين هواه، وبين طبعه وبين الشيطان؛ فكيف يعلم‏ يقيناً أنّ هذا الخاطر المرجّح من جانب الله تعالى دون النفس والهوى والطبع‏ والشيطان، والإنسان يعلم ضعفه عن هذا المقام الباهر؟

إن قيل: متى رجح خاطره علم أنّه منه تعالى.

قلنا: هذا لا يقوله إلّا المعصوم، فأمّا نحن فكيف نأمن؟

وأمّا ترجيحها على العمل برقعتين فمن وجوهٍ:

الأوّل: أنّه لا يفهم الترجيح إذا جاء في الفعل نعم. واستخرت في الترك فجاء نعم أيضاً، ويكون أحدهما أرجح، وهذا يفهم بالستّ.

الثاني: أنّ الذي يعمل بالرقعتين لا يدري ما بين يديه من تفضيل مواضع الصفاء والكدر، بخلاف الستّ فإن كان رقعة تجي‏ء (لا تفعل) فكأنّها كدر وكلّ رقعة تجي‏ء(افعل) فكأنّها صفو، فإن كانت الثلاث المتوالية كلّها (افعل) فالصفو حاصل في‏جميع الخيرة وإن انعكس انعكس.

وإن كان فيها (افعل) و(لا تفعل) فالصفو حاصل في مكان الأمر والكدر حاصل‏ في مكان النهي إن جاء ذلك في أوّله أو وسطه أو آخره.

الثالث: طرقها معروفة مسندة، وما وجدنا في الاستخارة بالرقعتين في بندقتين إلّارواية واحدة مرسلة ضعيفة(51).

وقال أيضاً – أعلى اللَّه مقامه – في كتابه (فتح الأبواب):

الباب التاسع: فيما أذكره من ترجيح العمل في الاستخارة بالرقاع الستّ في ‏الاستخارات:

إنّ العامل بها يكون عاملاً بكلّ خبر عام في الاستخارة ممّا يمكن أن تكون ‏الأخبار بالرقاع الستّ مخصّصة لتلك الأخبار العامة، وإذا عمل بتلك الأخبارالعامة فحسب، سقط منه أخبار العمل بالرقاع، ومع إمكان العمل بالجميع لا يجوزإسقاط شي‏ء منها، فرجح – كما ترى العمل بأخبار الاستخارة بالرقاع المذكورة.

الوجه الآخر: أنّ العامل في الاستخارة على الأخبار الواردة بالاستخارة بالستّ ‏الرقاع يكون عاملاً بكلّ خبر ورد في الاستخارة مجملاً ممّا يمكن أن تكون‏ الاستخارة بالرقاع الستّ مبيّنة لتلك الأخبار المجملة، وإذا عمل بتلك الأخبار المجملة فحسب؛ سقط منه أخبار العمل بالرقاع الموصوفة، ومع إمكان العمل ‏بالجميع – كما قدّمناه لا يجوز إسقاط شي‏ء منها، فظهر ترجيح العمل بأخبار الاستخارة بالرقاع المذكورة؛ وهذا الوجه غير الوجه الأوّل؛ لأنّ ذلك تخصيص‏ العموم وهذا بيان المجمل.

الوجه الآخر: أنّه متى أمكن العمل بالجميع بين الأخبار المختلفات في ظاهر الروايات على وجه من الوجوه، سواء كان ذلك بتخصيص العموم أو ببيان المجمل ‏أو بغير ذلك من التأويلات، فالواجب العمل بالجميع مع الإمكان، وسنذكر تأويلات محتملات للأخبار الواردة بما عدا الأخبار المتضمّنة للرقاع الستّ في ‏الاستخارات.

الوجه الآخر: أنّ الأخبار الواردة في الاستخارة بغير الستّ رقاع، قد روى كثير من المخالفين من طريقهم نحوها أو مثلها، فلعلّ الذي ورد من طريق أصحابنا ممّا يخالف الاستخارة بالرقاع يكون قد ورد على سبيل التقيّة؛ وهذا حجّة واضحة قويّة في ضعف الأخبار المخالفة للرقاع عند مَنْ أنصف من أهل البصائر الدينيّة.

الوجه الآخر: أنّ الأحاديث وردت من جانب الخاصة بما معناه: أن إذا وردت‏ أحاديثنا مختلفة، إنّنا نأخذ بأبعدها من مذهب العامة (52). انتهى كلامه أعلى الله ‏مقامه.

قال الشهيد رحمه الله في (الذكرى) بعد أن أورد الاستخارة بالرقاع الستّ وعقّبها بذكر استخارة الرقعتين في بندقتين: (ولا يضرّ الإرسال فإنّ الكليني ‏رحمه الله ذكرها في ‏كتابه(53)، والشيخ في (التهذيب)(54) وغيرهما؛ وإنكار ابن إدريس(55) الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له، مع اشتهارها بين الأصحاب وعدم رادّ لها سواه ومن أخذ مأخذه، كالشيخ نجم الدين في (المعتبر) حيث قال: هي في خبر الشواذ فلا عبرة بها(56)، وكيف تكون شاذّة وقد دوّنها المحدّثون في كتبهم والمصنّفون في ‏مصنفاتهم؟!

يتبع…

الهوامش:

 

50) الكافي 3/470 :3، تهذيب الأحكام 412/181 :3، وسائل الشيعة 68 :8، أبواب ‏صلاة الاستخارة، ب2، ح1.

51) فتح الأبواب: 217 – 212.

52) فتح الأبواب: 210 – 209.

53) الكافي 8 / 473 :3 .

54) تهذيب الأحكام 413 / 182 :3.

55) السرائر 314 – 313 :1.

56) المعتبر 376 :2.

الكاتب الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

مواضيع متعلقة