قميص الحسين (ع)

img

روي عن أبي عبد الله الصادق (ع): (إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ثم أمر مناديا فنادى: غضوا أبصاركم، ونكسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة ابنة محمد (ص) الصراط. فيغض الخلائق أبصارهم، فتأتي فاطمة الزهراء على نجيب من نجب الجنة، يشيعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفا شريفا من مواقف القيامة، ثم تنزل عن نجيبها، فتأخذ قميص الحسين بن علي (ع) بيدها مضمخا بدمه وتقول: يارب هذا قميص ولدي، وقد علمت ماصنع به. فيأتيها النداء من قبل الله عز وجل: يا فاطمة، لك عندي الرضا. فتقول: يارب، انتصر لي من قاتله. فيأمر الله تعالى عنقا من النار ، فتخرج من جهنم، فتلتقط قتلة الحسين بن علي كما يلتقط الطير الحب، ثم يعود العنق بهم إلى النار فيعذبون فيها بأنواع العذاب) الأمالي (المفيد) ١٣٠.
إن السيدة الزهراء لم تكن تريد من هذا القميص مجرد ذلك النسيج القماشي، بل إنها تريد أن ترمز به إلى ماهو أكبر وأبعد، وهي الصرخة المدوية التي أطلقها أبي الضيم وهو يناضل ويجاهد بنفسه وروحه وأهل بيته وأصحابه في سبيل الحق والدين أن تطمس معالمه.  غير أن المسلمين الذين نهض (ع) من أجلهم، ومن أجل رفعة شأنهم عبر الحفاظ على حدود دولتهم، لم يقفوا منه ذلك الموقف المشرف الذي كان ينبغي أن يقفوه، ولم يدركوا له ذلك الفضل الجسيم الذي تقدم به إليهم، والذي لولاه لضاع الدين، ولمحيت رسومه، فكان أن كافؤوه بالسيف إذ رفعوه في وجهه، وبالتعامل غير النبيل مع حرمه، وحاولوا أن يشوهوا الصورة الناصعة لحركته المباركة عبر تفريغها من محتواها بما حاولوا أن يبثوه من أكاذيب يؤرخون لها.
إن السيدة البتول (ع) تريد أن ترمز بذلك القميص المقدس إلى أمر أوسع مما يمكن أن يتصوره البعض، فهي (ع) تريد أن تقول لله جل شأنه: إن العالم الإسلامي كان يعيش متراجحة حرجة في تاريخه، وهي متراجحة يعد انتصار أحد طرفيها ضياع الطرف الآخر وتلاشيه. ونحن نجد في أحد طرفي هذه المتراجحة ريادة الحق، وقادة الدين، وممثلي السماء وهو الطرف المتمثل بالسبط الشهيد (ع)، وفي الطرف الثاني نجد الشرك والكفر والجاهلية المتمثلة بيزيد وأزلامه.  وعلى هذا فإن انتصار يزيد يعني ضياع الدين وضياع الهدف من البعثة النبوية التي حطمت الأصنام وقضت على الدعوة إليها وعبادتها ودعوة الناس إلى عبادة الله وطاعته، وهذا ماسوف لن يكون لو انتصر دعاة الشرك والجاهلية.  وأما لو انتصر طرف الخير الذي يمثله الحسين (ع) فهذا يعني تحقيق الهدف الأسمى. فهذا القميص قد لطخ بالدم الذي أريق لأجل الله على تراب كربلاء، ومن أجل الدعوة إلى عبادة الله، والوقوف بوجه الظلم والطغيان المتمثل في السلطة القائمة آنذاك. وعليه فإن عدل الله ولطفه يقضيان تكريم ذلك الموقف وصاحبه، ومعاقبة من وقفوا بوجه دين الله وعبادته.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة