يعرف الرجال بالحق – الجزء السابع عشر

img

كلمات الله التامات تناغي القلوب وتتحاور مع العقول ، وتَصْرَعُ الخبائث وتنقي الأفئدة ،وترفع الإنسانية ،وتفرض المثل، وتنتصر للفطرة السليمة ، ولهذا فإن لسماع آيات الله جلت قدرته تتلى على مسامع المؤمنين من المهاجرين والأنصار ليل نهار وقع الزلزال الحميدي الذي تتفاعل معها كياناتهم وفطرتهم السوية وعقولهم المتبصرة ،فتربيهم تربية دينية أخلاقية سامية ،وتغرس مثل عليا وقيم راسخة شامخة باقية ما بقي الليل والنهار ،يذكر الله سبحانه في محكم كتابه :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ “.( الحجرات -١٢)،وقال سبحانه :” يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”. (لقمان -من ١٧- إلى ١٩ )، وقال العلي الأعلى :” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”.( آل عمران – ١٠٣)، وتغرس ركائز إجتماعية إنسانية علمية وعملية ذات مرونة ونسيج يحاكي الفطرة السوية ويتماهى معها ويهيمن عليها في أداء توافقي مع الذات والمجتمع مباشرة تصب في خدمة الإنسانية جمعاء ،ألم يقل الله تعالى :” كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ “.( البقرة -من-١٥١-إلى-١٥٣)،كما قال الحق :” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “.( الروم -٢١)،كما قال تعالى :” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “.( العنكبوت-٨ )، يقول القادر المقتدر :” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ “.( التوبة-٢٤).وقال العالم المدبر :”يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “.( الحجرات -١٣)،وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ” تعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص”،كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان”.

وخطب رسولية تجتث من صدورهم أدران عهد الجاهلية البائد وأحقاب صنمية بئيسة ،وتؤسس لمضامين ملكوتية ربانية مغيرة كياناتهم إلى نقيض ما درجوا عليه !ومَاحِيَةً الكثير من الترهات والسفاسف التي تبنوها سابقاً متدحرجين بعد لفظها إلى معادن الحقائق، وكانت خطب وفواعل الرسول الكريم ( ص) صمام أمان لضمان درء الفتن داخلية كانت أم خارجية عن المسلمين عامة ، والخطر المحدق بهم عظيم ويتعاظم ما دام من قاطني المدينة مَنْ لا زال الكفر سيده والنفاق رايته والتظاهر بخلاف ما يبطن عماده- ،فقد أكد علام الغيوب عداوة متأصلة في عصابة خفية مؤامراتهم على البسطاء من العامة! ذات أصابع وهيمنة شيطانية تظهر خلاف ما تبطن، وتحمل على ظهورهاأحقاداً وأضغان بحجم الجبال ضد الحق وأتباعه، يود أولئك سحق الدين وأتباعه، ولولا أن اليد العليا للدين وأتباعه مما يلجم أحلام يقظتهم لكان للحديث شأن آخر! غير أن سعيهم حثيث متواصل لهدم أركان الدين في سرية وكتمان مطلقين ،وينتظرون ساعة الصفر غنيمة لتنفيذ مخططهم ! وإلى أن تحين يتلبسون لبوس الدين ويتلونون بألبسة التقوى في مجالس التقوى والتي يحذرون فيها إذاعة عوراتهم الفاسقة الفاجرة وإسقاطها على مرأى ومسمع الناس ، في حين يتبارون في الكشف عن أقنعتهم الزائفة البغيضة في جحورهم ومجالسهم مجالس الكفر والنفاق! يحذر المولى منهم وينبه الأمة قبل الرسول (ص) بعظيم خطرهم فيقول سبحانه :” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ “.( الأنعام -١١٢) ، ويحسم القادر المقتدر الحكم قولاً واحداً لا رجعة فيه فيقول علام الغيوب :” هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ”.( المنافقون -٤)، فتلك الطغمة من المنافقين يترصدون بالإسلام والمسلمين الشر، وتواقة أنفسهم للحظات مناسبة لنفث سمومهم في الجسد الإسلامي ليفت عضد الإسلام في مقتل، ولهم صولات وجولات في تجيش الفتن ضد الإسلام وأهله على مدى التاريخ الإسلامي !ولقد ذكرهم الله تعالى في سورة المنافقين إذ قال :”إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ،اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ “.( المنافقون -من ١-إلى ٥).

ولقد سجل التاريخ وصمة عار فاضحة لأولئك المنافقين المتأمرين والحالمين بتفتيت أواصر وملاحم الإسلام ،وتفريق المسلمين ووحدتهم، وتشتيت قواهم ببناء مسجد ضرار ودعوة الرسول الكريم للصلاة فيه لا حباً بالإسلام والرسول ،ولكن لإستخدام الرسول ( ص ) ساتراً خادعاً للأمة ليحلو لهم تثبيت مخططهم بالقضاء على الإسلام والأمة جمعاء على أمل أن يأتي مخلصهم ملك الروم فيقضي على عدوه وعدوهم الرسول ودينه، والذي لم يعلم بهم ولم يأتِ لنصرتهم لموت صاحبهم المرسل إليه ،هذا ولأن الله لهم بالمرصاد إذ يتنزل الوحي بأمر ربه على رسوله المصطفى ( ص ) ليحبط مخططهم ويخبره الغاية الخبيثة من دعوتهم له ، وليقي الله المسلمين شر فتنة دهماء ، يقول تعالى :”وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ “.(التوبة-١٠٧-١٠٨)

هؤلاء أصحاب الأقنعة البئيسة يحملون أسراباً على كهولهم تطمح بوضع قواهم في خدمة الجبت والطاغوت على أن يمكنهم من القضاء على الطهر والطهارة والنقاء المتجلي في دين الله ،ويرجع بهم القهقري إلى زمان الجبت والطاغوت ولتتلألأ فيها أصناماً ليست بالضرورة حجرية وخشبية وإنما أصناماً ذات طبيعة بشرية من فراعنة وطواغيت، أو جان أبالسة وشياطين !! تتعلق أرواحهم الميتة بها وتعتمد عليها ، وتمنيهم جنوحاً إلى كل منطلق يفتح أبواب دنيا ماجنة تباح فيها المحرمات وتسقط فيها القيم وتصرع فيها الضوابط وتنكل بشريعة السماء، وتسحق الجباه المؤمنة الساجدة لرب العالمين، ويقتل فيها الرسول ( ص ) وأهل بيته ( ع ) والأنبياء ( ع ) وأولياء الله الصالحين أحياء وأمواتاً، وتقطع فيها أجساد أولياء الله الصالحين ! قال الحق :” يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا”.( النساء -١٢٠ ) ، وقال أيضاً:”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا “.( النساء -٦٠)، وقال سبحانه:”تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.( النحل -٦٣).

وهل في تحالفهم مع كل كافر من قريش وكل إعرابي مشرك في الجزيرة العربية ،وتحالفهم مع اليهود في المدينة وما جاورها إلا تصريح قراح ماجن عن ما تحمله نواياهم الخبيثة للإسلام وأهله ؟! يقول تعالى :”لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ،مَلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا “.( الأحزاب -٦٠-٦١).

فمواقفهم الكثيرة المخزية والتي تحدث عنها كتاب الله تعالى تفضحهم وتعريهم، إلا أنه لا حياء وكرامة للمنافقين إخوان الشياطين ! فمنها تحريض المسلمين على التخلف عن أداء واجب الجهاد في سبيل الله، بتثبيطهم عما أمر الله ورسوله (ص) بحجة الحفاظ على حياتهم من القتل، وربما ادعوا أن بيوتهم عورة أو أنهم في شك من وقوع المواجهة مع العدو ، أو أنهم يخافون انتقام قريش منهم في أهليهم الذين لا زالوا في مكة المكرمة ،يفضحهم الله تعالى بقوله الحق :”وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ “.( آل عمران -١٦٧) ، كما قال تعالى:” وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا “.( الأحزاب ١٣)، المهم تعددت الأسباب والنفاق واحد، يقول الظاهر الباطن :” وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ”.( التوبة -١٠١) ،وقال العلي الأعلى :”أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ “.( الحشر-١١)،

من أشد الفتن والعلل خطورة والتي واجهها المجتمع الإسلامي تلك التي تلبسها المنافقون رداء ظاهره الإيمان وباطنه كفراً ظلامياً دامساً لا يتكشف إلا لأمثالهم من الكفرة المردة ووراء الأبواب الموصدة عليهم فقط ، إنهم رعاع رعديدي الشواخص يخشون بواطن ما يخفون ، فالسرية في كتمان كفرهم وبغضهم لله ورسوله والمؤمنين وصمة عار على جباههم ذات دلالات انحطاطية الأخلاق ،ظلامية الفكر، وذات صبغة جبانة إذ تضطرب جوانحهم الكافرة من الله تعالى ومما يتنزل على نبيه ( ص ) من غيبيات الوحي الفاضح أمرهم، وتتصاعد أنفاسهم مرتبكة سريعة خوفاً مما يتنزل وتنزل به الوحي على سيد المرسلين (ص)فيفضحهم ويعريهم، ومع انكشاف المستور وبوزغ الحقيقة المرة تجدهم يصرون بوقاحة وخبث على خلاف ما عُرف وأُعلن للملأ !! فتراهم يصرون بوقاحة الكافر الزنديق وبشيطنة الأبالسة بأنهم المؤمنين حقاً !! وما الدعوى بأنهم المنافقون إلا فرية باطلة ما لها من أساس!! وما الحديث عما يدور في خفاء إجتماعاتهم من استهزاء بالمسلمين ودينهم محض افتراء!! ويا لها من فرية تكاد تتفطر منها السموات هي تلك التي توجه لهم أصابع الإتهام باعتمادهم المؤامرات للقضاء على الدين وتوابعه!! بل إنهم ذهبوا شأواً بعيداً في تحديهم وتصلفهم إذ يسوقون الأيمان المغلظة بأنهم كانوا وما زالوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الإسلامي ، يقول الله تعالى :” وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ”.( التوبة -٥٦).

فالمجاهرة بالكفر والزندقة هي أبعد ما تكون عن نواياهم الجبانة !ولخوفهم من فقد مراكزهم ونفوذهم فيما لو افتضح أمرهم مالت قلوبهم المريضة إلى تربص الزمان والمكان لعلهما يتدبران لهما لحظة الإنقضاض على الجسد الإسلامي وإلى أن تتاح الفرصة فالأولى كتمان حقدهم وبغضهم للإسلام وتوابعه والتظاهر بخلاف ما يبطنون ” لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا”. ( الأنفال-٤٤) !!

وما برحوا يخططون للقضاء على الإسلام وأهله على حين غرة !ويتآمرون مع الشياطين من الإنس والجان وكل مقتدر على مد العون لهم في استهداف الإسلام ومجتمعه ونبيه على أي نحو ممكن وقادر على زعزعة أمن واستقرار هذه الدوله الحديثة النشأة ، ومجزول الشكر كل منافق قادر على بث نقيع سمومه بين عناصر المسلمين ، يؤكد الله تعالى نواياهم تلك بقوله :”لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ”.( التوبه -٤٧).

وهذا عبد الله بن أبي سلول كبير المنافقين والذي يزعم أنه أكثر المتضررين من هجرة النبي محمد ( ص ) إلى المدينة المنورة ،إذ كان يمني النفس بتنصيبه ملكاً ، فإذا بوجود النبي يفرط عقد تتويجه وتذهب أحلامه أدراج الرياح ! وإذا به يتظاهر بالإسلام وباطنه ينضح كفراً وزندقة وهو القائل:”يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ “.( المنافقون -٨) بعد هزيمة بني المصطلق الذين أعدوا العدة للإعتداء على المسلمين ولكن الله على نصرهم لقدير، فبعد الهزيمة النكراء لبني المصطلق، وتجمع المسلمين حول ماء من مياههم يقال له “المريسيع”، ازدحمت فئة من الأنصار مع أخرى من المهاجرين حول الماء ،واختلفتا فتنادت الفئتان كل تستنصر جماعتها، وتلاسنتا بالكلام الفئوي والقبلي الجاهلي، وبما لا يليق فكانت الفرصة مؤاتية لأبي سلول المنافق لزعزعة الأمور ولزرع فتنة ، وليخرج ضوائق جاثية على أنفاسه ولطالما ضاق بها صدره أمداً طويلاً! فقال: قد نافرونا، وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل (سمن كلبك يأكلك) أما والله لئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجن الأعز منها الأذل. وكانت رسالته فاضحة نواياه وأمانيه المهينة !! فبلغ الرسول( ص ) قوله فاستدعاه للوقوف على حقيقة الأمر ولكن حاله كحال أي منافق لا يجد حرجاً في الكذب والنكران وإن كان الأمر مكشوفاً ومعلناً وكان للمشهد من الشهود ما لا يقوى على ردعهم أو مجابهتهم! ولكن “قيل للكذاب احلف قال جاء الفرج”! فها هو كبير المنافقين يقسم فيقول للنبي ( ص ): والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك قط، وإن زيداً لكاذب. وقال من حضر من الأنصار :يا رسول الله شيخنا، وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام من غلمان الأنصار، عسى أن يكون هذا الغلام وهم في حديثه.

إنها فتنة دارت رحاها فأفرزت فيما أفرزت تعصب الأنصار لسيدهم المنافق ومحاولتهم إنقاذ ماء وجهه على حساب الحقيقة ،لكن الله لا يحابي أحداً ولا ينصر القوي على الضعيف لمجده السابق ولا لمجده اللاحق ! وأن الله فاضحه لا ريب في ذلك، قال تعالى :” وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا”.( الكهف -٥٦).

ولهذا نزلت الآية الكريمة تعريه وتفضحه وتدينه ،فقد قال علام الغيوب :” يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ “.( المنافقون-٨)،فهل أقام رسول الله ( ص )الدنيا وما أقعدها ثأراً لكرامته وهو العزيز على ربه المطاع ثم أمين ؟! وهل أعطى رسول الله عبد الله بن عبد الله بن سلول وهو ابن كبير المنافقين الضوء الأخضر لقتل أبيه إذ جاء رسول الله(ص) يستأذنه فقال : يا رسول الله أنه قد بلغني أنك تريد قتل أبي فإن كنت لا بد فاعلاً فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني وأني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي أن يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار.

أم إن رسول الله رسول الرحمة أبى الا أن يوثق صلة الأرحام مرة أخرى بعد توثيقها من العلي الأعلى، ولا يسمح لحادثة ما مهما كانت خطورة مداها ، ومهما كان وقعها أليماً جارحاً قاسياً على نفسه الطاهرة أن تتدخل فتفسد عليه أولوية مهامه ومسئولياته التي تذوب قيمة وأهمية الثأر لكرامته أمامها، ونزولاً عند قول تعالى :”ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ”.( المؤمنون -٩٦). فلهذا السبب وغيره من الأسباب التي تحتم صيانة اللحمة الإسلامية وحقن دماء المسلمين وطمر دواعي الفتن ما أمكن ،سعى نبي الرحمة إلى سد منافذ الشيطان التي تكاد تتفتح وتتوسع بإحكام المغاليق في وجوه متحني الفرص ومستغلي الدسائس وقبيح الزلات المضمرة الشر لدين الله ورسوله والمؤمنين ،والمنتظرين اللحظة السانحة لنشر مفاسد المؤامرات لتقطيع المجتمع الإسلامي بتقطيع روابط الأرحام والرحمة والإخاء بين المسلمين ، وهل تعالى رسول الله على جراحه فدعا عبد الله بن عبد الله بن سلول للبر والرحمة بأبيه كبير المنافقين؟! إذ كان جوابه لابن عبد الله بن سلول : “بل ترفق به وتحسن صحبته ما بقي معنا”.وهل تشفى رسول الأخلاق الطهر الطاهر بعبد الله بن سلول الذي تحداه ابنه فمنعه من دخول المدينة حتى يأذن له عزيز الله وكريمه (ص) بالدخول أولاً؟! إذ قال له :والله لا تدخلها إلا بإذن رسول الله ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل.؟! فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ،فأرسل إليه أن خل عنه يدخل!وهنا وقف المؤمن عبد الله بن عبد الله بن سلول فقال لأبيه :أما إذا جاء أمر رسول الله صلى الله عليه وآله فنعم !

لله ذرك من نبي رحمة لا تنثي قامتك ولا هامتك ولا تزعزع المحن ولا نوازغ الشيطان من صلابة ومتانة أخلاقك وتسامحك ،وقلبك الكبير هذا الذي يحمل للأمة والإنسانية من أماني ونوايا صادقة لابد أن تنكشف وتتحقق وتبسط هيمنتها على البسيطة عاجلاً أم أجلاً رغم أنوف الحاقدين والمتربصين والمنافقين ،فسعداً لك من إنسان لا يبارى وصلى الله تعالى على روحك وبدنك الطاهرين وعلى آلك الأطهار .

فالمنافقون يتفننون في محاولاتهم العديدة الخبيثة ! فتارة هم يدعون لتجويع المؤمنين الفقراء بحجب الصدقات والمساعدات فتتنزل الحقيقة أن لله العزة والملك والحكم وبيده الأرزاق يؤتي من يشاء بغير حساب، يقول الرزاق الوهاب :” هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لٰا تُنْفِقُوا عَلىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّٰهِ حَتّٰى يَنْفَضُّوا وَلِلّٰهِ خَزٰائِنُ السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضِ وَلٰكِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لٰا يَفْقَهُونَ “. ( المنافقون -٧) ، ثم يصدون عن الصلاة واتْباع الرسول (ص) فتفجعهم الحقائق بأن الله الغني عن الكل وعن عباداتهم ،وخاصة عباد لا يعرفون الله خالقهم ! وأن العزة لله ورسوله والمؤمنون وأن الله بيده ملكوت الدنيا والآخرة و “مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ”.( الحج-٧٤ )، ألم يقل الله تعالى :وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “( آل عمران-١٨٩).

وأن خيار الدين معلق في رقاب القوم حتى يلقونه فإما جنة وإما ناراً، ألم يقل الله :”كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ “.( المدثر-٣٨)، وما محمد إلا بشير ونذير وما هو ” عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ” .(الغاشية-٢٢ )، فيستجلب عليهم الأسواط والسيوف ليوردهم منابع الإيمان، فالإختيار هو المفصل والحَكَم ثم إلى الله ترجع الأمور ! قال مالك الملك :”وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا”.( الكهف -٢٩)

وتُفْجَعُ دنيانا دنيا المستضعفين من المؤمنين والعقلاء، ودنيا الكثير من الغافلين والمتغافلين، هي دنيانا البرئية مما يحصل في زمن الجاهلية الأخيرة بأُتُونِ شذاذ الأرض وكل منافق أفاق رجيم يبتغي عند الفراعنة رضاً ومقاماً ، ويتمسح عند سدنة الفسق الجديد “لا الدين المعوج “فما ذاك والله بدين !! وعموماً إن نفوسهم السقيمة وضمائرهم الميتة ساقتهم عند أعتاب من بيده النفوذ والسلطان الدنيوي ليستجلبوا راية الطاغوت التي نكصت ومزقت إرباً منذ أن ظهر نور الإسلام بحول من الله وقوته وبرسوله (ص) ورجال الله المخلصين ، وليحيوها من بعد دهور من الذل والعار وليرفعوها راية اعلو هبل!! تحت غطاء إلهي منظورة للعيان المؤمنة غير منظورة للآخرين ممن سولت لهم أنفسهم الساذجة تصديق الراية تلك!! رايتهم السوداء كنفوسهم البغيضة مزخرفيها بشعار حق يراد به باطل ألا وهو الشهادتين علامة التوحيد !

أو هم ممن لهم الرغبة بتصديق ما يرون إذعاناً لميراث أبائهم وأجدادهم الذي لم يُدَقَقْ في مضامينه وأخذوه على عوانيه ،واستسلموا له صم بكم عمي واعتبروه سلطاناً أميناً مؤتمنة أَمِنَةٌ نفوسهم بها ومعها حسب اعتقادهم !! ألم يقل الله تعالى فيهم :” بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ،وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ “.( الزخرف-٢٢-٢٣)، ولكن كما أسلفنا جيء بهم بلباس أجدادهم من المنافقين الأوائل لباس ظاهره الإسلام وباطنه كفر نقاع ،ويتقنعون بأقنعة منفرة مقززة يخفون وراءها جباهاً كتب الله عليها كوافر !! ويستلون سيوف الغدر ويدعون أنها سيوف الحق !!يقتلون مخالفيهم بحجة الإرتداد عن الدين، والأَمَر مطالبتهم فئات أخرى الإستتباب والرجوع إلى الله عبر بوابة شيطانهم الرجيم،وعبر الإنضمام تحت لواء الجبت والطاغوت اللذين رضيا العمل في الخفاء وتحريك أولئك الدمى حول مستنقع نجس وشركي، ويخضعونهم لعبادة الشيطان يترعون ولا يكادون يفقهون ما وراء الأكمة الشيطانية !!غير أن المستنقع مشاع لهم ولأهوائهم ونزواتهم العاهرة المجنونة بل إن إلههم قد أطلق وأباح لهم كل محظور حرام بل رفع عنهم الغطاء الشرعي فلا حسيب ولا رقيب!! فالقتل والذبح غاية لكل مستهجن أفعالهم ! والسحل والتنكيل والمثلة واجبة على من يجرؤ برفع الصوت أو بإظهار الامتعاض من طقوس عباداتهم الشيطانية أو مسالكهم المبهمة البغيضة ! وتلك قرابينهم المقطوعة الرؤوس، الملوكة قلوب المجزأة الأعضاء، تشهد على ضحالة محركاتهم ،وانعدام منطقهم ،وتبلد عقولهم وصغار أحجامهم ، وإجرامية دوافعهم، وقسوة دينهم !! أما ربهم الوحش ذاك الذي أقامهم قيمون على الدنيا حسب دعواهم فأقاموا المحاكم الشرعية – ولست أدري أأضحك أم أبكي على مثل تلك التسمية ؟!-أقاموا محاكم لمن لا يرضخ لهم !ولمن لا يعاضدهم !ولمن يكفرهم !ولمن لا يقتل ضميره الحي فيأخذهم بالأحضان ويستتيب مما كان فيه من الغي !! ويسلم الأمر لهم ويخضع لإلههم المخلوق المسخ ! ويقدم فروض الطاعة لهم وله! فيتحول بإشارة منهم من إنسان عاقل إلى بهيمة مفترسة كاسرة متلذذة بمآسي الآخرين !!

أيها الحمقى دون الأنعام أنتم ! ألم يقل الله تعالى فيكم :” أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا”.( الفرقان -٤٤) ” فمن ذا الذي يسلم لكم مصيره ومصير أجياله القادمة على طبق من ذهب فيخرج من النور إلى ظلمات جبتكم ؟! ومن ذا الذي يقايضكم ربه الرحمن الرحيم بوحشكم الحاقد الجلف الكاسر المتحجر قلبه ،الآفاق الكافر ربه !! إلا أن يكون فاقد عقله خاسر دينه ومأواه أولاً وأخيراً جنهم خالداً فيها كما هو الحال بالنسبة لكم ؟! فربكم الملعون المطرود -منذ خلافة آدم ( ع ) للأرض – من رحمة خالق السموات والأرض لا يليق إلا بأمثالكم من شياطين الإنس والجان ، وما دعواكم بتنصيبكم سدنة الدين وقوامه إلا أضحوكة لا تنطلي على الطفل الرضيع!! فكيف الحال بالمكلف المؤمن بربه ؟! وما حسابكم للآخرين في الدنيا إلا حسابكم في الآخرة وتموضعكم في نار جهنم ؟! وما ضرباتكم بيد من حديد للمظلومين والمستضعفين والمتمسكين بدينهم إلا ضربات وقبضات الملائكة الغلاظ -الذين لا يعصون لله أمراً – تنهال عليكم يوم الدين؟! وما ذبحكم البشرية على الهوية والمذهبية إلا محض اختياركم لميتتكم وقصاصكم والتنكيل بكم في لحظات الحق في قعور سقر، وما استباحتكم المحرمة من الدماء والأعراض وقنوات زكواتكم إلى جبتكم بنوكاً مسروقة ودوراً مدكوكة بعد سلبها ونهبها وإفراغها من الذهب الرنان والأموال النفيسة إلا ظروفاً مشددة وأكياساً محزومة تكوى بها جباهكم ،وفنوناً من العذاب لو اطلعتم عليها ما فعلتم مما جنت أيديكم وجوارحكم منها شيئاً ولنظممتم إلى قوافل المستضعفين، وكنتم بما يفعل بكم أسعد، ولكن هيهات لمن باع ربه ودينه أن يطلع اليوم على عين الحقيقة !!فاسعوا سعيكم فما أقول لكم إلا قول سيدة الهاشمين زينب ( ع ) ليزيد مورثكم ميراثه الحنظل النتن :”أظننتَ يا يزيدُ أنّك حين أخذتَ علينا أقطارَ الأرض ، وضَيّقتَ علينا آفاقَ السماء ، فأصبَحنا لك في إسارِ الذلّ .. أنّ بنا من اللهِ هَواناً وعليكَ منه كرامةً وامتناناً ، وأنّ ذلك لِعِظَم خَطرِك وجلالةِ قَدْرك ، فشَمَختَ بأنفِك ، ونَظَرت في عِطفِك! … فمَهْلاً مَهلاً ، لا تَطِش جَهلاً !

أنَسِيتَ قولَ الله عزّ وجلّ : ” وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ” ؟! .

أمِنَ العدل ـ يا ابنَ الطُلقاء ـ تَخديرُكَ حرائرَكَ وإماءَكَ ، وسَوقُكَ بناتِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله ، يَحدوا بهنّ الأعداءُ من بلدٍ إلى بلد ، ويَستَشرِفُهنَّ أهلُ المَناقِل ، ويُبرَزنَ لأهل المَناهِل ، ويَتَصفّحُ وُجوهَهُنَّ القريبُ والبعيد … عُتُوّاً منك على الله وجُحوداً لرسولِ الله صلّى الله عليه وآله ، ودَفعاً لِما جاء به من عند الله ..

لَعَمري لقد نَكأتَ القَرحةَ ، واستأصلتَ الشَأْفة ، بإراقتكَ دمَ سيّدِ شبابِ أهل الجنّة ، وابنِ يَعسوبِ العرب ، وشمسِ آل أبي طالب ، وهَتَفْتَ بأشياخِك ، وتَقَرّبتَ بدمهِ إلى الكفَرة من أسلافِكَ . . . وما فَرَيْتَ إلاّ جِلدَك ، وما جَزَزْتَ إلاّ لحمَك ، وَسَتَرِدُ على رسول الله صلّى الله عليه وآله بما تحمَّلتَ مِن دم ذُرّيّتِه ، وانتهكتَ من حُرمتِه ، وسَفَكتَ من دماء عِترته ولُحمته . . . فلا يَستفزّنّكَ الفرحُ بقتلِهم ، “وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ “، وحَسْبُك بالله وليّاً وحاكماً ، وبرسولِ الله صلّى الله عليه وآله خَصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً .

ولئن جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّواهي مُخاطبتَك ، إنّي لأستصغِرُ قَدْرَكَ ، وأستَعظِمُ تَقريَعكَ ، وأستَكِبرُ تَوبيخَك ، لكنّ العيونَ عَبرى ، والصدور حَرّى … فكِدْ كَيْدكَ واسْعَ سَعْيَكَ وناصِبْ جُهْدَكَ ، فواللهِ لا تَمحْو ذِكرَنا ، ولا تُميتُ وَحيَنا ، ولا تُدرِكُ أمَدَنا ، ولا تُرحِضُ عنك عارَها ؛ وهل رَأيُك إلاّ فَنَد ، وأيّامُك إلاّ عَدَد ، وجَمْعُك إلاّ بَدَد ، يومَ يُنادي المنادِ : أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ “.

       للحديث بقية

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة