يعرف الرجال بالحق – الجزء السادس عشر

img

سلام الله على هذا القائد المناضل المغوار الرباني (ص) الذي بث تعاليم محصنة الإسلام والمسلمين من سم نقيع يصعب التخلص منه ونتائجه كارثية على الأمة إذا ما سرى مفعوله في المولود المتنامي سريعاً- على غير طبيعة غيره من المواليد – ،رغم علل وإصابات خارجية المصدر عدوانية النوايا حاقدة على تلك الأمة المثالية ،فقد عمد الرسول ( ص ) بتكليف إلهي مسدد الخطى على تكذيب الشائعات الميدانية حال بثها عبر بوابات كفرية أو فاسقة منافقة مضللة !غايتها إشاعة البلبلة والفوضى بين المسلمين لإحكام وإطباق الطوق عليهم لتفتيتهم وتشكيكهم في دينهم وفي مصداقية السماء ورسولها! ولبث الوهن في الجسد النضالي واللحمة المجتمعية ولتقطيع أوصال الرحمة والمودة والترابط المتنامية في هذه الدويلة الهجينة – بالنسبة للكفرة المردة – ! القائمة على نقض أساسات التمييز العنصري والقبلي والوثني القائم بين القبائل القرشية والعربية في جزيرة العرب وسلب الفراعنة سطواتهم وصلياتهم ! ألم يقل الله تعالى فيهم :”إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ “.(   الأنفال -٣٦)، ولإشاعة فوضى خلاقة بين المسلمين فيتناحر المسلم وأخيه المسلم أو أخيه الإنسان أياً كانت معتقداته ،في معركة محسومة النوائب والنوازل والبلايا لصالح الجبت والطاغوت والعدو الكافر والمنافق ،فيتراجع رمز الأمة بدينها ونبيها وديدنها القهقري وتعود إلى جاهلية جهلاء لا تبقي ولا تذر !!قال علام الغيوب: ” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”.(المائدة- ٩١) ، وكما قال العلي الأعلى :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ “.( البقرة-٢٠٨)، وقال أيضاً :”الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ “.( البقرة -٢٦٨).

ولقد عمد ابن قميئة الحارثي يوم أحد إلى إشاعة خبر مقتل النبي على يديه البغيضتين وهو ينعق : ” قتل محمد! قتل محمد ! مما أشاع الهلع والفزع بين عموم المسلمين فولوا على أعقابهم فارين وأفئدتهم هواء قد ملئت رعباً وهلعاً وخوفاً على حياتهم الدنيا بعد أن بهتت الآخرة في نواظرهم في لحظة مغنم للشيطان وتوابعه ! ناسين أو متناسين وعود الله للشهداء جنات عرضها السموات والأرض والجائزة الكبرى رضوان الله تعالى وحياة خالدة لا موت فيها !ألم يقل الله تعالى :” إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ”.( آل عمران -١٥٣)،

غير أن حكمة الرسول وسرعة تصرفه في هكذا موقف وأد الفتنة في مهدها في مراحل عصيبة متعددة مر بها الإسلام والمسلمون في بلاء هو جَدُّ عظيم ! ففي أحد وفيها خالف الكثير من المسلمين أوامر النبي مما تسبب بهزيمة نكراء للمسلمين من بعد نصرهم في المرحلة الأولى منها ، يقول تعالى :” وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ “.( آل عمران -١٢١)، وبغض النظر عن أسباب عصيانهم لها! يستوي في ذلك مخالفتهم للرسول ( ص ) طمعاً في غنيمة أو ترك مواقعهم بناء على إشاعة وبلبلة أثيرت من قبل المنافقين والكفار وهروبهم في الفيافي والبراري ! ففي إشاعة مقتل النبي ( ص ) على لسان ابن قميئة ( لعنه الله ) وقعت الصاعقة !! فولى المسلمون على أعقابهم لا يسمعون صوت النبي وهو يكذب الإشاعة!! وثباته مقاتلاً ومن معه بضعة من المؤمنين الذين اشتروا الآخرة ، واستماتتهم دفاعاً عن الرسول( ص ) كان مهنداً حاسماً ورسالة باترة للإشاعات ولنوايا ساقطة لقتل رسول الرحمة (ص )، وصحيح أن المسلمين في تلك الغزوة ولوا الأدبار وتخاذلوا عن نصرة النبي( ص)، ولكنه الطاهر العلم رسول الرحمة ومعلم الإنسانية التسامح والعفو عند المقدرة رجع إلى المدينة غير محاسب للفارين ولا معاتب لهم موكلهم إلى ظاهر إسلامهم !ومشرعاً أبواب التوبة والإنابة للراغبين والعائدين إلى حظيرة الرحمن ، قال العفو الغفور :” ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (“.( التوبة -٢٧)، يقول تعالى :” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”.( التوبة -١٢٨).

   {وفي الإرشاد١/٨٩:” لما انهزم الناس عن النبي(صلى الله عليه وآله ) في يوم أحد وثبت أمير المؤمنين( عليه السلام ) فقال له: ما لك لاتذهب مع القوم؟فقال أمير المؤمنين: أذهب وأدعك يا رسول الله! والله لا برحت حتى أقتل ، أو ينجز الله لك ما وعدك من النصر . فقال له النبي(صلى الله عليه وآله ) : أبشر يا علي ، فإن الله منجز وعده ، ولن ينالوا منا مثلها أبداً” .}

{ وفي تفسير القمي١/١١٥:”ولم يبق مع رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إلا أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وأمير المؤمنين( عليه السلام ) ، فكلما حملت طائفة على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) استقبلهم فيدفعهم عن رسول الله ويقتلهم ، حتى انقطع سيفه .

   وبقيت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله ) نسيبة بنت كعب وكانت تخرج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله ) في غزواته تداوي الجرحى ، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع ، فحملت عليه فقالت: يا بني إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟! فردته فحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته ! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : بارك الله عليك يا نسيبة ، وكانت تقي رسول الله(صلى الله عليه وآله ) بصدرها وثدييها ويديها ، حتى أصابتها جراحات كثيرة !

   وحمل ابن قميئة على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) فقال: أروني محمداً لا نجوتُ إن نجا ! فضربه على حبل عاتقه ، ونادى قتلت محمداً واللات والعزى !

   ونظر رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة فناداه: يا صاحب الترس ألق ترسك ، ومُرَّ إلى النار ! فرمى بترسه فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس ، وكانت تقاتل المشركين فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : لَمَقَامُ نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان !

   فلما انقطع سيف أمير المؤمنين( عليه السلام ) جاء إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله ) فقال: يا رسول الله إن الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي ! فدفع إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله ) سيفه ذا الفقار فقال: قاتل بهذا ، ولم يكن يحمل على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) أحد إلا يستقبله أمير المؤمنين( عليه السلام ) ، فإذا رأوه رجعوا ! فانحاز رسول الله(صلى الله عليه وآله ) إلى ناحية أحُد فوقف.

   وكان القتال من وجه واحد وقد انهزم أصحابه(صلى الله عليه وآله ) فلم يزل أمير المؤمنين( عليه السلام ) يقاتلهم حتى أصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه ! وسمعوا منادياً ينادي من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي فنزل جبرئيل على رسول الله(صلى الله عليه وآله ) فقال: هذه والله المواساة يا محمد ! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) : لأني منه وهو مني ، وقال جبرئيل: وأنا منكما…

   وتراجعت الناس فصارت قريش على الجبل ، فقال أبو سفيان وهو على الجبل: أعلُ هبل ! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله ) لأمير المؤمنين قل له: الله أعلى وأجل. فقال: يا علي إنه قد أنعم علينا ! فقال علي( عليه السلام ) : بل الله أنعم علينا، ثم قال أبو سفيان: يا علي أسألك باللات والعزى هل قتل محمد ؟ فقال له أمير المؤمنين( عليه السلام ) : لعنك الله ولعن الله اللات والعزى معك ! والله ما قتل محمد(صلى الله عليه وآله ) وهو يسمع كلامك ! فقال: أنت أصدق ، لعن الله ابن قميئه ، زعم أنه قتل محمداً” .}

ولما شفي غليل الكفرة من دماء المسلمين وانتقموا لقتلاهم في بدر، واستيأسوا من قتل النبي طه ( ص )،وقبل لملمة جحافلهم المجرمة صعد ملعون السموات والأرض أبو سفيان الجبل ونعق : اعلو هبل ! فأجابه علي( عليه السلام ) بأمر النبي (ص ) : “الله أعلى وأجل”. فأجابه أبو سفيان: لنا العزَّى ولا عزى لكم . فأجابه علي(ص ) نزولاً عندأمر النبي(ص ) أيضاً : “الله مولانا ولا مولى لكم” ! ونادى أبو سفيان يسأله :هل قتل النبي(ص ) ؟ فأجابه :”إنه حيٌّ سالم يسمع صوتك “!

وما منع الرسول (ص) من إقامة عقوبة الفرار من الزحف ومن ساحة القتال ،وتأنيب المسلمين إلا العفو الإلهي ونشر سياسة التسامح وثقافة أبواب التوبة مشرعة للتائبين والنادمين ومن أراد إصلاح ذات البين ،وحتى لا يقول أحدهم يوماً أن محمداً ( ص ) قتل أصحابه ! قال تعالى :”لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ “.( التوبة -١٢٨).وقال علام الغيوب :”قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ”.( الأنعام -١٠٤). وقال الحكم العدل :” إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “.(آل عمران -٨٩).

وفي أحد قتل وحشي عبد جبير بن مطعم،أسد الله وأسد رسوله حمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى حمزة منا السلام ، ولاكت آكلت الأكباد كبد حمزة بعد أن بقر وحشي جسده الطاهر واقتطع كبده هدية لهند لعنها الله تعالى،غير أن الله ليأبى أن يحتوي جوفها النجس كبد حمزة الطاهر فلفظته، ومثلت بجسده واتخذت من بعض أعضائه قلادة !فتمثل بها نساء قريش قدوة سيئة وصالوا على أجساد شهداء المسلمين تقطيعاً ثم اتخذن منها قلائد، كما عمد أبي سفيان لضرب فم حمزة الطاهر بنبله تشفياً منه بقوله : دق يا عقق ( أي يا عاق )!فقال حليس بن علقمة: “يا معشر بني كنانة انظروا إلى من يزعم أنه سيد قريش ما يصنع بابن عمه الذي قد صار لحماً”.ولولا خوفه من أن يعير بين العربان ما انتهى !!إذ التمثيل بالميت عار على فاعله في أعراف الجزيرة العربية آنذاك! ولما رأى الرسول(ص ) أفعال كبير زنادقة بني أمية وامرأته بحمزة ( ع ) قال( ص ):” والله ما وقفت موقفاً قط أغيظ علي من هذا المكان لأن امكنني الله من قريش لأُمثلن بسبعين رجلاً منهم فنزل عليه جبرئيل عليه السلام ،فقال: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ”.( النحل-١٢٦). ،فقال رسول الله صلى عليه وآله :” بل أصبر”.

ومنذ ذاك التاريخ حرم الشارع الإسلامي الُمثلة بالموتى،ولقد قال رسول الله ( ص ):” إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور”،كماأوصى الإمام علي ( ع)وهو على فراش الموت يحتضر ألماً من ضربة سيف غدر لعبد الرحمن بن ملجم ( عليه لعائن الله والملائكة والرسل والمؤمنين) وقد جيء إليه بقدح فيه لبن فشرب منه ثم قال : “احملوا هذا إلى أسيركم وارفقوا به، وطيبوا طعامه وشرابه، فإن أنا عشت فأنا أولى به ،وأن مت فأضربوه ضربة بضربة ولا تمثلوا به، فإني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: “إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور”.

ولكن ما بال أقوام يدَّعون الإسلام ديناً يمثلون بأجساد بريئة طاهرة مسلمة أو كتابية أو على دين آخر ولكنها غير محاربة للإسلام وأهله! ولا أثر شرعي يُرتب على ماهية دينهم أو مذهبهم أو طائفتهم فيما يتعلق بالمثلة ،فبالمطلق المثلة حرام في الميت بل المثلة حرام ولو بالكلب العقور، فلقد قام أولئك الأوباش القتلة سدنة الدين المحرف الجديد والمعتق في آن واحدٍ! معتق في يد إلههم منذ أن رفض السجود لأدم وآلَ على نفسه ليصرفن بني آدم عن عبادة الله بل ليحولنهم إلى ملاحدة جاحدين نعم الله عليهم، قساة غلاظ صم بكم عمي لا يفقهون حديثاً، يقول تعالى :” فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا “.( النساء -٧٨)، وما العقل بينهم إلا سراب ونقيعة مرغوب في نقيضه !!ولا يعرفون للطهارة والنقاء والرحمة سبيلاً ! فأتباعه الملاحدة الرافعين راية التوحيد بهتاناً وزراً ولأهداف تكتيكية وتوظيفية لا تخفى على العقلاء من المؤمنين -قد نتحدث عنها لاحقاً- ولكن قتلهم الأبرياء الآمنين في عقر ديارهم بدم بارد ويد ثابتة على الباطل وقلب لا يلين، ثم قيامهم بالتمثيل بهم وصلبهم لإثارة الفتن وزعزعة أركان الدين وأسس الإيمان ،ونشر الرعب بين من لا يعترف بهم ولا يقر لهم بالخضوع ، ولا يبيع دينه بدنياهم، ولا يشاركهم الغي والكفر والإلحاد، ولا يوغل يديه بدماء الأبرياء ولا يغمس قُوتِهِ بدم الأبرياء ،ففي ذاك مدعاة لهم للتنكيل بكل مترفع لا يستهويه مسلكهم ولا يحبذ الإنضمام لهم !ويتعفف ويترفع ويرفع راية الخوف من يوم كان شره مستطيراً، فلا يجدون غضاضة في التمثيل به وبالآخرين ،وبصلبه كما يصلب الآخرين، وبسحله والآخرين في مشاهد علنية!! جابرين نواظر الناس المشاركة في تلكمو المناظر لغرض سحق ما بقي من ممانعاتهم وتصلب إراداتهم وإطفاء وهج ما تمسكوا به من بقايا معتقداتهم وإيمانهم للتسليم لهم إما استسلاماً وضعفاً وإما قهراً ومضضاً ، وإما قنوطاً من رحمة مسعفة تتداركهم!!

وسؤال كل عاقل قد يحاول فهم مسلكهم ! هل هذا من الإسلام في شيء ؟ هل تندرج المثلة بالأبرياء تحت راية التوحيد التي يرفعونها ؟ وهل أوحى الله لهم ما لم يوح إلى رسله ؟! وأباح لهم مالم يبح لرجالاته العظام ؟! وهل رسول الله ( ص ) بشرهم باليد الطِلقَة في تصحيح اعوجاج القوم يكون من مستلزماتها وأدواتها الشرعية القتل والتمثيل والتنكيل والسحل ؟! سؤال لا ينتظر جواب !!

ثم أن الرسول ( ص ) وأد الفتنة في مهدها مرة أخرى يوم جاء الوليد بن عقبة بن أبي معيط والذي بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في صدقات بني المصطلق، فرجع إلى الرسول مدعياً أنه لاذ برسول الله فاراً من بني المصطلق الذين ما أن سمعوا ببعثته إليهم خرجوا يبتغون قتله حسب دعواه !وذاك راجع إلى بغض وكراهية دفينين منهم له ومنه لهم !!!فهل كان صادقاً في نواياه تلك أم إن في الأكمة ما فيها؟! بريء النوايا هو الوليد؟!أم هو الحقد الغابر حركه في لحظة طيش كادت تطيح بالأخضر واليابس ؟! وكان من شأن دعواه تلك إثارة فوضى عارمة وفتنة متأججة ومساع لقتال بني المصطلق! غير أن النور الإنساني الكامل (ص ) رفض منطقهم وأمهلهم حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بالوقوف على الحقيقة والغاية التي خرج من أجلها بني المصطلق، حتى لا تنزلق الأمة في أتون حرب طاحنة يُسحق فيها الأبرياء ويُيتم الأطفال وتثكل الامهات وترمل النسوة دون طائل يذكر ،وبحكمته المعهودة وصبره وتأنيه(ص) انقشعت الغمة وبانت الحقيقة، فإذا بني المصطلق براء مما ادعاه الوليد وإذا بخروجهم مظهر للفرح وترشيد لخضوعهم لنواميس الله وأحكامه وتعبيراً عن إجلالهم لمبعوث النبي محمد (ص)، فأين الثرى من الثريا ؟! وأين سنا موقف بني المصطلق الإيماني من ظلامية إدعاء فاسق؟! كادت به انسياق الأمة إلى ما لا يحمد عقباه !! لولا حكمة الرسول الأعظم( ص ) وتأنيه وصبره ولجامه المحكم لمجريات الحدث وبصيرته الثاقبة التي تمكنت من رؤية ما وراء دعوى مغرضة متسرعة ! يقول الله العدل :”يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.( الحجرات -٦).

{جاء في تحف العقول -٣٠[ في خطبة الوداع لرسول الله ( ص ) -نقتطع منها ما يخدم حديثنا هذا -:”

-أيها الناس: إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام ، إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . وإن ربا الجاهلية موضوع …

–   أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضي بأن يطاع فيما سوى ذلك ، فيما تحتقرون من أعمالكم .

–   أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم عليهن حقاً ، حقكم عليهن أن لا يوطئن أحداً فرشكم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، وألا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيراً .

-أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ، فلا ترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد .

-أيها الناس: إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ . وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم . قال: فليبلغ الشاهد الغائب “.]

{هذا ولقد ورد في مصادر شتى منها :

-صحيح بخاري:٥/١٢٦: عن أبي بكرة عن النبي(ص) قال: (الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة ؟ قلنا: بلى . قال: فأي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة ؟قلنا: بلى. قال: فأي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ! قال: أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى . قال: فإن دماءكم وأموالكم، قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم، عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم . ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض. ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه”.

-وفي ابن ماجه٢/١٠١٦-: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله(ص)وهو على ناقته المخضرمة بعرفات… ( ألا وإني مستنقذ أناساً ومستنقَذٌ مني أناس فأقول: يا رب أصيحابي ! فيقول: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك)! وفي سنن ابن ماجة:٢/١٣٠٠: باب لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض… استنصت الناس فقال: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . عن ابن عمر أن رسول الله(ص)قال: ويحكم أو ويلكم لاترجعوا بعدي كفاراً..”.

-وفي مجمع الزوائد:٣/٢٦٥: عن الرقاشي قال: (كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله ( ص) في وسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال… وفيه: (ألا لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض…”. ( ولقد ورد في الكثير من مصادر المسلمين غير أننا نكتفي بما أوردنا لقيام الحجة على المشككين بالأمر ).

فإذا كانت من أواخر وصايا رسول الله ( ص ) تعاهد الأمة على ما يصلحها ويكفل عزتها وأمانها ووحدتها ،فما بال مجاميع تنعق بخلاف وصاياه وتحرض الأمة جهاراً على مخالفة قراح لتعاليم السماء وكسر العروة الوثقى التي تلحم روابط الامة فتجعلها عصية على المتربصين بها ؟!

فها نحن اليوم نفجع بمشاهد سافرة فاضحة للمنافقين والمنافقات الذين واللواتي ينعقون صباحاً ومساء عبر أبواق إعلامية وإلكترونية ووسائل أخرى، باثين نقيع سمومهم شائعات مغرضة فاسقة من وكر إلههم- الملعون المطرود من رحمة الله “قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ”.( ص-٧٧-٧٨-) بين عناصر المجتمع لضمان إصابة المجتمع في مقتل ! فتسود على وقع سمومهم الفرقة مما يؤدي إلى التقاتل والتناحر بين مكونات المجتمع مسلميها ومسيحييها وطوائف أخرى ناظرين إلى أعراقهم وأصولهم ودياناتهم   ومستغلين ضعاف النفوس وقليلي الإيمان وكثيري الأطماع ومهيجين الغرائز والعصبيات القبلية والعنصرية التي حاربها رسول الله ( ص )، وإذا بهم يحيونها خدمة لمولاهم الجبت والطاغوت ضاربين عرض الحائط تعاليم السماء التي تضع الناس في بوتقة عدل مساوية الرؤوس جميعها فلا امتيازات لهم ولا تفاضل بينهم في الحياة الدنيا مما كفل أواصل عيش مشترك قوية ومتينة بين المنتسبين للأديان المختلفة، والذين تعايشوا بسلام ووئام قرون عديدة تحت مظلة الدولة الإسلامية على نحو متناغم منسجم في وحدة وكينونة ذابت فيها الإختلافات والفروق، فروابطهم الإنسانية والعرفية جامعتهم أكثر من اختلافاتهم العقائدية والشخصية المنضبطة بأحكام الشرع وتحت شعار احترام كافة الأديان وعدم التعدي عليها ولا على أتباعها، التي لم تكن يوماً مصدر قلق يُدق لها ناقوس الخطر، بل إن مبدأ العيش المشترك كان وليجة لصفو العيش وأخوة مترابطة متماسكة .

وللآخرة شأن آخر فالدولة والأرض للناس يتقاسمونها حسب العدل الإلهي وحسب شريعة ذات ضوابط موضحة تفاصيلها غير خافية على كل راشد عاقل -ولكن لا محل لها من النقاش في موضوعنا هذا – الدولة والأرض للناس والدين ومفاعيله وتطبيقاته لله ” الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ “.( البقرة -٢٥٥)، والذي أحصى كل شيء عدداً والذي جل شأنه وضع ضوابط ومعايير لا يجوز الخروج عليها بل هي مقيدة المسلمين خاصة ومن معهم في دولة الإسلام-بالتبعية – بتحكيم ومراعاة الأوضاع الإنسانية والإجتماعية ،وضابطة مقاليد حسن الجوار وحافظة حقوق المسلمين وغيرهم من إخوتهم في الإنسانية فلا إكراه في الدين ولا تعد ولا تجاوز ولا إضرار ولا تفريط قيد أنملة في رعاية مصالح الجميع على حد سواء ، دون أن يخل ذاك بمفهوم الحساب والعقاب المتفرد به الله تعالى دون سائر خلقه، ثم إن الدين لله هو المحاسب وهو المعاقب فلا يحق لأحدهم محاكمة الآخرين أو تكفيرهم وعليهم الإنشغال بخطاياهم وذنوبهم وتصحيح ما امكن تصحيحه بناء على المعايير الربانية لا هوى النفس وما تجنح إليه من خزعبلات شيطانية سقيمة !

لكن الوحوش الضارية والتي تسعى لتنفيذ أجندة صهيوتكفيرية لا يمكنها السكوت بعد اليوم على صفو العيش المشترك ، واحترام المذاهب والأديان والإحتكام أولاً وأخيراً للقول الفصل قول الحق! ولكن الحرب الشعواء المعلنيها على الإسلام الحق وربه ورسوله (ص ) تحتم مساعيهم المستميتة اتخاذ كافة الوسائل والتدابير اللازمة لنصرهم المزعوم بإحراق النسل والحرث والأرض والعرض فيلجئون إلى أخبارهم المغلوطة والكاذبة للتفريق بين الإخوة المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ،وكذلك تتجنى كوابيسهم المريضة فتطمح إلى الفتك بأوشاج المجتمع فتحرض الجميع على كافة من حولهم ،فالعدو في شائعاتهم المغرضة هو المحيط الذي عاشوا في رحابه سابقاً آمنين مطمئنين ! معتمدين دائماً سياسة الغاية تبرر الوسيلة ، وفرق تسد!!

وما برح طلاب الشقاق والنفاق ينشرون الشائعات الواحدة تلو الأخرى لإفشال عوامل الوحدة في المجتمع الإسلامي ،وتقطيع أوصال الإتفاق في المجتمع الإنساني بين الجوار المتآلف رغم إختلاف دياناتهم ومذاهبهم ،وهذا ما لا يرضي الطغمة من المنافقين والمتأمرين الذين يقتاتون على الفرقة بين الناس ، وللتمكن من إحكام السيطرة على فئات المجتمع المختلفة وعقولهم استخدم الدين شماعة لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية فيقدم هؤلاء على بث أخبار ومعلومات دينية مغلوطة يدعون أنها معتقدات كافرة مكفرة لرموز وشخصيات دينية تمثل أهمية قصوى لأتباع مذهب ما فتنسبها إلى المذهب الآخر باعتبارها إهانات مقصودة متعمدة من أتباع ذاك المذهب الذي يلبس لباس الحمل الوديع فيظهرون خلاف ما يبطنون !!، كما إنها تكفر المذاهب الأخرى وربما تحقرها وتزدريها! مما يحتم إثارة حفيظة أتباع المذهب المستهدف ويناديهم نصرة مذهبهم وإثبات إيمانهم بالرد الحازم الجازم وجعل أولئك تحت أقدامهم منكل بهم ممثل في جثامينهم مسحولة أبدانهم مهتوكة أعراضهم وكل ذاك قربة لله تعالى ونصرة المذهب الوحيد القويم !!!

ويا لضعاف العقول !ويا لمسرح يترع فيه الأبالسة زهواً! إذ انجرف كل مختل عقله وضعيف إيمانه وعميق تمسكه بسراب مولاه وإلهه الشيطان ووعوده الزائفة من دنيا منجسة ومحرمات مباحة تجول فيها ضباع تعودت أن تقتات من فتات موائد أسيادها وتسكر من بقايا أكراعهم ثم تقبل أحذيتهم ، إذ انجرفوا بسلطان الهوى وعمى البصيرة ينفذون بمقاليد الحيوانات الكاسرة غدراً بالأبرياء وبالأوطان ورفعاً لراية الكفر والزندقة وتحويل الأرض إلى غابة، العزة لمن يملك المدفع والسيف ،ورصاصة الغدر مقتنصة الإسلام ديناً، ومؤسسة لخلافة الشيطان الذي ما زال حلم الخلافة يراوده رغم الإقصاء الإلهي البائن له !! لكن السفهاء وصغار الشياطين من الإنس يضعون أيديهم القذرة بيده المنجسة فيتعاونون معه لعلهم يفعلون شيئاً !! شاهت وجوه ما عرفت للصلاة سبيلاً! ولا يغرنكم حركاتهم البلهوانية التي يسمونها صلاة! فالصلاة كما حددها الشارع الإلهي “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ”. (العنكبوت-٤٥)وإنهم “خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا “.( مريم -٥٩).

     للحديث بقية

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة