يعرف الرجال بالحق – الجزء الخامس عشر

img

أقدم الرسول الكريم ( ص )على بناء مسجده النبوي الصرح العبادي والمدرسة الفاضلة والمؤسسة التوجيهية لمجتمع إنساني مؤسساتي يكون النواة لدولة الإسلام القائمة على الصراط المستقيم ، نواة الحق التي ركائزها مصالح دنيوية وأخرى أخروية ،وهما ركيزتان متشابكتان ومتداخلتان فلا تطغى الأولى على الأخرى ولا تقصي الآخرة الأولى .

نواة الحق وصمام المجتمع الفاضل هذه بنيت بسواعد النبي ( ص ) وسواعد المؤمنين وكان عمار بن ياسر ( رض)متعاوناً نشيطاً يحمل الحجارة واللبن عنه وعن النبي محمد ( ص ) ، والظاهر أن المهاجرين والأنصار استغلوا الظرف بعض الشيء ، فَحَمَلوا عمار فوق طاقته ! فاشتكى الأمر لرسول الله ( ص ) إذ قال عمار( رض ) :” يا رسول اللّه قتلوني يحملون عليّ ما لا يحملون”. فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : “ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك، إنّما تقتلك الفئة الباغية”.( السيرة الحلبية -الجزء -٢-٧١) .

فما أروع مضامين حوت إجابة رسول الله ( ص ) الذي أبعد سحنة الغضب عن محيا عمار بن ياسر، ثم زرع البسمة على ثغره ،والبلسم في قلبه حباً لأبناء دولته الفتية وحواضر مجتمعه الجديد، فمحاربة الغيض والحقد المترتب على سوء الظن بالآخرين إنما هو نزع فتيل الفتنة والتباغض وتأسيس قلوب متقاربة متحابة في الله إذ يقول تعالى : “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ”.( الحجرات- ١٠)، ومن أجل غايات ساميات وشريعة معتدلة وقوام حياة عيش مشترك وتعاضد وتناصر في السراء والضراء وحين البأس ، ولإجتماعهم بشكل منظم وبروتين مطرد،ولتنظيم أساسيات المجتمع وأولوياته ولبث أنجع السبل وأتمها في نفوس مضطربة وجديدة العهد بالإسلام وأخلاقياته ومنهاجه ،ولنشر العلوم الإلهية بين الناس، يقتضي الأمر حنكة وحكمة بالغة لا تتوافر معادنها إلا في رجالات الله ، يقول المولى :” لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”.( النساء-١١٤)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “صدقة السر تطفي غضب الرب تبارك وتعالى”.( الكافي ) ،وقال الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : “أقربكم مني مكانةً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً بين الناس .”. وقال كامل النور محمد ( ص ):”اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن”. وقال أيضاً :” أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك”،وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء”، وقال الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً , وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّّاباً” ، وقال حبيب الله محمد ( ص ):”ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء”.

فهل أطنب وأسهب أم أوجز وأقتضب في أقواله الحكيمة( ص ) ؟! فالأمر سيان فقليله كثير، وكثيره فيض من معين لا ينضب، وفي الإطناب والإسهاب لب زاد طلاب الحق وطريق النور، وفي الإقتضاب والإيجاز حكمة بالغة وذكر وعبادة وأي عبادة !! ألم يقل الله تعالى :” فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا”.(البقرة -٢٠٠)، كما أن الذكر يلجم ألسنة المغرضين والطامحين بغرائزهم الحيوانية والدونية هدم أساسات الدولة الحق وإفشال مخططٍ إلهي بإعمار الأرض بالمؤمنين! ومحاصرة ما أراد الله لهم من خزائن خير الزاد التقوى الكثير الذي يصلح دنياهم وآخرتهم والتي يراد لها ألا تتنزل! ألم يقل الله تبارك اسمه وتعالى جده :” وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ۚ وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ”.( البقرة -١٩٧)، كما قال سبحانه :” مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ “.( البقرة -١٠٥)، وقال تعالى :” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”.( المائدة -٩١)، وقال جل جلاله :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ “.( آل عمران -١١٨).

وكان لتطابق أفعال النبي وأقواله مفعول السحر على تبني الأمة الفتية كل قول وفعل وحركة وسكنة لهذا القدوة ،قدوة القدوات الحسنة :” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “( الأحزاب -٢١)، كما أن تفعيل أوامر الله تعالى على ذاته الشريفة أولاً واستجابته وخضوعه لها دون انتظار الآخرين اكسبه مصداقية وشفافية

أمامهم ليحذوا حذوه إن وطنوا النفس على شراء الآخرة بالأولى !! قال تعالى :” هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى”.( طه-٨٤)، ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : “كان أجود الناس كفاً وأجرأ الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، لم أر قبله، ولا بعده مثله (صلى الله عليه وآله وسلم)”. وعن أنس قال:” كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائباً دعا له، وإن شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده “، وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكباً حتى يحمله معه فإن أبي قال ( ص ): تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد، ودعاه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له، ولأصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس، فماشاهم، فلما دنوا من بيت القوم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك “.

ولبث روح تعظيم الآخرة وما فيها من امتيازات ونِعَمٍ لا يعلم كينونتها الحقة غير الله تعالى وما أعد للفائزين برحمته من نعم لاحصر لها ولا قبل لأحد بخسرانها، وإمعاناً في تحقير الحياة الدنيا وما فيها رفع رسول الله مبدأ الزهد في الحياة الدنيا شعاراً ودثاراً ! فَنُظرٓ إليه وهو سيد خلق ربه يفترش الأرض ويتلحف السماء ويأكل قظيمات من متاع الحياة الدنيا لا تسد رمقه ولا تسكن أليم جوعه ، ويحرض خاصة أهل بيته اتخاذه مثلاً ويحذرهم تبعات الإقبال على نعيم الدنيا! فما خُلق محمد وآل محمد ( ص ) بالذات ومن تبعه من الصلحاء الطامحين إلى رضوان الله تعالى وزلفة خُص بها المتمثلين بالقدوة الحسنة محمد رسول الله(ص ) لدنيا فانية لا خير فيها! فقد قال رسول الله (ص) لفاطمة (ع) :” يا فاطمة !.. تجرّعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة” . ( الكافي -ص٢٢٠) ، ولقد رئي على عليّ (ع) إزارٌ خلقٌ مرقوعٌ ، فقيل له في ذلك ، فقال (ع) : “يخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقتدي به المؤمنون “.( مكارم الأخلاق-ص-٣١٣)،دخلت على أمير المؤمنين (ع) فإذا بين يديه لبن حامض قد آذاني حموضته ، و كسر يابسة ، قلت : يا أمير المؤمنين !.. أتأكل مثل هذا ؟.. فقال (ع) لي : يا أبا الجنود !.. إني أدركت رسول الله (ص) يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا ، فإن لم آخذ بما أخذ به رسول الله (ص) خفت أن لا ألحق به “.( مكارم الأخلاق -ص٣١٥).

والحق يقال أن السبيل لترويض النفس على الزهد في متاع الحياة الدنيا تجلت في مشيئته تعالى لقدوة المؤمنين ( ص ) أن يحيا وهو الكريم على ربه وخاصته من أهله الأطهار ( ص ) عيش الفقراء كما أسلفنا !حياة تقشف وزهد مرير ومضن ،كما أنهم ( ص ) نظروا إليها بمنظار ربهم جلت قدرته وبالكثير من الإزدراء والإستخفاف بها وبما فيها- على عظيم نعم الله وعطاياه الجليلة المتجلية للعيان ! – لكون الدنيا وما فيها لم تخلق لمحمد وآل محمد( ص )، ولا للراغبين في رضوان الله تعالى من الصالحين واولياء الله والمتقلدين محمد وآل محمد (ص ) قدوة حسنة ، فماالدنيا إلا قنطرة عبور لمتاع لا يفنى ولذاتٍ طاهرة لاتتدنس بخبائث ملوثة بمتع الدنيا، ولصحبة ماجدة وعشرة رائقة خالدة صافية معادنها ما لها من نظير ، ألم يقل الله تعالى :” اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ”.(الرعد-٢٦)، كما قال العليم الخبير :”يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ “.( غافر -٣٩)، وقال أيضاً :” مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ”.( الشورى- ٢٠)، وقال الإمام علي ( ع ):” خذوا من ممركم لمقركم “.،وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): “إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فانه يلقن الحكمة”.( جامع السعادات -ج٢- ص-٥٩)، وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): “من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن خاف من النار ترك الشهوات، ومن ترقب الموت اعرض عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات”.(جامع السعادات -٢-ص-٦١)،قال علي( ع )

: “ان من أعوان الأخلاق على الدين : الزهد في الدنيا”.(جامع السعادات -ج-٢- ص-٦٢).

ولا يعني ذاك أن اقبال الدنيا على أحدهم يخرجه من رضوان الله تعالى وإنما حسن تدبره للدنيا المقبلة عليه وإعطائه كل ذي حق حقه هو السبيل للبيان عن مكنونات قلبه من إيثار رضا الله سبحانه على دنيا تزينت وعقدت العزم على غواية من أقبلت عليه! وهنا المحك والميزان اللذان وضعهما الله تعالى فابتلى عبيده بهما ليميز الخبيث من الطيب ،يقول الإمام علي ( ع ):” ليس الزهد أن لا تملك شيئا، بل الزهد ألا يملكك شيء”، كما يقول ( ع ):” الزهد بين كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}.. ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي؛ فقد أخذ الزهد بطرفيه “.

وهذا النبي مثالاً حياً يسعى بين الناس رافضاً دنيا دنية فانية رغم أن العلي الأعلى وضع بين يديه الملك ومفاتيح خزائن الدنيا مخيراً إياه ولا ينقص من مكانته ومنزلته عند ربه قيد أنملة ! لكن حكيم الدنيا (ص) من لدن أبي الأنبياء آدم (ع ) إلى آخر نفس في الحياة الدنيا، كعادته وديدنه يتباسط ويتواضع ويخشع لعظمة الله تعالى ويرضى عن قناعة راسخة باليسير منها طامعاً لقاء الله خفيفٌ حمله من متاع الحياة الدنيا، ثقيلٌ ميزانه برضا الله تعالى ،ومن أحق منه ( ص) ببغض متاع الدنيا الفانية ورفضها ؟!ففي أقبالها سعير المحن وعظيم الإبتلاءات تُفتح! ويُرمي صاحبها على شفير حفرة من النار سائقة إغواءات شيطانية ودعوات مبهمة وابتلاءات غير مضمونة النتائج وخسران لمن أصابها فصدقها وركن إليها!! قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :”حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات”.

وها نحن نعيش فترة عصيبة من الزمان ففراعنة وطواغيت لبسوا لبوس الدين نفاقاً ! ورفعوا رايات شعارها نصرة محمد(ص) والدين الإسلامي تدليساً! وادعوا أنهم يد الله الضاربة في الأرض زوراً وبهتاناً !وأنهم خرجوا من جحورهم وانسلوا من كل حدب وصوب يبتغون رضوان الله تعالى في إقامة دولة الحق ! ولعمري كيف لعاقل أن يصدقهم في دعواهم ؟! وما هم إلا جشاعٌ وطلاب دنيا حرام مقاصدها كلها بلا استثناء ، فلا الزهد عرفوا ولا العمل الصالح تبنوا!! ولا التمسك بحبل الله والعروة الوثقى أرادوا!!ونواميس الله وشرائعه حطموا وحرفوا!! وفجروا بيوت الله من مساجد وكنائس ومراقد رجالات الله العظام أنبيائه ورسله وأولياءه الصالحين !!يقول المولى الحق :” قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ “.( الأعراف -٧١)، ولقد باعوا الأوطان ورفعوا راية ظاهرهاالخير كله، وباطن مقاصدهم الشر كله !! قد خبثت نواياهم التي تسعى علواً لأبالسة وشياطين هم في حقيقة الأمر ألهتهم ومصدر إلهامهم ،ومنبع لا ينضب من سقوط وانحطاط وتكالب على دنيا قذرة أبوابها تبدأ من إلغاء العقل وفتح أبواب الشهوات الحرام حُكماًعلى مصراعيها!! يقول تعالى:” وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا”.( النساء-١١٩)، وشاغلتهم الدنيا فشغفوا في هواها!! فلا زهدت أعين قوامها وحراسها وأتباعها عن متع حرام يسلبونها عنوة !ويتلذذون باغتصابها بالقوة والإكراه والإذلال لغيرهم ،وينتشون سكراً بدموع ضحاياهم! ويسلبون قوت العباد !ويمتعون النظر بمناظر إمعاء خاوية تتلوى جوعاً وتلتمس تراب الأرض غذاءً ، ويستعبدون عباد الله سخرة ليلاً ونهاراً!! ومنبرهم دجال منافق يحلل لهم الأرض ومن عليها! فالمال مال ربهم لهم دون غيرهم التمتع فيه!! ومنابر غيرهم إنما هي منابر ما أنزل الله بها من سلطان فلابد من هدمها وجرفها ومنع الآخرين من رفع اسم الله وذكره وإن كانت محتضنة مراقد أولياء الله الصالحين،ألم يقل علام الغيوب فيهم :” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “( البقرة-١١٤).

هؤلاء يلبسون رث الثياب زيفاً بدعوى الزهد تارة وإلتزاماً بأوامر الرحمن تارة أخرى ،وكأن الدين اقتصر على ظاهر لا باطن فيه، فقد اجمعوا على الأخذ من الزهد بثياب خلقة منفرة وترك ما عداه !! ومن سخريات القدر أن يُعتمد اللباس الأفغاني لباساً للمؤمنين، وكأن محمداً أفغانياً لا تهامي عربي الدماء! وكأنه بعث في أفغانستان لا مكة المكرمة !!- مع احترامي الشديد للشعوب كافة ولكنه تساؤل محير موجه لمن استنبط هذا اللباس زياً رسمياً للشعوب الإسلامية ؟! فهل المقصود به إلغاء هوية النبي محمد ( ص ) ؟!أم توجيه عقول ونواظر الآخرين تدريجياً في اتجاهات أخرى غير قبلتهم ومكتهم ورسولهم ( ص )؟! فلا نامت أعين الظلمة !يقول القادر المقتدر :”وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ”.( البقرة – ١٤٥).

ومن تحت قصاصات أرديتهم تلك يرتع الشيطان ربهم الذي يسيرهم بمنهاجه ويتراقص صباحاً ومساء ،ويكرع نخب انتصاره -المزعوم فرية – على محمد ودينه في صولة غدر بالأمة وغفلة رجالاتها عما يحاك لها ولهم !! ولكنها لحظات نشوة زائلة عما قريب ولن تدوم، فالذي لا يخاف الفوت” اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ “.(البقرة-١٥) فهل أولئك رجال الله حقاً ؟!وهل الزهد باباً ولجوا فيه ؟!وهل الحطة والسماحة شعارهم ؟! وهل ما بناه محمد ذهب أدراج الرياح بمعاولهم وعلى أيديهم ؟! أم هي صولة وهناك صولات وجولات؟! فالحق بين والباطل بين “وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “.( البقرة-١٨٩)،

{وروى جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات :

١٨٨٤ (٢٢) كا ١٦٨ ج ٨ – عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن الحسن بن السرى عن أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعت جابر بن عبد الله يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع فوقف علينا فسلم فرددنا عليه السلام ثم قال مالي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب وكان الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب وحتى كان لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم سبيلهم سبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم فيظنون انهم مخلدون بعدهم هيهات هيهات اما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل واعظ في كتاب الله وآمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي واتبع الأخيار من عترتي من بعدي وجانب اهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا المبتدعين خلاف سنتي العاملين بغير سيرتي طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد به على اهل المسكنة طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وامسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل”.}

[وفي الغرر-٥٥٥ – قال إمام المتقين (ع):”كيف يدعي حب الله من سكن قلبه حب الدنيا “.٥٧٢ – وقال أيضاً ( ع ) :”كما أن الشمس والليل لا يجتمعان كذلك حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان”.

– ٣٨٠ – قال الإمام علي ( ع ):”حب الدنيا رأس الفتن وأصل المحن”.٣٨١ – وقال (ع ):”حب الدنيا يفسد العقل ويصم القلب عن سماع الحكمة ويوجب أليم العقاب”. ٣٨٠كما قال ( ع ):” – حب الدنيا يوجب الطمع”.]

ما لمحمد وآل محمد ( ص ) والدنيا !! يقول تعالى:” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ( الإنسان-٨-٩)، كما قال تعالى :” لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”.( البقرة-١٧٧).

وعوداً على بدء ،من أولى من الحكيم المعلم ( ص ) لنشر ثقافة حب الله وحب رسوله ممرٌ إلى خلود ومتاع لا يفنى شريطة مروره عبر بوابة الزهد في الدنيا؟! وهذا لا يتعارض مع مبدأ العمل المتفاني في بناء الحياة الدنيا ففي بنائها عبادة لذات الله تعالى، ولهذا نجد النبي يزهد في الدنيا بيد ويشجع القوم على ذاك، وفي المقلب الآخر يحرضهم على البناء والعمل الدؤوب كل حسب موقعه، كما يدفعهم لصيانة الحقوق والالتزام بالواجبات ،ولا يغفل عن تحذيرهم من موبقات الفتن الملازمة لحب الدنيا !ومن مصاديق الزهد في الحياة الدنيا إغاثة الملهوف وقضاء حوائج المحتاجين والمسارعة إلى بذل المال والنفس حباً وكرامة في سبيل إحياء المجتمع الإسلامي والنهوض بأهله وبكراماتهم، وتلمس حاجات المستضعفين والمحتاجين سراً وعلانية، متذللين لله المنعم ومترفعين عن ذل السائلين ،غير ناظرين ولا منتظرين لا جزاء ولا شكوراً ! فالصدقات والزكوات عنوان ريئسي في برمجة المؤمن للزهد في الحياة الدنيا لما للمال من سطوة وجبروت على النفس البشرية ف ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا “. (الشمس -٩) !يقول الرسول الكريم ( ص ) : “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً”.كما روي قول أئمتنا( ع ):” ليس منا من ترك آخرته لدنياه، وليس منّا من ترك دنياه لآخرته”، وروى سلمان (رحمه الله): كانت فاطمة ( ع ) جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار يبكي، فقلت: يا بنت رسول الله دبرت كفاك وهذه فضة.فقالت: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.قال سلمان: أما أن أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين.فقالت: أنا بتسكيته أرفق..

قال سلمان: فطحنت شيئاً من الشعير فإذا أنا بالاقامة فمضيت وصليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله) دخل ذات يوم بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) فرآها متعبة مرهقة من كثرة العمل، فكانت تطحن بالرحى وعليها كساء من أجلة الإبل.. فلما نظر إليها بكى وقال(صلى الله عليه وآله): “يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة”. وقال الحق وقوله الفصل :” وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”.( القصص -٧٧).

وبما أن للمال سطوات وبرائق لا تنكر وإغواءات مستعرة، وهو باب من أبواب جهنم إن لم يوضع له ضوابط وشرائع موضحة طرائقه الشرعية المباحة الفاضلة ،كماأنها تسد منافذ الشيطان ومكائده باستغلال المال مصيدة لبني آدم! ذهب الشارع إلى تحريم الكثير من الأساليب المكتسبة من شريعة الغاب والتي من نتاجها القطيعة بين طبقات المجتمع، وتألب الطبقات المهضومة حقها على مصاصي دمائهم من الفراعنة الطواغيت والأثرياء المستفيدين من وضعية كتلك ! وتفاوت في مستويات المعيشة والقدرات المالية تؤدي إلى هوة سحيقة بين الأثرياء والفقراء دون وجه حق ، فقد حرم المولى سبحانه السلب والنهب والسرقة والتعدي على أموال وأملاك الأخرين ، وشدد على حرمة وضع اليد بالقوة على أملاك الآخرين أياً كان هذا الآخر مسلماً أم ذمياً، حاضراً أم غائباً، كما حرم الإتجار بقوت البشر بتحريم الإحتكار، وأيضاً وضع نظام الجزية والخراج والخمس والصدقات لمعالجة التفاوت الطبقي ولإرساء مبادئ التعاضد والتكافل والتراحم بين المسلمين ،ومغلقاً منافذ الشيطان التي يتمكن بها من زعزعة صفوف الأمة وتحريضها على الشحناء والبغضاء ضد أنفسهم ، كما سعى الإسلام إلى تحريم الإتجار بالبشر تدريجياً كعبيد وسخرة بوضع نظام الكفارات عن بعض من الخطايا بعمليات عتق للعبيد والإماء كتجارة رابحة عند الله تعالى للوصول بعدها إلى تحريم تجارة الرقيق ،وتحريم تجارة الأعراض وهتك الستور والإجبار على البغاء، فهي مهينة للكرامات ولإنسانية الإنسان، ولاغية الغاية من خلقه فالعبودية لله وحده بما تتضمن أيضاً عبادته وحده لا شريك له ،وتفتح المراهنات والنوايا على استعباد البشر والإتجار بهم عمل الشيطان المحرض عباد الله المظلومين على الله تعالى بتحميل الخالق خطايا الزنادقة والفجار من خلقه ! ألم يقل الله تعالى : وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ “.( آل عمران -١٠١)، وكذلك قال :” وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ” النساء -٢)،. وّذقال أيضاً :”وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا “.( الإسراء -٣٢)،. وقال الحق:”قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”.(الأنعام – ١٥١)،

ويطل علينا من يتعمم بعمامة الدين وتعكز بعكاز الفتاوى فيشرع ما يهتز له عرش السماء غضباً!! وتستعر نيران جنهم غضباً لغضب الجبار المنتقم ،وحنقاً لفتوى فجورٍ وعهر معممة بأقدس السبل إلى الله “الجهاد في سبيله”فرية ما بعدها فرى !إنه جهاد هتك الأعراض واختلاط الأنساب وتعميم ثقافة أولاد الزنا !! فينعق غربان الأبالسة بجهاد إلههم ( وحاشا لله أن يفعل واستغفره وأتبرأ إليه منهم فما هو بربهم )الجهاد المسمى كذباً وزوراً جهاد النكاح ، فالطاهر ربنا لا يقبل أن يُجاهد في سبيله بالأعراض، بل هو مخطط شيطاني متفق عليه بنشر الفساد والإفساد ليصبح عادة متأصلة في عموم الناس ويستوي الرعاع من الرعاة الزناة وأباء أبناء الزنا بالشرفاء من المؤمنين الذين يخشون الله رب العالمين ويتعففون ويتطهرون من مواقع فحش وفساد هي تلك ، والأَمَرُ من ذاك أن يطل علينا من أهرق ماء شرفه ( إن كان له شرف )وماء وجهه البغيض فيطالب لا بل يحرض الناس على تسليم أعراضهم طواعية ليخوض الزناة العهار في حرائرهم وهم يتراقصون طرباً وسعداً لهكذا يوم مشؤوم ؟!

فما تقول أيها الناعي دينك وعرضك لله رب العالمين يوم أنت بالغه- لا ريب في ذاك – عن فحيحك الذي تسميه دعوة ؟!ألم تسمع بأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؟! وأن المبتدع لأي بدعة ضالة مضلة كانت عليه وزره ووزر من اتبعه إلى يوم القيامة ؟!فعن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا:” كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار”، وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في معنى : “اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ .( التوبة -٣١)؟ ” أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم ما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراماً، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون”. ( أصول الكافي -ج-١)،   وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :” أبى الله لصاحب البدعة بالتوبة، قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: إنه قد اُشرب قلبه حبها”. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:” إن من أبغض الخلق إلى الله عزوجل لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله ، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته.،ورجل قمش رجلا في جهال الناس، عان بأغباش الفتنة، قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما، بكر فاستكثر، ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، واكتنز من غير طائل ، جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضياً سبقه، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده، كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شئ مما أنكر، ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهباً، إن قاس شيئاً بشيء لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به، لما يعلم من جهل نفسه، لكيلا يقال له: لا يعلم، ثم جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات ، ركاب شبهات، خباط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ،تبكي منه المواريث، وتصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا ملئ بإصدار ما عليه ورد ، ولا هو أهل لما منه فرط، من ادعائه علم الحق”.( أصول الكافي -ج-١).

للحديث بقية

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة