يعرف الرجال بالحق – الجزء الرابع عشر

img

هاجر النبي إلى ديار يثرب حيث لا قواسم مشتركة بين قاطنيها لينطلق منها النبي محمد (ص) فيجمع بين القبيلتين المتخاصمتين الأوس والخزرج، واللتين لا تجتمعان على شيء سوى الإتفاق على محاربة إحداهما الأخرى ، وسط هذا الخضم المشحون بغضاً وكراهية كانت قيامة محمد النبي ( ص )، ليؤسس مبدأ الإخاء بين الأنصار أهل يثرب والمهاجرين من أهل مكة، فعمل على مؤاخاة كل أنصاري بمهاجري ،فتربط هذه العلاقة الأخوية الجديدة بينهما بأوشاج متينة عمادها رضا الله والرسول ( ص )،إذ جمعهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لهم: “تآخوا في اللّه أخوين أخوين”.فكان مدخلاً عظيماً لنشأة مجتمع متكافل ومتحاب في الله، ومن نتاجه تعاهد وتعاضد وانصهار مجتمع قبلي عنصري عصبي في بوتقة رحمة وتآلف ما عرفه التاريخ من قبل، ولكن لله في خلقه شؤون وسبحانه مغير الأحوال ومقلب القلوب والأفئدة إذ اتحدت تلك تحت مظلة لا إله إلا الله ، فكانت محصلتها تعاهد الأفئدة المؤمنة وتوادها وتراحمها وترابطها بروابط رضوانية نورانية ما لها من انفصام، فلا يسلم أحدهم الآخر، بل المؤمن للمؤمن عينيه وساعديه، يعينه على ظروف الحياة الصعبة ،ويشاركه الجراح ومن ثم البسمة ، ويتقاسمه الضراء قبل السراء ،قال الرسول ( ص ):”   “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

بل بلغ الإيمان بطاعة الله ورسوله ذروته لدى الإخوة من الأنصار في تلك الظروف الحالكة ،فتدافعوا في نسيج غريب من الطواعية والمرونة بحيث زهدت في الدنيا قلوبهم التواقة لما عند الله تعالى ولآخرة ختامها مسك ! وقال العليم الخبير :” وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ “.(الشورى-٣٦)، فصار يتقاسم دنياه مع أخيه المهاجر بنفس مطواعة محبة لفعل الخير مُقَدِمَتَه على مباهج الحياة، وما برحوا يتقاسمون المال والأزواج وما ملكت أيمانهم من عقار وبساتين حتى المشاعر صيرت رحبة وقويت وكأن الأخ المهاجر أقوى لأخيه الأنصاري وأقرب إليه من دمه الساري في عروقه !ألم يقل الله تعالى :” وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ “.( القصص -٦٠) ،فهل يعقل أن يَقْدِم هذا الأنصاري على تطليق أحدى زوجاته ساحقاً عواطفه اتجاه حليلته ؟! ليتمكن أخيه في الله المهاجر من الزواج منها ومراعياً حاجاته الجسدية ،ومقدراً حجم المعاناة التي يحياها المهاجر لبعده عن أهله فيمكنه بذلك من تأسيس كياناً شرعياً خاصاً به طارداً شبح الوحدة والغربة عنه ، لولا بلوغه قمة الطاعة لله ورسوله ( ص ) في تلك اللحظات الحاسمة من تاريخ الأمة ! فماذا فعل محمد( ص ) بالقوم حتى يحولهم من مجتمع متناحر متباغض إلى كينونة عاقلة متحابة مضحية متخلقة بمكارم الأخلاق ؟! وماذا فعل الإيمان بهم إذ يتسابقون إلى فعل الخيرات حباً وكرامة لله رب العالمين وطاعة لرسوله ( ص ).قال تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “. ( آل عمران -من -١٠٢-إلى -١٠٤ )، كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.( آل عمران-٣١)، وكما قال تعالى أيضاً:” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ “.( آل عمران -١١٠)، وماذا فعل بهم تبني الإعتقاد أن الله ورسوله وطاعتهما أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجهم وبنيهم وأموال اكتسبوها في حياتهم الفانية ؟! يقول خالق الخلق :” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ “.( آل عمران-١٤-١٥)، وماذا فعل بهم الغيب من مفاعيل خارقة ؟! ليرتقوا سلالم الأعمال الصوالح هرولة ويتعالون عن موبقات الأمور وصغائرها ويترفعون عن الدنس وخسائس النجاسات ما ظهر منها وما بطن ، يقول تعالى :”إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ “.( المائدة-٩١)،وقال المولى جل شأنه :” وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا “.( الإسراء-٣٢)،وقال أيضاً :”وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ “.( الأعراف-٥٦)، وقال العدل :”وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى “.( طه -٨٢)، وقال أيضاً :” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ “.( التوبة-١٠٥).

ولابد من الإلتفات إلى نكتة جد عظيمة أن الرسول آخى بين المهاجرين والأنصار وأن أفعال المؤمنين من المهاجرين والأنصار جاءت تلقائية طواعية تحت مظلة الشرع، فلا إكراه ولا إجبار على فعل ما، بل لا يجوز بصفة الحاكم المطلق واليد العليا لرسول الله (ص) فرض أمر واقع بالقوة والإكراه ،فتسبى حرائر الأنصار وتغتصب أعراضهن أو يجبرن على ممارسةالبغاء بحجة جهاد في سبيل الله!- الذي لم يعرف التاريخ فرية ساقطة كهذه الدعوة المكشوفة للعهر والإنحطاط باسم الرب وجهاد في سبيله والتي روعت بها مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة على أيد سدنة الدين الجديد!!- وعوداً على بدء ،فما كان للرسول ( ص )وحاشاه من منطق معوج كذاك ولا لأحد من أتباعه أن يفتري على الله تعالى بحجة ليئمة كتلك، فنعود القهقري إلى أفعال منجسة رأس مسقطها قابيل الذي قتل أخاه ظلماً وعدواناً ،وأخته التي فتحت أبواب الفجور شرعاً( لعنهما الله تعالى )، وأسسا لكل فعل فحش مدنس لا يقبله الشرع ولا المنطق ولا الأحرار العقلاء المؤمنون الذين يخافون الله رب العالمين ويخشون “يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا “( الإنسان -٧)، ولا يحق له (ص) ولا لهم باسم الدين السطو على أموال المسلمين والإجبار على تقاسمها مع الآخرين ، فما هكذا يبنى الدين القويم ! ولكن نعم تبنى شريعة الغاب على هكذا أفعال همجية رعناء ! ويؤسس للواء الشيطان ودولة الأبالسة من الجبت والطاغوت بهكذا كيفية ،غصب ونهب وسلب وتقطيع للرؤوس وصلب للأموات واعتداء على حرمات الأحياء منهم والأموات أيضاً، ودعوات داعرة لولاة الأمر من الرجال لتسليم حرائرهم وأعراضهم ليخوض بها كل عاهر طواعية خدمة للجهاد في سبيل الطاغوت!! بحجة تصحيح المسار بالقوة والإكراه! فما حاجة الله إلى عباد سخرة لا يفقهون شرعه ولا يتواصلون معه بعقولهم، ولا يتناغمون معه بالحب والولاء؟! فذاك العظيم -سبحانه وتعالى علواً كبيراً عما يزعمون- كتب على نفسه الرحمة وأرسل رسله بالرحمة والرفق أيضاً، فلابد للحب من أوشاج تربط الرب الرحمن الرحيم بعباده، فلا سطوات ولا قهر إلا سطوة العقل والبيان ، فماذا فعل منطق البيان الإلهي والوحي السماوي والحجة المحمدية بأوائل الأنصار حتى يكونوا مضرباً يحتذى به لمن بعدهم ؟!

فها هم يحصدون الزلفى والقربى إلى الله الإله المعبود، وجنان هي محصلة طاعة حبيب الله (ص)المنفذ لنواميس الله والمعلم لشرعه المتفاني في خدمة المسلمين والمعين بجم خلقه وعظيم تواضعه وتباسطه المبلسم والمؤنس والغير مألوف من سادات القوم لمن دونهم من الآخرين ،وبشاشة خلقه وسماحة محياه المبذولة للقاصي والداني ولشرائح الناس كبيرهم وصغيرهم ، قويهم وضعيفهم وعزيزهم وذليلهم، وللحر والعبد على حد سواء، قالباً موازين القوى ومفاهيم الردى للجاهلية لنور وقبس يستضيء بسناه كافة البشرية !!فقد قال تعالى:”إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”.( النساء- ٥٨)، هو سيد القوم نعم ولكنه المرآة لنور ربه ، إنه خير من وطئ الأرض ولكنه النبي الحاضن لقيم ربانية أُريد لها من الله تعالى أن تكون العماد والمنهج والناموس الأعظم لثلة من المؤمنين دخلوا وسيدخلون أبواب التاريخ حطة مشرعة لهم، ومقابضهم على يد أكرم خلق الله محمد التقي النقي ( ص )،الطاهر العلم الذي فاض برحمته على المؤمنين من الخلق ،فشملهم برعايته صباحاً ومساء، وانصهر بهم نسباً وصهراً، وأبوةً لليتامى والمستضعفين من النساء والرجال والولدان ،ومعلماً وقائداً وناصراً وحصناً ومحامياً للحق وللقيم والإنسان والأرض ،ومصلحاً صائناً للعرض إياً كان ذاك العرض، وماحقاً للعنصرية والعصبية القبلية ومناهضاً للتمييز العرقي والقبلي ،ومحارباً طويل الأنفاس لمفاسد الأخلاق ومنفرات الطبائع، ومنصباً نفسه الطاهرة عنواناً وموقعاً لقمم القيم والمبادئ وتطبيقاً شمولياً لها،اذكروا

معاشر الناس قوله تعالى :” قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “.( الأنعام -١٥١)،وتبصروا في قول الحق :” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا”.( الإسراء- ٣٤)، وقال تعالى :” إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى”.( النجم -٢٣).

فإذا ذكرت التضحية كان محمد ( ص ) خَيَالها، وإذا ذكر الصبر كان محمد فارسها ،وإذا ذكر الحياء كان المصطفى(ص) معدنها وديدنها، وإن ذكر الله جلت قدرته لهج قلب محمد حباً لله تعالى ، وخفق شوقاً وانسابت الدموع حرى على وجهه الكريم وكلما ذكرت الطاعات كان محمد(ص ) المتعبد المطواع لربه المتهجد أناء الليل وأطراف النهار وكان أول القوم تقرباً لله زلفى بنماذج من الطاعات والعبادات يحال على مخلوق في هذا الكون مناظرته إياها! وكانت المعاملات بين الناس بالحسنى سبيله إلى رضوان الله تعالى، فقد قال الرسول الكريم :” الدين المعاملة “.كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ” أكثر ما تلج به أمّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخلق يعمّران الديار ويزيدان في الأعمار”. ويقول رسول الله ( ص) : ” ألا ومن ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئاً على غير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة”.ولقد قال الصادق :”إنّ الخلق الحسن ليميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد “، ويستحب التأمل في قول الصادق ( ع ) :”من أراد أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل ، فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ، فبقدر ما تمنعه تقبل منه”.

وكلما ذكر الله جعل من قيادته للأمة سائقاً ينصر المستضعفين والمستضعفات ويمنيهم بتموضعهم في عين الله ورحمته ، يقول المولى سبحانه :”فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “.( آل عمران -١٥٩)، كما قال الحق :”وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ “.( النور -٢٠).

محمد رسول الله وحبيبه واسى الناس بصبره على الضيم، ومشاركتهم السراء والضراء، فجاع كأمثالهم من فقراء المسلمين بل ذاق مرارة الجوع على نحو أشد قسوة من عامة فقراء المسلمين .يقول تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ”.(البقرة -١٥٥)، وتقاسم معهم المحن بدقائقها وتفاصيلها لحظة بأخرى دون أن ينأى بجانبه عنهم .

وما فتئ محمد المحارب والمناضل يجاهد الكفر والكفار والمشركين بسواعده وأهل بيته قبل أن يفرض على الآخرين منازلة أعداء الله والرسول والمؤمنين،ففي بدر افتتح بنو هاشم القتال مع أمثالهم من قريش، وفي أحد ثبت الرسول الكريم وفارسه الذي ليس كمثله فارس كرار غير فرار علي بن أبي طالب ( ع ) وثلة من المؤمنين في مواجهة الهجمة الشرسة على النبي ( ص ) وفرار المسلمين من أرض القتال ، والأحزاب تشهد لعلي بعظيم إيمانه وبطولاته فلا “فتى إلا علي ولا سيف إلا ذي الفقار “، ذاك الفتى الذي جاد بنفسه رخيصة في سبيل سلامة محمد ( ص ) يوم مبيته في فراش سيد الخلق ليلة الهجرة “فبخ يخ لك يا علي” فالله تعالى في علاه يباهي بك وبإيثارك النبي على نفسك الملائكة ! فمن للمواقف الحازمة والتضحيات الجسام والإبتلاءات العظام إلا محمد وآل محمد ( ص ) قدوة ونبراساً للسائرين على هدى النبي القدوة والرحمة والإنسان.

       وللحديث بقية

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة