يعرف الرجال بالحق – الجزء الثالث عشر

img

هاجر النبي إلى ديار الأوس والخزرج وكانتا قبيلتين متصارعتين متحاربتين ومن ورائهما خلافات مستعرة بفضل أيد خفية يهودية مثيرة حفائظ القوم وضغائنهم وأحقادهم ضد الطرف الآخر، ليصفو لها العيش قابضة على اقتصاد المدينة ومقدراتها ولتكن لهم السيادة والريادة في يثرب وما حولها!!ومما لا يخفى على أحد تأثير الثقافة اليهودية على المجتمع القبلي الذي عاصر وجود القبائل اليهودية في الجزيرة العربية لقرون خمس قبل بعثة النبي محمد( ص )، والتي شَقَّت تنبؤات توراتهم على اليهود انتظار بعثته ، وكلت حناجرهم التباهي بإتباعه حال ظهوره ، وما فتئوا الإدعاء أنهم أنصاره ومتلقفي العز والمجد دون العرب المشركين بالله وكفارهم بالركون إليه ، وبأنهم السباقون إلى الإيمان به حال بزوغ نجمه ،وخصوصاً أن مسعاهم في المرابطة في يثرب وما حولها من المناطق القريبة من بعثته ومهجره( ص ) هو انتظارهم الفرج ببعثته، ومما ذكروه مغلافاً بالتهديد باطنه كون المؤمل بالنبي المنتظر التنكيل بِعُبَاد الأصنام وسحقهم ،وبكسر شوكتهم وإعادة أمجاد أيام الله على يدي الخاتم المنتظر ( ص )، فهو حبيب الله وهو النبي الخاتم سيد المرسلين ( ص ) والوسيلة إلى الله سابقاً من لدن خَلْقِ أبي البشرية أدم مروراً بالأنبياء قاطبة دون استثناء ،وعروجاً على اللآحقين به حتى يوم الدين لقضاء الحوائج وهو “تابوت سكينة ” ناصر المتمسك به نصراً عزيزاً مؤزراً ، وسل بني إسرائيل عن حاجاتهم وانتصاراتهم التي قضيت وتحققت بتوسلاتهم إلى الله ببركة ومنزلة محمد المصطفى وآله ( ص )عند العلي الأعلى إلا بإمضائها، ثم إنه الفارس المغوار سيد الفوارس من الأولين إلى الآخرين له في كل صولة معترك ، والمناضل الذي لا يمل ولا يكل حاملاً مهنده على منكبيه فارضاً دين الله على الناس كافة ، هكذا رأته اليهود في توراتهم قبل بعثته .

ولكن سرعان ما انقلبت الصورة من بعد بعثته ،إذ لا تليق ولا تصح الصورة إلا لمن كان يهودياً من بني إسرائيل – ولو كان يهودياً حقاً لكفرت به بنو إسرائيل- !! يقول تعالى :” فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “.( المائدة -١٣)

غير أن صدمة اليهود بالغة عظيمة ولكنها جَدُّ متناقضة ! إذ فجع اليهود ببزوغ نجم النبي المنتظر في مكة رغم علمهم المسبق بظهوره في ذات الموقع “مكة” وهجرته للمدينة يجدون ذلك في توراتهم! ومع ذاك وقعت الواقعة على رؤوسهم وقوع الطامةالكبرى، فبعثرت عقولهم وتكشفت نواياهم الخبيثة ظاهرة للعيان لا يتخفون منها ولا يدارونها!وبها ظهرت بواطن عداوتهم لله ولرسوله وللملائكة المقربين فإنكارهم نبوة محمد( ص ) تلتها المكاشفة القراح لبغضهم جبريل ومكائيل( ع ) ألم يقل الله تعالى :” قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ،مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ “. ( البقرة -٩٧-٩٨). { ورد في كتاب السيرة النبوية عند أهل البيت ( ع ) – الجزء -١-:

   وفي تفسير القمي:١/٣٢: ” فكانت اليهود يقولون للعرب قبل مجئ النبي (صلى الله عليه وآله) : أيها العرب هذا أوان نبي يخرج بمكة ويكون هجرته بالمدينة ، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم ، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة ، يلبس الشملة ويجتزي بالكسرة والتميرات ، ويركب الحمار عرية ، وهو الضحوك القتال ، يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى . يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر ، وليقتلنكم الله به يا معشر العرب قتل عاد ، فلما بعث الله نبيه بهذه الصفة حسدوه وكفروا به كما قال الله:” وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ “..( البقرة -٨٩).

وفي تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)/٣٩٣: ” قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : “وكانت اليهود قبل ظهور محمد (صلى الله عليه وآله) بعشر سنين تعاديهم أسد وغطفان ويقصدون أذاهم ، وكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين ، حتى قصدتهم في بعض الأوقات أسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة ، فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس ، ودعوا الله بمحمد وآله الطيبين الطاهرين فهزموهم وقطعوهم… فلما ظهر محمد (صلى الله عليه وآله) حسدوه ، إذ كان من العرب ، فكذبوه” !}

وكان لبعثة النبي بين أظهر العرب وقع الصاعقة عليهم ولم يستطيعوا تجاوز مرارة خروج النبوة من بني إسرائيل إلى يوم القيامة هذا أولاً ! { من كتاب أسباب النزول /١٧: “أغمي على الحاخام يوسف في مكة عندما ولد النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولما أفاق سأله القرشيون ماذا دهاه؟ فقال لهم: ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الأبد”. ! وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل ، فما بال هذا من بني إسماعيل !} .

وكأن الرسول ( ص ) صب عليهم حمم جهنم حين رفض مهادنتهم وتطيب خواطرهم وإرضاء خيلائهم والإدعاء ببعثته لهم خاصة ! مما زادهم حنقاً ونفوراً !وذاك ثانياً !!

{ففي أمالي الصدوق/٢٥٤ ، عن علي (عليه السلام) قال:(( جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا محمد ، أنت الذي تزعم أنك رسول الله ، وأنك الذي يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران ؟ فسكت النبي (صلى الله عليه وآله) ساعة ، ثم قال: “نعم ، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين” . قالوا: إلى من ، إلى العرب أم إلى العجم أم إلينا ؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية: قُلْ (يا محمد) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا .”(الأعراف-١٥٨).

وجرت الأحقاد والضغائن سيولاً على ألسنة اليهود ومحياهم اتجاه سيد الأنبياء والمرسلين (ص) ناكرين نبوته وجاعلين علوم الغيب التي حوتها توراتهم قراطيس لا قيمة لها في نواظرهم ومنكرين ما جاء فيها !ومدعين أنها من خزعبلات محمد الأمي ( ص ) !يقول الله تعالى :”وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ “.( الأنعام -٩١)، وقال علام الغيوب :” فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “.( المائدة -١٣)، وكعادتهم بثوا ما استطاعوا من الضغائن والأكاذيب ضد سيد خلق الله (ص) فما راعوا لله حرمة! وما راعوا للعلم الإلهي الذي يعرفونه ويتدارسونه بين أحبارهم وحاخاماتهم سراً وخفاء ، والمدون لديهم في توراتهم حقاً!!يقول الحكم العدل :” مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا “.( النساء -٤٦)، فإذا ما سئلوا عن نبي آخر الزمان من قبل فضول العرب أنكروه وجحدوه ،بل ذهبوا في غيهم وتطرفهم وجحودهم شأواً بعيداً !حيث تباروا في التأمر على النبي وآل النبي ( ص )، يقول تعالى :”وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا “.( الجن-١٩)، وها هي القاسية قلوبهم والملحدة عقولهم في تخطيط متصل دؤوب لقتل النبي والتخلص من آله أيضاً !ومحاولاتهم المستميتة لإجهاض دين الله !ولكن لله الكلمة الفصل : ” اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ”.البقرة -١٥)،   كما أنه الغالب على كل أمر:” وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ “.(التوبة-٣٢)”.يقول القادر المقتدر : “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ “.( الصف -٨) !

وافْتُتِحَ ذاك المخطط الشيطاني قبل هجرة النبي محمد إلى يثرب واستُكمل بعدها، مخطط متواصل متصل ومتعاقب تعاقب الليل والنهار !ومُستكمل فصوله واحد تلو الآخر ! فما أن يفشل الأول حتى يتدارك بالآخر! فلا فلت عزائمهم ولا دحرت شياطينهم !!

فمحمد( ص ) أضحى قلب الوجود وسببه وهو قطب الرحى لمجريات الأحداث وتدويرها وهوالعلة التي بها ترفع الأقدار وبه ترسم خارطة الوجود كله !وكل الأفلاك والمقادير تجري من حوله وببركته – سبحان الله المعز المذل -،وصفي الله محمد ( ص ) ونبوته يهددان نفوذ زمر المستبدين والطغاة والمستكبرين والفراعنة أينما وجدوا وينضوي تحت مظلتهم اليهود من بني إسرائيل المتنصلين من عيون الحقائق الفارين الى أحضان الجبت والطاغوت !كما يتهدد زعامات علمائهم وحاخاماتهم ! فقد كانوا زمرة يدعون أن العلم الإلهي بحوزتهم ويتسلطون بها على رقاب العباد ! ولا يتناهون عن منكر أو لذة حرام مشرعنين إياها ومنسبيها إلى تعاليم السماء! يقول علام الغيوب :” كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ “.( المائدة-٧٩)، وقال تعالى :” وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ “.( الأعراف -٢٨)، ويتباهون على عموم الجهلة وعباد الأصنام بما حوت صدورهم وصحفهم من العلم الإلهي -المغيب عن عامة أقوامهم – ! فكونوا بهالتهم تلك ملجأ كل طالب علم ومشورة ورقية وعلاجاً وباحث عن أنباء الغيب وكذلك علوم الفلك والنجوم ، بينما أضحوا بوجود النبي محمد( ص ) في قائمة المتقهقرين نفوذاً وعلماً! وعلى شفير هاوية النسيان والإقصاء القريب الحتمي ! كما إنه (ص) يتهدد بنواميس شريعته السمحاء أركان مجتمعهم وزيف أخلاقياتهم الفضفاضة والمنفتحة على المحرمات السماوية التي أباحها حاخاماتهم وكبرائهم ،وأساسيات اقتصادهم المتعكزة على تلك الإباحيات !فما شعارهم الغاية تبرر الوسيلة إلا متعاهد كابر عن كابر ،وهذا هو المدخل إلى مؤامرة حيكت بليل دهماء، فكانت المؤامرة على قتل الخاتم سيدة قراراتهم! والقطب لخسيس مؤامراتهم ضد نبي الدين الجديد وأتباعه !وضد دينه أيضاً ! ومساع حثيثة دؤوبة لتهميش حبيب الله ( ص ) وتسفيه مكانته بتضليل الناس والتشكيك بمصداقيته وإيهامهم بلجوء النبي ( ص ) إلى إدعاءات مضللة كونه على اتصال بالسماء وما يتحدث إلا بعلم وخبر وتعاليم تتنزل عليه من ملكوت الله ليبلغها إلى الناس كافة!! وما الحقيقة إلا أساطير الأولين !يقول الحي القيوم :” وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا “.( الفرقان-٥)، وما من تفسير عقلاني ومنطقي لمزاعمه كلها إلا تلقيه علماً بشرياً من أقرانه البشر الطامعين والمنتفعين من غباء القوم أو سذاجتهم، أو لعله متصل بالجان فيفقهه بعلمه الغريب ،ثم ينسب كل ذاك إلى وحي السماء !كما لا يستبعد أنها تخاريف وترهات أو إرهاصات وتصورات مجنونة ، فالرجل -كما يصورن – مشكوك في قواه العقلية لا بل على القطع مجنون( حاشاك يا رسول الله ( ص ) )، يقول علام الغيوب :” وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ “.( الصافات -٣٦)، وتكذيبه يتم بشتى الأساليب والأدوات المتاحة السقيمة العقيمة !

ودأبت اليهود تحريض قريش على قتله ( ص ) ،وعروضهم مغرية مشجعة ،ومساعداتهم مستميتة وعن سابق إصرار وتعمد، حَبْكُ جرائمهم وتَذليلُ الصعاب أمام مخططاتهم الهجينة ! يقول الله تعالى :” قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ”.( المائدة -٥٩).

غير أن النبي طه ( ص ) ربيب ربه، هو الأخلاق والأخلاق هو، يقول تعالى :” وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ”.( القلم -٤)، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: “أدّبني ربّي فأحسن تأديبي”، كما قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: “إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أدّبه الله عزّوجلّ، وهو أدّبني، وأنا أؤدِّب المؤمنين وأورِّث الأدبَ المكرَّمين”، إنه النبي الخلوق المتسامي على جراحات قلبه ،والحابس عبراته، والمتجرع غصصه، ألم يقل الله تعالى :” طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ “.( طه-١-٢)،غير أن الرسول الأكرم بذل قصارى جهده لعقد المواثيق والمعاهدات ذات صبغة سلمية تضامنية متبادلة المنفعة، مع قبائل اليهود من بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير، للخروج بنتاج مجتمع قابل للحياة، يتسم بتعاون أفراده ويغلب عليه صبغة التآخي والتعاضد والعيش المشترك ،والإتحاد لمواجهة منغصات العيش من ظروف قاهرة طبيعية أو ظروف خارجية قهرية عدوانية ،وليتكاتف الجميع ضد متلبسات الفتن ! فما راع اليهود لمواثيقهم حرمة ولا كانت لكلماتهم الجوفاء صدى على تصرفاتهم! وما التزموا بوعد ولا عهد! بل النقض مسارهم والخيانة مسلكهم والطعن في الظهر من صميم مبادئهم ، فتحالفوا مع قريش وقبائلها على محاربة الرسول ( ص ) رغم مواثيقهم معه ! وتحالفوا مع المنافقين أمثال عبد الله بن سلول الذي يدعي الإسلام بلسانه وما احتوت ثنايا صدورهم وخفي من الحقد والكفر والإلحاد لا يعلم مداه إلا الله سبحانه !وما خبثت سرائرهم أعظم !وما كانت مجاميع كل ذاك إلا بوتقة شيطانية مسعورة موجهة إلى صدر المصطفى ( ص) تنوء بحملها الأمم وحملتها قبائل اليهود وأزلامهم من القبائل القريشية والعربية ! يقول الحكم الفصل :”قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ”.( المائدة- ٥٩).

فبنو قينقاع الصاغة والذين ارتبطوا مع النبي بصلح ما حفظوه ولكن أنفسهم المتمردة على الحق جرفتهم إلى نقضه! فما كان من النبي محمد (ص) بعد حصارهم أن أمرهم بالخروج من المدينة إلى أذرع الشام دون المساس بأموالهم أو تعريض حياتهم للخطر أو الإستعباد ! هذه أخلاق من أدبه ربه فأحسن تأديبه، هذه أخلاقيات رجال الحق ومسلكياتهم .

وأما وقد فَضحَ الله تعالى تآمر بني النضير على قتل النبي محمد (ص)،-ولقد كان من شيم النبي ( ص ) بذل المعاملة الحسنة حتى لمن لا يستحقها-، فقد أرسل إليهم الأمر بالخروج من المدينة من دون أن يتعرض لهم أحد، غير أن أبي سلول كبير منافقي المدينة خدعهم وشمر عن ساعديه زيفاً، وادعى وصلاً بليلى !إذ دعاهم لرفض الإمتثال للأمر فإنه وغطفان وبني قريظة ناصريهم ! فرفضوا بعد هذا الوعد الزائف الإنصياع لأمر رسول الله (ص) ، مما اضطر النبي(ص) إلى إرسال علي(ع ) على رأس مجموعة من المسلمين ،وحاصروهم فلما استيأسوا من وصول المعونة والمدد والنصرة ، بعثوا للنبي أن نخرج بأموالنا، ولكن النبي( ص ) رفض مطلبهم إلا ما حملت الإبل،يقول الحق :”أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ “.( الحشر-١١-١٢).

وهنا معادن الرجال الله تتحدث أخلاقياتهم وقيمهم عنهم ،فلا الإنتقام دافعهم، ولا الأحقاد تسيرهم ،وإنما تأسيس المجتمع الفاضل مرامهم ومبتغاهم على نحو ضامن للفرد حقوقه وللمجتمع ترابطه وللقيم قيمومتها، وللرحمة الحصة الكبرى في مداركهم ومناقبهم مبذولة للقريب والبعيد، وللحبيب والصديق ،ولا يستثنى منها العدو غير المحارب، بل أن الرحمة والعفو تشملانه طالما للقدرة والعفو موضع ،فما لا تقدر عليه الحِسام، تقدر عليه وتحتويه الرحمات، فالعفو عند المقدرة من شيم الرجال ،فإن كانوا رجال الله فهم الأولى والأجدر بها :” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ “.( فصلت -٣٤).

وما بني قريظة إلا حديث الخيانة والتآمر على طه ( ص ) وعلى الدين القويم ! إذ جالت وفود بني قريظة- متحالفة مع أبي سفيان -بين قبائل العرب محرضة قريش وقبائل العرب ومشجعتهم على الزحف إلى المدينة المنورة، وسحق المسلمين في عقر ديارهم، وقتل النبي محمد( ص )، وهدم الدين والقضاء على الإسلام ودولتهم، بتظافر سواعد القبائل مجتمعة نصرة وإعزازاً للآت والعزى و”مناة الثالثة الأخرى” ، وحتى لا ينتهي سلطان ومكانة قبائل قريش بين العرب ، ألم يقل الله تعالى فيهم :”أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى”.( النجم -١٩-٢٠)، وهزم الأحزاب بقدرة إلهية ومعجزة ربانية من رياح عاتية قذفت في قلوبهم الرعب، واقتلعت مضاربهم التي حاصروا بها الخندق الذي احتفرته سواعد المسلمين ومعهم رسول الله(ص) وعلي ( ع)، يقول القادر المقتدر :” وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ”.( الأحزاب:٢٥ ) ،وبعد أن قصم الله ظهورهم بقتل علي ( ع ) للشرك الأكبر عمرو بن ود العامري الذي عد في زمانه فارس بألف، والذي أحدث بلبلة بين المسلمين بدعوته لمن يؤمن بالآخرة والجنة المزعومة بمبارزته ،وحقيق عليه تحقيق منى كل مؤمن بإرساله إياه شهيداً إلى الجنة ! فارتعدت فرائص المسلمين وجبنوا وتخاذلوا عن نصرة دينهم وطاعة النبي محمد(ص)! يقول تعالى :” قال تعالى: “إِذْ جَآءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا”.(الأحزاب-١٠ )!

ولولا الإيمان كله علي ( ع ) كما وصفه الرسول ( ص ) وشجاعته التي أنقذت الإسلام وحفظت بيضة الدين ،وأعز الله محمداً ( ص )بوصيه ووزيره ( ع) كما أعز الله طالوت بجالوت :”فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ”. البقرة-٢٥١،) فلولا ضربة علي لكان للأحداث مسلكاً آخر ولكن تمت مشئية الله صدقاً وعدلاً بنصرة الإسلام ونبيه على يد آل النبي وحدهم ( ص )، وصدق الرسول الكريم ( ص ) إذ قال : “برز الإيمان كله للشرك كله”. وقال ( ص ):” ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين “.

{ من صفحة الشيرازي- نت :

قال حذيفة: إنّ أبا سفيان قال: «يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفّ، واختلفتنا بنو قريضة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا النار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عقاله الا وهو قائم..».

ثم نهضت قريش وحملت أثقالها ولحقت بأبي سفيان.}

وأما بني قريظة فبعد أن أعز الله نبيه بالنصر المبين على الأحزاب زحف إليهم وحاصرهم ثم نزل على تحكيم سعد بن معاذ حليفهم الذي قضى بقتل مقاتليهم الثلاثمائة لنقضهم معاهدتهم مع الرسول ( ص ) الذي لم يروا منه ما يسيئهم بل كان محسناً إليهم وحافظاً لكراماتهم وأموالهم وملتزماً لمعاهدته معهم ولكن ![ إن أنت أكرمت الكريم ملكته     وإن أنت أكرمت اللئيم تمرداً ]

وعلى اثر هزيمة الأحزاب أمر الرسول بحصار خيبر وفتح الله قلاعهم على يد كرار غير فرار يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، إنه سيد الأوصياء أبا الحسنين ،

{ مسند أحمد -الجزء الأول – ص -٣٨٤- وفضائل الصحابة -ج ٢-ص -٦٠٢-ح-١٠٣٠):

حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل، عن أبيه، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا عفان، قال حدثنا وهيب، قال: حدثنا سهيل، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويفتح الله عليه.

قال: فقال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ، فتطاولت لها: واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي، فلما كان الغد، دعا علياً، فدفعها إليه، فقال: قاتل ولا تلفت، حتى يفتح عليك فسار قريباً، ثم نادى: يا رسول الله على ما أقاتل ؟ قال: حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك، فقد منعوا منى دمائهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله “. }

قال تعالى :”لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ “.( الحشر-١٤)،.

يقول تعالى :”يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “.( المائدة -٤١).

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة