يعرف الرجال بالحق – الجزء العاشر

img

ساح النبي عيسى ( ع ) في الأرض المقدسة ناشراً الحب والسلام والإخاء رسالة، ومعلماً الناس حقائق المنطق وهادياً إياهم إلى ينابع الحكمة ومصاب الأخلاق ومصانع الرجال ، يقول روح الله عيسى ابن مريم ( ع ) :” طوبى للمصلحين بين الناس أؤلئك هم المقربون يوم القيامة “. كما يقول :”طوبى للمتواضعين في الدنياأولئك يرثون منابر الملك يوم القيامة “. ويقول أيضاً :” طوبى للمتراحمين ، أولئك هم المرحومون يوم القيامة “. ومن مواعظه ( ع )أيضاً :” يا بني ادم اهربوا من الدنيا إلى الله ، وأخرجوا قلوبكم عنها ، فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم ، ولا تبقون فيها ولا تبقى لكم ،هي الخداعة الفجاعة، المغرور من اغتر بها، المغبون من اطمأن إليها، الهالك من أحبها وأرادها، فتوبوا إلى بارئكم ، واتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا، أين أباؤكم ؟ أين أمهاتكم ؟ أين أخوتكم ؟ أين أخواتكم ؟ أين أولادكم ؟ دُعوا فأجابوا، واستودعوا الثرى، وجاوروا الموتى، وصاروا في الهلكى، خرجوا عن الدنيا، وفارقوا الأحبة، واحتاجوا إلى ما قدموا واستغنوا عما خلفوا، فكم توعظون وكم تزجرون؟! وأنتم لاهون ساهون، مثلكم في الدنيا مثل البهائم، همتكم بطونكم وفروجكم،أما تستحيون ممن خلقكم وقد أوعد من عصاه النار، ولستم ممن يقوي على النار، ووعد من أطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الأعلى ، فتنافسوا فيه ، وكونوا من أهله،وأنصفوا من أنفسكم ، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم،توبوا إلى الله توبة نصوحاً، وكونوا عبيداً أبراراً، ولا تكونوا ملوكاً جبابرة ، ولا من العتاة الفراعنة المتمردين على من قهرهم بالموت ، جبار الجبابرة رب السماوات ورب الأرضين ، وإله الأولين والآخرين مالك يوم الدين ، شديد العقاب ، أليم العذاب ، لا ينجو منه ظالم ولا يفوته شيء ، ولا يعزب عنه شيء ، ولا يتوارى منه شيء،احصى كل شيء علمه وأنزله منزلته في جنة أو نار،يا ابن ادم الضعيف! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كل حال من حالاتك ؟ قد أبلغ من وعظ، وأفلح من اتعظ “.(حكم ومواعظ من حياة الانبياء ( ع ) الجزءالأول).

صدح النبي عيسى ( ع ) مخيراً بني إسرائيل بين حياة دنيوية متكافئة الحقوق والواجبات وسرمدية راضية مرضية،وبين حياة خواء لا طعم ولا لون

ولا رائحة فيها، غير الخراب والدمار في أرجائها،ورائحة الموت الأسود تنبعث من أقبيتها! وذئاب وضباع تسود ساحاتها ممزقة أجساد ضحاياها أشلاء فتذروها ذَرْوَ الرياح فلا تبقي ولا تذر، وصقور تعلو فوق هامات فرائسها بغير مسوغ عقلاني ولا مستند شرعي سوى سطوات وصليات من قوى شريرة أثمة، وعتاد وأسياف مسمومة سماً زعافاً، وضغائن وأحقاد مبثوثة ذات اليمين وذات الشمال ،ودسائس ومؤامرات تحاك في جنح الظلام للسطو والقهر،ممهدة المجال لحمم الشيطان تتقاذف على الإنسانية فتحيلها عين بعد أثر !!وما يتبقى منها إلا حمائم مستضعفة مسحوقة القوى،مغصوبة الحقوق، ممصوصة الدماء، مهتوكة الأعراض، وبعض من الغربان تنعق صباحاً ومساء لأرباب مختلفة من الأحبار والرهبان رفعت فوق أكتف البشرية في لحظات استسلام وذل وعار رضيت فيها النفوس أن يفغر فيها كراماتها وتمتهن فيها إنسانيتها ! ألم يقل الله الواحد الأحد :” اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ “.( التوبة -٣١)، طغمة من الأحبار هم ممن أصبحوا ثم أمسوا ولا هم لهم إلا الدرهم الرنان ومتعة مغصوبة يستوي فيها الحلال والحرام وسطوة ومركز عند ذي العرش الخشبي مطاع غير أمين ،ولا يرتجف لطلابها جفن وإن كانت الغاية التي من أجلها سعوا مغمسة بدماء وأعراض وآهات المظلومين ونياح ذوي أرحامهم المغلولة قواهم، وصرخات رضع ويتامى وثكالى وصلت إلى عنان السموات والأرض وما وصلت إلى قلوب أولئك المدعين زيفاً سدنة الدين وحماته من الأحبار !! ومن مواعظ النبي عيسى ( ع ):” ” يا عبيد السوء تلومون الناس على الظن، ولا تلومون أنفسكم على اليقين ؟! “. وقال ( ع ) أيضاً:” يا عبيد الدنيا تحلقون رؤوسكم ، تقصرون قمصكم ، تنكسون رؤوسكم ، ولا تنزعون الغل من قلوبكم “؟!كما يخاطب بني إسرائيل في خطاب عابر للأزمان – المغزى في قلب الشاعر -فيقول :” يا بني إسرائيل ، قلة المنطق حكم عظيم ، فعليكم الصمت فإنه دَعَّه حسنة وقلة وزر ، وخفة من الذنوب ، فحصنوا باب العلم فإن بابه الصبر، وإن الله يبغض الضحاك من غير عجب والمشاء إلى غير أرب ، ويحب الوالي الذي يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ، فاستحيوا الله في سرائركم كما تستحيون الناس في علانيتكم ، واعلموا أن كلمة ضالة المؤمن ، فعليكم قبل أن يرفع ، ورفعه أن يذهب رواته ، يا صاحب العلم عظم العلماء لعلمهم، ودع منازعتهم ،وصغر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ولكن قربهم وعلمهم “، ويقول رب السموات والأرض :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ “.( التوبة -٣٣)، ومن مواعظ نبي الله عيسى ( ع ):” بحق اقول لكم : “إن شر الناس لرجل عالم آثر دنياه على علمه، فأحبها وطلبها وجهد عليها حتى لو استطاع أن يجعل الناس في حيرة لفعل ، وماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها؟! كذلك لا يغني عن العالم علمه إذا هو لم يعمل به ، ما أكثر ثمار الشجر وليس كلها ينفع ولا يؤكل ، وما أكثر العلماء وليس كلهم ينتفع بما علم ، وما أوسع الأرض وليس كلها تسكن ، وما أكثر المتكلمين وليس كل كلامهم يصدق ! فاحتفظوا من العلماء الكذبة الذين عليهم ثياب الصوف ، منكسو رؤوسهم إلى الأرض، يزورون به الخطايا، يطرفون من تحت حواجبهم كما ترمق الذئاب، وقولهم يخالف فعلهم، وهل يجتنى من العوسج العنب ؟ ومن الحنظل التين؟ وكذلك لا يؤثر قول العالم الكاذب إلا زوراً ، وليس كل مَنْ يقول يصدق”.

تلك اللوحة السوداوية للحياة في كنف تعاليم الطواغيت وأتباع كل مارق وخارج عن نواميس وأحكام العدالة الإلهية والتي صورها لهم النبي عيسى ( ع ) معتمداً الفرقان الإلهي والعقل والحكمة منهجاً وأسلوباً !! فهل يطاق العيش في ظلالها وهل يطيب السمر في أكناف ليل مظلم طويل ؟! وهل المسير في يوم ضبابي لا يرى منه بصيص نور ضامن لغايات حميدة العواقب ؟!أم أن القافلة مؤملة الولوج إلى جنان الرحمن وقوادها أرباب شيطانية لا يملكون ضراً ولا نفعاً حتى ولا لأنفسهم !!! وهنا يقول روح الله عيسى ابن مريم ( ع ):” بحق أقول لكم : من نظر إلى الحية تؤم أخاه لتلدغه ولم يحذره حتى قتلته فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه ، وكذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة ولم يحذره عاقبتها حتى أحاطت به فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه ، ومن قدر على أن يغير الظالم ثم لم يغيره فهو كفاعله، وكيف يهاب الظالم وقد أمن بين أظهركم لا ينهى ولا يغير عليه ولا يؤخذ على يديه ؟! فمن أين يقصر الظالمون ؟!أم كيف لا يغترون؟! فحسب أحدكم أن يقول لا أظلم ومن شاء فليظلم ! ويرى الظلم فلا يغيره ، فلو كان الأمر على ما تقولون!!! لم تُعَاقَبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم حين تنزل بهم العثرة في الدنيا “. ،ويقول الحق :”يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ”.( التوبة -٣٩-٤٠)، وكما يقول نبي الله عيسى ( ع ) :” ويلكم يا عبيد السوء ، كيف ترجون أن يؤمنكم الله من فزع يوم القيامة وأنتم تخافون الناس في طاعة الله ، وتطيعونهم في معصيته، وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده؟! بحق أقول لكم : لا يؤمن الله من فزع ذلك اليوم من اتخذ العباد أرباباً من دونه”.

ساح المسيح النبي هادياً مهدياً منذ لحظاته الاولى متلبساً لباس الزهد والتقوى وشارحاً للناس كينونة شخصيته النبوية الدعوية وكونه المعلم الإنسان والقائد القدوة لبني إسرائيل وهو خادم القوم ليلاً ونهاراً،وهو الأب للجميع ،وهو حارس الأمة وكافلها وحاميها بتعاليمه من شرور الشياطين بعد الله تعالى، فقد روي أن عيسى بن مريم عليه السلام قال : ” يا معشر الحواريين لي إليكم حاجة اقضوها لي ، قالوا : قضيت حاجتك يا روح الله ، فقام فغسل أقدامهم ، فقالوا : كنا نحن أحق بهذا يا روح الله ، فقال : إن أحق الناس بالخدمة العالم ، إنما تواضعت هكذا حتى تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ، ثم قال عيسى عليه السلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل “.(بحار الانوار -ج١٤،ص ٢٧٨)، كما يقول ( ع ):” إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها، وكذلك تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي لها منكم إلا من عمل بها “. ( من مواعظ الأنبياء – الجزء الأول) ، يقول كذلك :” بحق أقول لكم : إن العبد لا يقدر على أن يخدم ربين ، ولا محالة أن يؤثر أحدهما على الآخر وإن جهد، كذلك لا يجتمع لكم حب الله وحب الدنيا”. يقول الخالق العليم :”مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ “.( الأحزاب -٤).

ومرآة شخصيته الرصينة الرخيمة الرحيمة الحانية البارة برحمه تنعكس بعين الرحمة والشفقة ناظرة أقرب الناس رحماً له والدته الطاهرة مريم العذراء ( ع )، يقول الله تعالى :” قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا “.(مريم- ٣٠-٣١-٣٢)، ثم تتجلى شخصيته الرءوم حاوية خلق الله المبعوث إليهم في رؤى متجانسة مع مكارم الإخلاق ومتسقة مع العدالة والنزاهة والحرية والمساواة بين الناس ، غير ناظرة لفوارق الأنساب والأحساب والمراكز أو المناصب الإجتماعية ،فالكل سواء في عين الله وعين مبعوثه ،يقول الحكيم الخبير :”يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “.( الحجرات -١٣)، وقال العلي الأعلى :”يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “.( الحجرات -١١).

ويشتد عود النبي الكريم بمجافاة الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، يقول روح الله عيسى ابن مريم ( ع ):” بحق أقول لكم :” ماذا يغني الجسد إذا كان ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً؟وما يغني عنكم أجسادكم إذا أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ؟ وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة “. وقال ( ع ):” إنه لا يجتمع الماء والنار في إناء واحد كذا لا يجتمع الفقه والغي في قلب واحد “، “بحق أقول لكم أنه لا يكون مطر بغير سحاب كذلك لا يكون عمل في مرضاة الرب إلا بقلب تقي “.( من مواعظ الأنبياء – الجزء الأول )،وقال عيسى عليه السلام لاصحابه : “أرأيتم لو أن أحداً مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن عورته أكان كاشفاً عنها أم يرد على ما انكشف منها ، قالوا : بل يرد على ما انكشف منها ، قال : كلا بل تكشفون عنها ، فعرفوا أنه مثل ضربه لهم ، فقالوا : يا روح الله وكيف ذاك ؟ قال : ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها”، وورد في الذكر الحكيم :” وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ “.( الأنعام-١٥١)، قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ “.( الأعراف- ٣٣).

فكما أن ركائز بعثته الدعوية قائمة على السلام والمحبة والمعاملة الحسنة والألفة بين الناس قربة لله تعالى وتوثيقاً لعلائق الطاعة والخنوع لرب الخلائق أجمعين، ونزولاً على إرادة الرحمن ونواميسه ،وتحقيقاً للإلتزامات والعهود المبرمة بين الرب ومخلوقاته، والتي بموجبها يلتزم العبد بتنفيذ بنود “الميثاق المغلظ” بالتمثل كعبد مملوك لربه يفعل ما يشاء الرب وينتهي عما يشاء خالقه، ومقابل إلتزامه الحسن له من الله الجنة ،وإلا فله حاضنة لا تخفى على كل العباد إنها الهاوية ! فقد قال تعالى :”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿”.( الأنفال-٢)، وقال سبحانه:” أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ “.( الأنفال -٤)، وقال اللطيف الخبير :”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ “.( الحجرات -١٠) .

والوجه الآخر لركائز دعوته الربانية هو الحرب على المفاسد والأطماع والتباغض والتحاسد والخيلاء ، وعلى سفاسف الأمور ومذلات البشر وموجبات الفتن ، ومضلات العقول ،وسفسطات الخبثاء من الأحبار وأنصاف علماء الدنيا ،الذين اتخذوا دينهم تجارة ومنصباً، وسلطة جائرة ،ومخدع محظية لطلاب الهوى من الفراعنة والسلطويين وأتباعهم المفسدين الذين من كل جحر للشياطين وحدب ينسلون ! عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام :” إن عيسى ابن مريم عليه السلام توجه في بعض حوائجه، ومعه ثلاثة نفر من أصحابه ،فمر بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطريق ،فقال عيسى عليه السلام لأصحابه : إن هذا يقتل الناس ثم مضى ، فقال أحدهم : إن لي حاجة ، قال : فانصرف ، ثم قال الآخر إن لي حاجة فانصرف ، ثم قال الآخر : لي حاجة فانصرف ، فوافوا عند الذهب ثلاثتهم ، فقال إثنان لواحد : اشتر لنا طعاماً ، فذهب يشتري لهما طعاما فجعل فيه سماً ليقتلهما كيلا يشاركاه في الذهب ، وقال الإثنان : إذا جاء قتلناه كي لا يشاركنا، فلما جاء قاما اليه فقتلاه ثم تغذيا فماتا ، فرجع إليهم عيسى عليه السلام وهم موتى حوله ، فأحياهم بإذن الله تعالى ذكره ثم قال : ألم أقل لكم إن هذا يقتل الناس ؟ (بحار الأنوار -ج١٤-ص ٢٨٤). يقول النور :”إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ”.( المائدة -٩١)، كما قال سبحانه :” قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ “.( الممتحنة-٤).

             – للحديث بقية –

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة