يُعرف الرجال بالحق ! – الجزء السادس

img

٣- داعية الله معلم القوم ، مربيهم ، مزكيهم، سيدهم وخادمهم

لا ضير من التعريف بمنقذ البشرية أو بضع منها من الضلالة ، فالمخلص العَالِم الرباني ذاك الآتي بوحي السماء وعلم لا يُضاهى ، إنما همه أن يحتضن قومه ومجتمعه بجوارحه كلها، وبما أنعم الله عليه من مثاقيل الحكمة ومعادن المنطق ، فيسخرها كلها لهداية المبعوث إليهم وليستنقذ عباد الله الذين صغت قلوبهم أخيراً لنداء السماء ، وليضم الناجين والمستبصرين بنور الله الأعظم إلى القوائم التي يَصْدُق عليهم عباد الله المخلصين ، هذا مصداق قوله تعالى :”قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ،إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ،إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ”.( الحجر -من ٣٩ إلى ٤٢).

ذاك العبد الصالح الذي حباه الله بنور من عنده ، وفضله على كثير من عباده الصالحين،إنه المعجونة طينته بقدرات يقينية وطاقات إيمانية، وحباه القادر المقتدر بأخلاق ربانية ممهورة بمشاعر مرهفة وحب جارف لأخيه الإنسان وأخته الإنسانة المهضومة حقوقها المهدورة كرامتها الموؤدة إنسانيتها !!، حب طاهر سامي في غاياته ، صادق في نواياه ، ذا خصائص إيثارية للغير ولو به خصاصة ،يقول المولى عز وجل :” وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ “.( الحشر -٩).

حب معقود عليه بناء المجتمع الرباني الفاضل فوق أنقاض مجتمع صنمي غوغائ الآلهة، متهالك القيم ، ساقطة دعائم أخلاقياته المرتبكة الهزيلة المتهلهلة من جذورها، أخلاقياته المزدوجة معاييرها !! مجتمع المنفعية علاقاته ، السلطوية منافذه ، العمياء أحكامه ،والمشبوهة عدالته المشكوك في نزاهة ساداته ، المدلسة موازينه قال تعالى :” وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ “.( المطففين -١-٢-٣-) ، المريبة دوافعه ، مفاسد الأخلاق منهاجه ، ألم يقل الله تعالى في قوم لوط :” وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ “.( الأعراف -٨٠)، والمسكر نديمه ،والزندقة مرامه ، وأوكار الشيطان حضائنه !! ويحذر الله تعالى بني آدم من عدو الله وعدوهم :” إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ”.( المائدة-٩١).

ومثالب طوايا المجتمع الصنمي الغالبة عليه لا تنتهي ، فإستغلال الضعيف والمستضعف منهاجه ، والإقصاء ملعبه والمزايدة على الألقاب والأنساب ساحة حربه والعصبية سيفه !! والمترحم على عدالة موازينه وضمائره المبعثرة أنفة وكرامة جُلّٓ أجياله، الموءدة حرائره ،المهضومة آخرته !!!!

وعوداً على بدء ، فنبع الحب لداعية الله صَاحبَ العقل فوافقه ، وتعهد الحكمة فخالطها ضياء ونوراً، وسُخرت مصاديق تلك الخلطة المعجزة بطاقاتها وقدراتها ليلاً ونهاراً، غير لاغية من قاموس صاحبها المعطاء راحته ومسكنه وحاجاته الإنسانية الملحة ،لكن تحجيمها إلى أقصى الحدود الممكنة، تحجيماً عُدَّ أضحية في سبيل نجاح مهمته، وصيرورتها في نهاية المطاف كينونات بين مؤمنين ومؤمنات تراهم ركع سجد في تقلبهم ، يقول الحق فيهم :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “.(الحج -٧٧) ، يدبون دبيب النمل خاشعة كراماتهم وجباههم للواحد الأحد، تتماهى سكناتهم وعباداتهم وذاك العالم الرباني القادم بشريعة السماء المخلص في عباداته ، السوي في فطرته المستقيم في سلوكياته، المتصدر والسابق المسارع إلى التموضع في مواقع يرضاها الجليل لصفوته من عباده ، يقول مزكي الأنفس :” وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى “. (طه-٨٤) ، ويقول الحق :إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”. ( الأنبياء -٩٠)، كما إنه المثل الأعلى في تطبيق أوامر الله ونواهيه تطبيقاً حرفياً على نفسه وأهله وما ملكت يمينه قبل الآخرين ،ويقول الحق :”وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ( طه -١٤-٤٢)، وتظهر مصاديق دعوته على محياه وتراسيم حياته ، قبل أن يرفع بنانه ليشجع ويحرض الآخرين على سباق الخيرات والمحاسن ، واجتناب الفحشاء ما ظهر منها وما بطن ، يقول رسول الله ( ص ):” ما من عبد استرعاه الله رعية ، فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة “.( رسالة الحقوق – الجزء الأول -ص -٤٦٧).

فالبشر ليسوا على توافق ولا تباين في وجهات النظر، ولا في تبني ذات المعتقدات ولا القيم ، ولا يزالون مختلفين في قابليات التغيير وقبول المُغاير لهم فكراً وموضوعاً، والهوة ساحقة عميقة بين منكري الحق والمقرين بضرورة إعادة النظر في المعتقد أو في صوابيته ، ومن مستلزمات الدعوة كون الداعي إلى الحق ممثلاً لشريعة السماء ،محنكاً مستوعباً لألف باء الدعوة ، وعلى دراية تامة بالأساليب الجاذبة لعقول الناس وأفئدتهم،والتي تخاطبهم كل حسب موقعه وعقله ونفسيته وسويته ، ورسول الله صلى الله عليه و آله يقرر فيقول : “إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم”، تلك حقيقة لا محيص عنها لمن أراد الدعوة إلى الله تعالى ، فمنابع الحكمة تتجلى في محاكاة عقول مختلف مناسيبها ومتفاوت تفاعلاتها ومحذور ردات أفعالها ، فمن السهل مخاطبة شخصية منفردة أو فئة ما معروفة مواصفاتها العقلية والجسمية ومتوقعة تفاعلاتها المجتمعية والعقائدية والمسلكية والأخلاقية، غير أنه من الصعب بمكان إيجاد قدرة عقلانية قادرة على إختراق طوائف ومكونات مجتمع ما ووشائجها، واختراق نسائجها كلها بعلائقها قاطبة دينية وعقائدية واجتماعية ونفسية واقتصادية،ليس من باب نسف قواعدها الآيلة للسقوط لعدم صلاحيتها حصرياً ! أو لفحشها أو بعدها عن منظور العدالة ومنطوق الحكمة ومعايير المنطق أو لكونها منافية لغايات وعلل خلق الإنسان ووجوده فقط !! ولكن لإعادة بناء الطوائف المتشرذمة- التي يجمعها مرابط القوم ويبعثر سائرها تدليس وخبائث نواميسها – ماهيةً وكينونةً وتكويناً ومصلحةً ومفاهيماً،وصيرورتها أمة متجانسة نسائجها، مترابطة وشائجها، متآلفة قلوبها معزوزة بقواعدها وأناسيها وشرائحها، ومتساوية في حقوقها وواجباتها، والأهم من هذا وذاك ضرورة كونها خاضعة في موازين قواها لله الواحد الأحد ونواميسه وأحكامه ، قائمة بإلتزاماتها وتكاليفها التشريعية طواعية لا تخشى في الله لومة لائم ، يقول الخالق جلت قدرته :” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “.( الحجرات -١٣)، كما قال تعالى :”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.( الحجرات -١٠).

وما العمل الرسالي ، ومن بعده العمل الدعوي إلا هدم وبناء متعامدين ومتعاقبين تعاقب الليل والنهار، هدم معاقل الكفر والإلحاد وبناء صروح الإيمان ثم اليقين ، وما ضحكت سنون الدعاة إلا وبكت قبلها عيونهم وأرتوت من مُقَلِهم أراض جدباء إيماناً فأينعت ببركات رب الوجود وجداناً ويقيناً يفوعاً وخضراً، وما بزغ فجر شمس الشموس وسنا إلا من بعد أن سهدت نفوس وتقلبت على نيران كظم الغيظ قلوب وأفئدة محسنة يقينية صادقة الإيمان ، ويثبت الفرقان المبين هذه الحقيقة فيقول :” الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “.( آل عمران -١٣٤)،.

ومرارة الصبر تتلاعب بأرواح طاهرة مؤمنة ،من بعد ما اكتوت بسياط ونبال استهزاءات وسخريات نفوس جاحدة مريضة ، كافرة ومشركة حاقدة ومؤذية دأبت على توطين أدواتها الوهمية لسحق هامات فجر الفرقان البازغ رغم أنوفها فما استطاعت له منعاً !!قال الحق :” إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ”. (هود -٨١)

ويصل الأمر لصعوبته حد الحلم المتعسر مخاضه ! لولا تدخل العناية الإلهية المسددة خطى سفراء الله إلى الناس بالحجج الساطعات والآيات البينات، ألم يقل الحق :” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ”.( فصلت -٥٣).

والنكتة تتموضع زاهية في معاجز إلهية خافية على حزب الشيطان رغم تألق سناهاالسرمدي وآثار بصماتهاالدامغة على محيا الوجود بدقائقه كلها دون استثناء ، فالمعجزة تكمن في نصر الله الأبلج المتلألئ من ثنايا السلم والسلام ودعوة لا تعرف للعنف سبيلاً !! فلقد شاءت إرادة المولى أن تتجلى معاجز السماء في مؤازرة الدعاة بالحكمة والكلمة الطيبة وبمقارعة الباطل المناهض للحق -الدموي المرتكز على سفح دماء دعاة الحق وأتباعهم وتكميم أفواهم بحد السيف وقوة السلاح وبغدر في الليل ومكر في الخفاء ونفاق في ضحضحة النهار ،قال تعالى :” وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً”.(سبأ-٣٣)، وقال تعالى أيضاً:” وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا”.( نوح -٢٢)، وقال علام الغيوب :” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ “.( الأنعام -١٢٣). – مقرعتهم بمعادن الحكمة وجواهر المنطق وسيف الله البتار “الأخلاق والمعاملة الحسنة ” ، يقول العلي الأعلى :” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ “.( فصلت- ٣٣-٣٤)، وبتمكين رجال الله العظام من أساليب سلمية رادعة تضحض ترهات القوم، وتسد منافذ وذرائع الجهل المستحكمة فيهم، إنما هي قمة الإعجاز ،فهي ضربة حريرية اجهاضية قاضية على القوى المتجبرة المتلسطة والمتناحرة ومصالحها الفئوية المتضاربة، باترة رعونة وسفه القبائل الغازية مضارب الضعفاء والمستعبدة حرائر المهزومين ورجالهم – دون حاجة رسل السماء إلى اللجوء للعنف والفتك والقتل والتدمير والسحل أو التهجير أو نبش القبور وهتك الستور أو التمثيل بالموتى أو التشفي بقضيمات من قلوبهم أو أكبادهم، ولا حاجة على القطع لجاهلية جهلاء تحرق الأخضر واليابس !!فقد قال تعالى :” ثُمَّ أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ “.( البقرة -٨٥).

وعلى القطع لا ضرورة للإكراه والإجبار ،فالحق نور، والنور لا يحتاج أن يرتوى بدماء نجسة كدماء الكفرة المردة ، ولا بإزهاق أرواحهم ،ولا بدخولهم في دين الله صاغرين مكرهين مجبرين، والراغب بالبقاء أعمى البصر والبصيرة فما لأحد عليه من سلطان هو وشأنه ، وألسنة جنهم في انتظاره !! ألم يقل الله تعالى :”. مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ “.( هود -٢٤)، يقول تعالى :” لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۗ”.( البقرة -٢٧)، وقال أيضاً:” وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً”.( الإسراء -٧٢) .

ورغم اعتماد الطرف الآخر -القاسي القلب المعاند والعاصي الرافض لأمر الله- تلك الأساليب المستهجنة والمرفوضة من قبل العقلاء والحكماء ، قانوناً وسلاحاً ماضياً فعالاً في إخضاع الرقاب لهيمنته وسلطانه ونفوذه ،ولقد نوه المولى إلى ذاك بقوله “: قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ “.( الأعراف -١٢٣-١٢٤).

وكان لتبني دعوة الرحمن النورانية “منهاج الخيار” للقبول بشريعة الله أو رفضها باعثاً قوياً للدخول في دين الله أفواجاً من منطلق القناعة بسداد الموقف الرسالي وصوابيته وانعقاد الحجة على الجميع بوضوح الرؤيا لفداحة وخطورة غشاوة أعمت أبصارهم فمسختهم سخرة وسدنة ورعاة مربوطين في رحى كهوف ظلامية يقال لها معابد الجبت والطاغوت !! إذ يقول الرحمن في ذاك الموقف البناء :”   لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ “،( البقرة -٢٥٦)، حيث قال الحق ناصحاً :” وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.( البقرة -١٦٨-١٦٩)

ألا وخلاصة الأمر أن قرائن وبينات الرسل مثاقيل إشراق تنير حياة أتباعهم وتصيرهم حجاجاً في دروب الرحمن ، وتجنبهم السقوط في هاوية الجبت والطاغوت ، وتنجيهم وأهليهم من ظلمات الكفر والإلحاد متى ما صغت قلوبهم وتفتحت مداركهم ، وتلاشت الغشاوة عن بصائرهم وخشعت جباههم لإرادة ومشيئة الواحد الأحد،وما برحت رحمات الله تستنقذهم من نيران متقدة حارقة في ظلمات سقر، يقول ديان يوم الدين :” فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ، لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (الليل -١٤-١٥)، هذا ويحدثنا النور المنزل على محمد المصطفى ( ص )بالقول :” وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ “،( الأنبياء -٤٨)، كما قال تعالى :” وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ، وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ”،( الأنبياء -٧٣-٧٤)، وقال كذلك :” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ “،( البقرة -٢٥٨)، يقول أبو عبدالله (ع ):” عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه “. ( الكافي -ص-٥٦٧)، كما يقول ( ع ) أيضاً :” صدقة يحبها الله ،إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا”. ( الكافي -ص -٥٦٧) ،وقال الإمام الصادق عليه السلام : “من كان له عقلاً كان له دين ومن كان له دين دخل الجنه”.

والطامة الكبرى -في مؤثرات قرائن الله وبيناته – على من لا دين له أنها قاصمة ظهور شياطين الأنس والجان كاشفة عوراتهم معرية فضائحهم ! ثم هشاشة أساساتهم وهزيل بنيانهم !! على كثرة عددهم وعظيم عدتهم -التي مكنهم الله تعالى منها -، وخطير مخططاتهم وخسيس مؤامراتهم التي دأبوا على تلفيقها وتفخيخها بمصائد ومكائد الجبت والطاغوت ! هذا ولقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:” إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع وترتهنها المنى وتستعلقها الخدائع ” ، ثم لا يخفى على أحد بذاءة أخلاقهم ودناءة فعالهم،ونفاذصبرهم،واستحكاماتهم الغير محقة والتي يستحال معها بتاتاً التخلي عنها بمحض إرادتهم ، أو بطواعية تلقائية لا يمتلكونها بتاتاً ومطلقاً، فتلك سلطوية قهرية تكفيرية ابتدعوها وتوارثوها وبها ضُعْضِعَتْ كيانات مجتمعاتية مقهورة ، وسحقت أعراض وكرامات واستعبد بها أناسي لا حول لهم ولا قوة وغير محصورة أعدادهم !!

ومع ذلك من غير متوقع من تلك الطواغي أن تتحول أو تتبدل بين ليلة وضحاها!! واحتمالات انقلابها من يد فسق تنشر الإلحاد والكفر ، والشحناء والبغضاء ناهيك عن الإنحطاط والمجون ، إلى يد نورانية تغرس الإيمان واليقين والعقيدة الحقة!! كما لا يتصور لها أن توطن التسامح والمحبة والإخاء والقيم ومكارم الأخلاق بين عباد الله الصالحين !! ألا إنه ضرب من المحال !!يقول المولى الحق :” وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (البقرة -٢٠٥)، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : “الشهوات مصائد الشيطان”.وقال أمير المؤمنين عليه السلام   يخاطب الخوارج :” ثم أنتم شرار الناس ومن رمى به الشيطان مراميه وضرب به شبهه أن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب”.

ثم لا يمكن لشجرة الحنظل أن تطرح حلو الثمار.. ومن الصعب معايشتها أو اقتسام الأرض المقدسة معها !! ويقول علام الغيوب :”وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ “. (البقرة -من ١١- إلى ١٤).

فهل الإستسلام حلاً أم القوة سبيلاً أم تؤخذ الدنيا غلاباً؟!! والحرب خدعة ويا لها من خدعة طيبة عطاؤها!ألم يقل الله تعالى :” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”.( الأنفال -٣٩) ، إذ بنور الحق ورجال الحق متآزرين متعاضدين يقتلعان شجرة الحنظل ليغرسا شجرة الحق ، فبرجال الحق القدوة العلماء العالمون المعلمون تزكى الأنفس بالهداية إلى دروب صالح الأعمال ، وبتجارة رابحة لن تبور أبداً، يَبْدأُ لحظتها المسير إلى صراط الحق ، فبرجال رخصت أرواحهم في مرضاة الله وحملوا مشاعل الهداية عالية لخدمة الحق ودين الحق ونصرة الحق، وبصحبة المشاعل حملوا أكفانهم على أكفهم ، فألوا على أنفسهم أن يكونوا القادة والسادة والعلماء والعُباد والزهاد، والحصن الحصين للضعفاء والمستضعفين ، والركن والظهير في الشدة والرخاء ، وملجأ الضعاف والمحتاجين وأبناء السبيل وهم لليتامى كُفَّل ، وللنساء الظهير والسند والرحمة والحماة ،وهم للعصاة المذنبين العائدين التائبين صدراً رحباً، قال تعالى :” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ “.(البقرة -٢٢٢)، وهم السبيل إلى المجتمع الفاضل في الدنيا، وهم صراط الله إلى صراطه المستقيم يوم يقوم الناس لرب العالمين .

إنهم لعين الحق دون مواربة ، وتتقرر الحقيقة الكبرى من منظور شرائعي عقلاني لا يختلف عليها اثنان:”يعرف الرجال بالحق ،والحق يسلط الضوء على رجاله”.

فهل في المدعين سدنة الدين الجدد المتأسلمين الذين وضعوا حدود الله تحت أقدامهم فحللوا حرامه وحرموا حلاله ، وبنواميس إلههم المسخ المقيتة -لا نواميس الله جلت قدرته وعلا علواً كبيراً عما يسعون إلى نسبته إلى العلي الأعلى – تلطخت أيديهم وجباههم بدماء الأبرياء أطفالاً ونساءً وشيوخاً، رهباناً وعلماء، وأضحوا حمال أوزار مثقلة ثقيلة – تنوء من حملها الجبال الشامخات وعلى القطع ترفض حملها رفضاً قاطعاً لا رجعة فيه لو خيرت !- بدماء زكية سفكت حرام وأعراض نساء اغتصبت، وحياة الكثير من المظلومين دمرت ! وشرائع ربانية هدرت ، ومساجد وكنائس وصوامع هدمت ،وسبح خُرطت بحمد الجبت والطاغوت ، والحبل على الجرار يصرخ الظليمة الظليمة من زنادقة إستخدموا الإسلام معولاً ومبرراً لإستباحة كل المحرمات !!! الظليمة الظليمةمن مسوخ لا هم بالبشر ولا هم بعفاريت الجن ، حُمَّال راية التوحيد وهم باقريها، ويصرخون بعميق حناجرهم الإسلام ورفعته! وما رفعوا إلا جنازته !وهم جزاريه وهم قطاع شراينه من الوريد إلى الوريد !! فواعاراه ، فواذلاه !!!! قتلة الإسلام يدعون وصلاً بمحمد ؟!!! ذباحي التوحيد يدعون وصاية على التوحيد وربه ويتحفظون على نواميس الله ويطالبون بالحجر على الرب وسفرائه وكتبه!! مجاميع السفاحين والمغتصبين يدعون قيمومة على رسالات السماء وربها!!ويخططون لدين لم تحلم البشرية به من قبل !!! دين منزوع القيم ،مصلوبة حكمته ! وشريعة الغاب أساساته ومفاسد الأخلاق راياته !! وعوائق ومنزلقات محسومة مآويها من سم وحنضل وفحش ودماء بريئة مسفوحة على جوانب طريق ظلام لا بريق فيه ومع ذاك هو طريق جنتهم المزعومة !! يقول ديان يوم الدين :”فَأَمَّا مَن طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى”.( النازعات -من ٣٧-حتى -٣٩).

بعد ما تقدم يحق لنا سؤال العقلاء عن أولئك القادمون علينا عبر حمم مستعرة ،أهم رجال يُعرف بهم الحق؟! أم هم بالحق يعرفون ؟!.. هيهات !! هيهات !!!!!! فقد سبق السيف العذل ، يقول المولى :” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ،اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ،أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ”. (البقرة -من ١٣-إلى ١٦).

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة