يعرف الرجال بالحق – الجزء الخامس

img

٣- معلم القوم ، مربيهم ، مزكيهم وخادمهم:

من الحتميات الغير قابلة للتغيير ولا النقاش كون صياغة النفس وصقلها وتشكيلها ضمن دائرة الخضوع لنواميس إلهية وشرائع ربانية تتطلب محاولات وطرائق مضنية ، ولكنها رزينة متأنية محكمة مكللة بالرحمة والرأفة والصحبة الحسنة ، وها هو الإمام الباقر ( ع ) يعلمنا فيقول :” إن لكل شيء قفلاً وقفل الإيمان الرفق “. ( شرح رسالة الحقوق – ص٤٦٤)، وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: “إنّ الله رفيق يحبّ الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف “، وقال من قبلهم سيد خلق ربه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم :”أتدرون من يحرم على النار؟ كلّ هيّن ليّن سهل قريب “.

سفير الله إلى الناس فوق خلائق الله يقينه اللامحدود بالله تعالى وتقواه وخشيته من العلي الأعلى ،ولهذا ذهب الفرقان إلى القول :”إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ”. (فاطر-٢٨)،  هو المثل الأسمى والقدوة الخلاقة التي تشرئب الأعناق لمضاهاة أفعاله وأقواله وسكنات جوارحه مع رسالته السماوية ومطابقتها للواقع الديني الذي يسعى لتأسيسه ، يقول الإمام الصادق (ع): “عليك بتقوى الله, والورع، والاجتهاد, وصدق الحديث، وأداء الأمانة, وحسن الخلق, وحسن الجوار، وكونوا دعاةً إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً” ، ويقول (ع) أيضاً : “كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم؛ ليروا منكم الورع، والاجتهاد، والصلاة، والخير، فإنَّ ذلك داعية “.

فهذا الداعية المبجل بارى القمم الشماء في أخلاقه الصادقة الجياشة في توليفة من الحكمة الغراء الفياضة شموخاً ونخوةً وعزاً ، والمنطق الأبلج الوضاء، وبديهيات واضحة وضوح النهار في رابعة السماء لا ينكرها إلا كل أحمق كتب على نفسه التهلكة والعذاب الأليم، ثم العار والشنار رفيق دربه في الدنيا وفي الآخرة لا خلاق له، ناهيك عن فضائح مخزية على رؤوس الأشهاد تتلقفه ، أو ربما هو جاهل غُيبَ فيه العقل فتماهى في جمود قدراته العقلية والصنم الذي يعبده ، فإن نطق ذاك المدعو زيفاً إلهاً نطق عقله !!يقول الخالق العظيم :” قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ “،( الأنبياء -٦٣)، كما قال علام الغيوب:” هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ “.(الشعراء -٧٢-٧٣ ).

كما وإن سفير الله إلى الناس منبع حلم ورحمة ، وأمواج هادئة رتيبة حاضنة رعاية وموجهة ومزكيةً وحريصة، هي أمواج هادرة متوالية مطعمة بالحنان والشفقة يكاد داعية الله لغزارتها وفيضها أن يحيد الأم الرؤوم ويتربع مجلسها !! يقول الرحمن الرحيم :” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ “.( التوبة-١٢٨)، ويقول الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله) : “المؤمن هيّن ليّن سمح، له خُلُق حسن، والكافر فظّ غليظ، له خُلُق سيئ وفيه جبرية “، ومن وصايا دعاة الله تكاتف وتعاضد أبناء المجتمع بحيث ينصهر الكبير والصغير والغني والفقير والذكر والأنثى في بوتقة واحدة ونسيج واحد تترابط فيه الأفئدة وتتناغم القلوب وتتألف الأرواح وتتوحد الغايات وتستصرخ بعضها بعضاً إلى غاية الغايات إلى المجتمع الفاضل ذي الراية الخفاقة الواحدة تحت مسماً واحداً العبودية لله وحده والحكم لله والولاية له ، له وحده لا شريك له ، يقول المولى جل وعلا : “مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”. ( الفتح -٢٩)، ويقول الرسول الخاتم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يثلمه وحرم عليه عرضه وماله ودمه”.وقال الإمام الصادق عليه السلام: “المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه”. ( تفسير الميزان ، الطباطبائي -الجزء١٨-ص٣٤٣- البحار -ج-٧٤ ص-٢٧٠).والإمام الصادق عليه السلام يقول: “إنما المؤمنون أخوة بنو أب وأم، وإذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون”.وقال الحق :”إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.( الحجرات -١٠).

وعن الربيع صاحب المنصور (في حديث طويل) إنّ المنصور قال للإمام الصادق (عليه السلام): حدّثني عن نفسك بحديث أتّعظ به، ويكون لي زاجر صدق عن الموبقات، فقال الإمام الصادق (عليه السلام): “عليك بالحلم فإنّه ركن العلم، واملك نفسك عند أسباب القدرة، فإنّك إن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفى غيظاً، أو تداوى حقداً، أو يحبّ أن يذكر بالصولة، واعلم بأنّك إن عاقبت مستحقّاً لم تكن غاية ما توصف به إلاّ العدل، ولا أعرف حالاً أفضل من العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر ” ، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما أوصى به ابنه الحسن (عليه السلام) قال: “يا بني، العقل خليل المرء، والحلم وزيره، والرفق والده، والصبر من خير جنوده”.

كما وإن من مقومات رسالته أن يحتوي مبعوث الله إلى الناس قومه بكيانه وببركات ونور من السماء وحكمتها ،ليكون الأب لأمته ، والراعي لرعيته والمؤتمن على مصالح الأمة ، والقائد إلى نور الله وضياءه ، والموجه المعلم لما خفي عليهم من أمر دينهم ودنياهم ، ألم يقل النور سبحانه :” هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ “.( الحديد-٩)، كما قال سبحانه :”وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ”.( الأنبياء -٤٨) ، وقال الحق :” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ،وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا “. (الأحزاب٤٥-٤٦-٤٧.) ، وقال أيضاً :” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ “.(آل عمران-١٦٤-).

والبشرية منذ الأزل في أمس الحاجة لمعالجات قاطِعة لمصاعب متجذرة في الفكر الإنساني العليل والمتعلل ، يراد لها التذليل والازالة بالرفق والكلمة الطيبة اللينة ، وقدر عال من الحنكة وبعد النظر لاستقطاب العزيز قبل الوضيع ،والسيد قبل العبد ، والكبير قبل الصغير ، وشريفة القوم قبل أمتها ، قال تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (البقرة -٢٠٨)، ويقول العلي الأعلى :” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “. ( سبأ -٢٨).

ولا يُتوقع أن يُغفل عن تفاوت الملكات العقلية ،واختلاف صفائح الإستيعاب فيها، والكثير من تلك العقول متصدئة ولعلها مهترئة ،ثم اختلاف القابليات الذهنية وتباين التمسك بمخلفات توارثية صنمية متخشبة، واستعدادت نفسية عقلية متضاربة متنازعة في دوخلها الفكرية العقائدية الغيبية ، وما يتعلق بخوض حرب ضروس لاجتثاث جذور الإلحاد والكفر ومظاهر الزندقة ،واللامعقول والمحال من شائن أخلاقياتهم ،وسراب قيمهم ومغلوط مفاهيمهم ، وخاصة المتعلقة منها بالإله المعبود !!قال تعالى :” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “( المائدة -٧٣-٧٤)، وقال الرب المعبود :” وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ”. (الأعراف -٨٥- ٨٦)، ويقول (ص): “أمرت بمداراة الناس كما أمرت بتبليغ الرسالة”، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) انّه قال للمفضّل بن عمر: “… وإن شئت أن تكرم فلِن، وإن شئت أن تهان فاخشن، ومن كرم أصله لاَن قلبه، ومن خشن عنصره غلظ كبده”،وقال الإمام الصادق عليه السلام : “إنما يداقق الله العباد في الحساب يوم القيامه على قدر ما أتاهم من العقول في الدنيا”.

كما أن الضرورات تقتضي الحذو نحو مناقشات عقلانية حكيمة تداوي علل القوم وسقمهم ، وتكشف مثالب منهج شيطاني سيطر عليهم حقب وأحقاب ! فأضحوا في أعمهم بهائم لا تعقل ولا تريد أن تعقل !مسلوبي التمييز معصوبي البصيرة ، إنهم في حقيقتهم بهائم بل أقل شأناً وأحط تفكيراً ! قال تعالى :” أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا”.( الفرقان -٤٤ )

وبين عروض وطروح دعوية ذات خصائص وامتيازات ربانية من لدن رب حليم صبور، وإثارات ودلالات تعقلية هجومية متواصلة لكشف ورقة التوت عن نزعات عنصرية وعصبية فاسدة ومفسدة ، وعن محظور فحش هو عين الفساد وقلبه ، متمركز لا بل متمحور حول الفحش الأعظم العبودية لغير الله الخالق سبحانه وتعالى ، قال الحق :” قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ”.( الشعراء -٧١)، وقال في محكم كتابه النور :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “. ( النور -٢١)، يقول المولى المعبود:” إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا”. (النساء -٤٨) .

كما تتضمن مهام القائد الداعية إلى الله دحض مزاعم الأحبار والرهبان والمنتفعين وردها إلى نحورهم كاشفاً فحش فرياتهم حول تلألؤ دخائل تعدد الألهة وحتمية خنوع العامة وذلهم لمن لا يستحق السجود له ، واقتلاع دعواهم بأنهم وكلاء الله في الأرض من جذورها، وأن لهم كل الحق في التسلط على الرقاب بفرمانات جائرة مغلوطة ومكذوبة ما أنزل الله بها من سلطان ، هؤلاء الذين ذهبوا شأواً في فرياتهم قُصْيا( الغاية البعيدة ) إذ ادعوا أنهم ألهة أو لعلهم أنصاف ألهة فيأمرون ويُطاعون، وينهون فيمتنع العامة عما ينهون عنه، بأمر الأرباب البشر وإن خالفوا الحق الضحضاح المنزل من رب العالمين حقاً!! فقد قال تعالى :” اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ “.( التوبة-٣١).

حِكَم الله وبيانه وآياته ترد رداً ربانياً داحضاً فرياتهم ، ناسفة محقرة آلهتهم المزعومة ، مسفهة معتقداتهم ، مستثيرة الفطرة السوية فيهم ، داعية إلى جنان العقل والرحمة ، وإلى رياض الألباب والحكماء ، يقول العليم الخبير : “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ “. ( الحديد-١٦ )،ويطنب الحق فينير دروب الطامعين بالإستفاضة من نور البيان فيقول :”يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ،يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ “.( الحج -١٢-١٣)

وكون داعية الله في عين اليقين ، ومتمسك بحق اليقين ومطلع على علم اليقين لا يخرجه من دائرة الواقع ، فأسنان المشط ليست سواء، والناس أيضاً متباينون في ملكات البصر والبصيرة والتي تتوقف عليها اختياراتهم وقراراتهم المصيرية والمفترض فيهم تحمل عواقبها، فلا يعقل ولا يتصور أنه منكر أو غافل عن هكذا حق ، كما يستحال ألا يعتقد جزماً أن دعواه محض عرض “هداية وصلاح “مشروطة بحق الناس في القبول أو الرفض ، وإن كان ذاك الرفض يؤذيه ويقلق مضجعه وينكأ قلبه ويهمه ويفجعه في آماله المعقودة للبشرية من الصلاح والثبات لجموع الأمة على الصراط المستقيم وتمسكها بالعروة الوثقى ،فقد قال الحسيب الرقيب :” لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء”.( البقرة -٢٧٢)، وقال الرحمن الرحيم :” طه ، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى “.(طه-١-٢-٣)، وقال أيضاً :” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “.( البقرة -٢٥٦).وقال اللطيف الخبير :” فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا”.( الكهف-٦). وقال سبحانه :” فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ “.( الغاشية -٢١-٢٢).

كل ذاك الجهاد في دعواه إلى الله تعالى عبر حاضنة سماوية واطراد وتتابع -مع جموع العقلاء كما المتحجرة عقولهم غير مستثنين ولا طاردين ذوي أحلام العقول ولا المعلنين الحرب على وحي السماء -عبر مسميات شتى منها إنكار الذات ، وتغليب مصلحة الآخرين على مصلحته الشخصية، بل تذوب مصلحته وتتلاشى مقابل النجاح في نصرة الدعوة الإلهية ، وعلى أمل بزوغ طلائع نصر مؤزر على الجبت والطاغوت لحظة فك أو كسر قيد أحدهم من مصائد ومكائد الشيطان، ومساعدته على الثبات على الصراط المستقيم صراط كل عاقل استنار ببيان النور وآلائه، وها هو الحق يقول :”وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ،إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ “. (الأعراف -من ١٣٨- إلى -١٤٠) .

الكاتب ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

ام عزيز (سلوى الشيخ علي)

مواضيع متعلقة