لقاء مع الدكتور الشيخ أحمد الوائلي الذي يعدّ أشهر القراء الحسينيين في العالم الإسلامي(7)

img
عام 0 ــ ــ

دولة إسلامية

س – ما هي فرص قيام دولة إسلامية كبرى في العالم؟ وهل هي ضرورة أم إن الله عزّ وجل كفيل بأمر صيرورتها في الدنيا قبل قيام الآخرة؟

ج – فرص قيام دولة إسلامية عامة ليس بمستحيل عقلاً، ولا ممتنع ذاتاً، ولكن له شروط لابدّ من توفّرها. كما أنها تحتاج عادة إلى زمن طويل؛ لأن عنصر الزمن دخيل في تكوين الأشياء بحسبها. والدولة الإسلامية مرة تكون إسلامية؛ عقيدة، وأحكاماً لابدّ من تطبيقها، والناس فيها من المواطنين المسلمين الملتزمين بالعقيدة والأحكام، وأخرى قد تكون محكومة من قبل المسلمين، وأهلها ليسوا كذلك، بل بعضهم من أبناء الأديان الاُخرى كالمسيحيين واليهود والمجوس، وحتى الصابئة، أي من لهم كتاب وشبهة كتاب. ولكل منهما تفاصيل استوفاها الفقه الإسلامي غالباً في باب الجهاد من كتب الفقه.

وكما ذكرت فإن قيامها يبقى مفتقراً إلى شروط لابدّ من تحقّقها، ودعني أضرب لك مثلاً واحداً هو اللغة العالمية «الإسبرانتو» ([1]) التي اُريد لها أن تختصر الحواجز، وتجمع الناس على وسيلة موحدة للتفاهم، لكنها حتى الآن لا زالت فكرة تراوح في مكانها، لم تتحرك على مدى واسع مع أنها محبّبة للنفوس، ولا تشكّل ضرراً للأمم أو الأفراد، اللهم إلا ما يرتبط باعتزاز كل أمة بلغتها. فإذا كان الأمر كذلك مع اللغة، فكيف يمكن أن يكون بالنسبة للعقائد والشرائع؟

س – هناك أيضاً لغط عن موقف الإسلام من مفهوم الديمقراطية فهل الإسلام ضد نظام مثل هذا تطالب به أغلبية البشرية الآن؟

ج – إذا تحدثنا عن موضوع الديمقراطية وتفاصيلها، وخصوصاً موقف الإسلام منها بمعناها المصطلح، فإن المسلم من الناحية العقيدية والناحية التشريعية ملزم بالعمل بما شرعته السماء، أو من ناحية التطبيق، وذلك بأن تحكم الأمة نفسها بنفسها. فهذا يتم على نحوين من التصور في هذه الفترة:

النحو الأول: أن يتولّى الفقيه بما له من ولاية عامة حكم الأمة وفق قوانين الله عزّ وجل، وذلك له تفصيل موسع في كتب الفقه.

النحو الثاني: أن الأمة ـ كما يذهب إليه البعض ـ لها ولاية على نفسها، فتنتخب من يحكمها وفق الشريعة.

وعلى العموم فأمر الديمقراطية من الناحية التطبيقية لهو أمر سهل، على أني أودّ أن اُلفت النظر إلى الدول التي تدّعي أنها تطبق الديمقراطية؛ لنتساءل حولها: هل إنها ملتزمة بشروط الديمقراطية فعلاً، أم إنها (الديمقراطية) مجرد شعار عندها لا غير؟

حقوق الإنسان

س – ما هو موقف الإسلام من قضية حقوق الإنسان التي باتت مسألة حيوية تقيَّم الشعوب والأمم والأديان على مدى التزامها بها؟

ج – موقف الإسلام من حقوق الإنسان واضح، فلا أعتقد أن هناك شريعة كفلت حقوق الإنسان كالشريعة الإسلامية؛ فالإنسان كل الإنسان موضع تكريم الله عزّ وجل، يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً([2])، ويقول الرسول الكريم| في خطبته في حجة الوداع سائلاً الصحابة (رضوان الله عليهم): «أي يوم هذا؟». قالوا: أعظم الأيام. ثم قال: «يا أيها الناس، فأي شهر هذا؟». قالوا: أعظم الشهور. قال: «أيها الناس، أي بلد هذا؟». قالوا: أعظم البلدان. ثم قال: «وأي بيت هذا؟». قالوا: أعظم البيوت. قال: «إن حرمة المؤمن أعظم عند الله من بيتكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا»… إلخ ([3]).

ولقد قال النبي|: «الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره». ويقول الإمام علي× في عهده لمالك الأشتر: «الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو شريك لك في الخلق» ([4]). وقال|: «الناس سواسية كأسنان المشط» ([5]).

وقد أفاضت كتب التاريخ والسيرة في تفصيل تطبيقات ذلك بما لا يسعه هذا المختصر. وأرجو أن نفرّق بين الإسلام وبين بعض المسلمين الذين ينبغي ألاّ تحسب تصرّفاتهم على الإسلام، بل لابدّ من الاقتصار على ما رسمه القرآن ورسمته السنّة النبويّة.

س –  الأمر الآخر المثير للجدل هو الفهم الخاطئ من قبل البعض لموقف الإسلام من حقوق المرأة، فما هي الحقيقة في هذا المجال؟

جلا سبيل إلى الإفاضة في أمر مثل هذا؛ لأن الإسلام أكرم المرأة بما أراده الله لها، وليس وفقاً لمشتهى البشر. ولكن ما ينبغي الإشارة إليه أن كلّ الحقوق التي كفلها الإسلام للفصيلتين: الذكور والإناث إنما هي حقوق متّصلة ومرتبطة بفطرة كلٍّ منهما؛ فالمسألة إذن مسألة تصنيف وتفصيل، لا مسألة تفضيل. إن بين الرجل والمرأة العشرات من الفوارق النفسيّة والجسديّة والاجتماعيّة، ولكلّ منها حسابه الخاص. أما من حيث المنشأ والخِلقة، فكلّ منهما عمود من أعمدة التكوين، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنثَى … إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ([6]). ويقول النبي|: «النساء شقائق الرجال» ([7]).

فالاُمور التي تنعدم فيها الفروق بين الصنفين هما فيها سواء، كحقّ التعليم، والنفقة الماليّة، وحقّ التكريم… إلى آخره، أمّا الحقوق التي لا يمكن المساواة فيها بينهما، كحقّ التعدّد في الزواج للرجل الذي شرعه الإسلام لتغطية بعض الحالات، فلا يمكن المساواة فيه. ومثل الاُمور التي ترتبط بغزارة الجانب العاطفي عند المرأة، وتكليف الذكر ببعض الاُمور التي ترتبط بتكوينه العضلي، فالإسلام يفرق بينهما.

وبالجملة، كل حقّ مشروع ينسجم مع الخُلُق الكريم والفطرة السليمة أعطاه الإسلام للمرأة، ومنعها ممّا يفسد فطرتها ويهين اُنوثتها، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض﴾ ([8]).

إن الإسلام كفل المرأة في كلّ حالاتها كاُمّ وزوجة وبنت، وكرّم مقامها، وجعل الجنة تحت أقدامها ([9])، وقدّم حقّها كاُمّ على حقّ الأب كما هو رأي كثير من الفقهاء، فأوجب تقديم ما تأمر به على ما يأمر به الأب لو تعارض الأمران ([10])، وجعل لها ثلاثة أرباع الحقّ في الولد وللأب ربعاً([11])، وأعطاها أجر الشهيد إذا ماتت أثناء الولادة ([12])، وأعطاها ما لا يتّسع المقام لذكره هنا([13]).

([1]) الإسبرانتو «Esperanto»: لغة مصطنعة سهلة، اخترعها عام (1887)م العالم لودفيغ أليعزر زامنهوف کمشروع لغة اتصال دولیة. وقد قام لودفيغ بترجمة الأدب إلى هذه اللغة، وكتب أدباً أولياً فيها. طبع أول كتاب نحو للإسبرانتو في وارسو في يوليو عام (1887)م. وقد ازداد عدد المتحدثين بها في البداية بسرعة، وكان متحدثوها يتواصلون عن طريق الرسائل غير أنها لم تكن لغة رسمية في أية دولة وإن درست في بعض الدول. ترى بعض الديانات كالاُوموتو والبهائية التي شجعت أتباعها على استخدامها أنها تصلح لأن تكون لغة دولية. وكذلك تراها بعض المؤسسات الدولية مثل مؤسسة اللاوطنية الدولية، والمنظمة العالمية للإسبرانتو التي لها علاقات استشارية مع الأمم المتحدة واليونيسكو.

أما نحوها وصرفها، فبسيطان جداً ومعتدلان، وليس فيها أي شذوذ لغوي؛ فالاسم في الإسبرانتو ينتهي بحرف الـO إذا كان مفرداً غير مفعول به، فإن كان مفرداً مفعولاً به انتهى بحرفي الـON، وإذا كان مفعولاً به جمعاً انتهى بالحروف OJN، وبحرفي OJ إذا كان جمعاً. أما الأفعال في هذه اللغة، فلها ثلاث صيغ وثلاث حالات: فصيغها مثلاً أن الفعل إن كان للمستقبل انتهي OS مثلkantos، وإن كان للماضي انتهي بحرفي IS مثل kantis، وإن كان للحاضر انتهي بحرفي AS مثل kantas.

إلى غيرها من القواعد البسيطة، لكنها مع بساطتها هذه لم تشقّ طريقها إلى عالم التطبيق الواسع كما أشار المحاضر.

([2])  الإسراء: 70.

([3]) )  لم نعثر عليه بهذه الصورة، والذي عثرنا عليه أنه| قال: «يا أيها الناس، أي يوم هذا؟». قالوا: يوم حرام. ثم قال: «يا أيها الناس، فأي شهر هذا؟». قالوا: شهر حرام. قال: «أيها الناس، أي بلد هذا؟». قالوا: بلد حرام. قال: «فإن الله عزّ وجل حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه». انظر: الخصال: 487، عوالي اللآلي 1: 161 / 151، بحار الأنوار 21: 381، مجمع الزوائد 3: 20 ، صحيح ابن خزيمة 4:299 ، المنتقى من السنن المسندة (ابن الجارود النيسابوري): 212.

([4]) نهج البلاغة / العهد: 53.

([5])  تحف العقول: 268 .

([6]) الحجرات: 13.

([7]) مسند أحمد 6: 256، سنن أبي داود 1: 59 / 236.

([8]) آل عمران: 195.

([9]) انظر: مستدرك وسائل الشيعة 15: 180 / 17933، مسند الشهاب 1: 102/118، كنز العمّال 16: 461/45439.

([10]) وقريب منه ما روي عن الإمام أبي الحسن موسى الكاظم× من قوله: «إن الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبح، وإذا دعته الوالدة فليقل: لبيك» . تهذيب الأحكام 2: 350 / 1452، وسائل الشيعة 7: 256 / 9265 .

([11]) يروي المحدّثون وغيرهم أن رجلاً جاء النبي الأكرم| وقال له: يارسول الله، من أبر؟ قال: «اُمك». قال: ثم من؟ قال: «اُمك». قال: ثم من؟ قال: «اُمك». قال: ثم من؟ قال: «أبوك». الكافي 2: 159 / 9.

([12]) كنز العمّال 61: 411 / 45159.

([13]) قال نبينا الأكرم|: «المرأة إذا حملت كان لها أجر الصائم القائم المخبت المجاهد في سبيل الله، وإذا ضربها الطلق فلا تدري الخلائق ما لها من الأجر، فإذا وضعت كان لها بكل مصّة أو رضعة أجر نفس تحييها، فإذا فطمت ضرب الملك على منكبيها وقال: استأنفي العمل». كنز العمّال 61: 411 ـ 412 / 45160.

الكاتب ــ ــ

ــ ــ

مواضيع متعلقة