دحو الأرض

قال تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾النازعات.
معنى الدحو في اللغة: دحا الشيء أي بسطه ومهده، ودحو الأرض: بسطها ومهدّها للسكنى والتقلب في أقطارها.
وفي حديث علي× وصلاته على النبي|: (اللهم يا داحي المدحوات) أي باسط الأرضيين وموسعها.
وقول أمية بن أبي الصلت:
دار دحاها ثم أعمر بابها وأقام بالأخرى التي هي أمجد
وفي الآية الكريمة أعلاه أقوال:
- عن ابن عباس: أي أن الله تعالى دحا الأرض من بعد خلق السماء، وإن كانت الأرض خلقت قبل السماء، وذلك أن الله جل وعلا خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم خلق السماء فسواها، ثم دحا الأرض بعد ذلك وكانت الأرض ربوة مجتمعة تحت الكعبة ولكن بسطها بعد خلق السماء. وقال ابن عباس: أن الله تعالى خلق الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألف عام.
- عن قتادة والسدي وسفيان: أي بسط الأرض، وهذا يشير إلى كون الأرض بعد السماء، والعرب تقول: دحوت الشيء أدحوه إذا بسطته.
- عن ابن عباس أيضاً ومجاهد والسدي وابن جريح: ﴿بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أي مع ذلك كقوله تعالى: ﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ أي كان مع هذا من أهل الإيمان بالله، وقوله تعالى: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ أي مع ذلك، وذلك أن الله تعالى خلق الأرض ودحاها قبل السماء لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾.
وبسط الله جل وعلا الأرض ومدها ومدها ومهدها وجعلها للسكنى والاستقرار بعد ما بنى السماء و﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ فقد كانت الأرض مخلوقة غير مدحوة قبل خلق السماء، بأن خلقها الله تعالى وما فيها خلقاً، ثم خلق السماء وسواها، ثم دحا الأرض ويسرها للسير والاستقرار، فلا تنافي بعدية دحو الأرض تقدم خلقها على خلق السماء واستوائها ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء﴾ البقرة: 29.
وفي الكافي: بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر× أنه قال: (ذكر البيت العتيق أن الله خلقه قبل الأرض، ثم خلق الأرض من بعده فدحاها من تحته).
وفي الاحتجاج: في حديث عن الإمام جعفر بن محمد بن الصادق× وفيه قال السائل: فخلق النهار قبل الليل؟ قال: (نعم خلق النهار قبل الليل، والشمس والقمر والأرض قبل السماء).
في الكافي: علي بن محمد عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس عن صالح اللفائفي عن أبي عبد الله× قال: (إن الله تعالى دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى، ثم دحاها منى إلى عرفات، ثم دحاها من عرفات إلى منى، فالأرض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة).
عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي ندارة التميمي عن أبي حسان عن أبي جعفر× قال: (لما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن وجه الماء حتى صار موجاً، ثم أزبدا فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلاً عن زبد، ثم دحا الأرض من تحته، وهو قول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾).
وعن محمد بن أحمد عن الحسين بن علي عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لأبي جعفر× في المسجد الحرام: لأي شيء سمّاه الله العتيق؟ فقال: (إنه ليس من بيت وضعه الله على وجه الأرض إلا له رب وسكان يسكنونه غير هذا البيت، فإنه لا رب له إلا الله تعالى، وهو الحرم) ثم قال: (إن الله تعالى خلقه قبل الأرض، ثم خلق الأرض من بعده فدحاها من تحته).
ونقل حديث طويل عن السجاد× يقول فيه: (وتبدل الأرض غير الأرض) يعني بأرض لم ترتكب عليها الذنوب، بارزة ليس عليها لا جبال ولا نبات، كما دحاها أول مرة.
وفي نهج البلاغة: (كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة)، ولجج بحار زاخرة، يلتطم أواذي أمواجها، وتصطفق متقاذفات أثباجها، وترغو زبداً كالفحول عند هيجانها، فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها…).
وقد ورد في مفاتيح الجنان فضل وأعمال ليلة دحو الأرض وهو ما يلي:
ليلة دحو الأرض ـ انبساط الأرض من تحت الكعبة على الماء ـ وهي ليلة شريفة تنزل فيها رحمة الله تعالى، وللقيام فيها أجر جزيل، وروي عن الحسن بن علي الوشّاء قال: كنت مع أبي غلام فتعشينا عند الرضا× ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة، فقال له: (ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم×، وولد فيها عيسى بن مريم×، وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهراً). وقال على رواية أخرى: (ألا إنّ فيه يقوم القائم #).
اليوم الخامس والعشرون يوم دحو الأرض:
وهو أحد الأيام الأربعة التي خصت بالصيام بين أيام السنة، وروي: (أن صيامه يعدل صيام سبعين سنة، وهو كفارة لذنوب سبعين سنة)، وعلى رواية أخرى: (ومن صام هذا اليوم وقام ليلته فله عبادة مئة سنة، ويستغفر لمن صامه كل شيء بين السماء والأرض، وهو يوم انتشرت فيه رحمة الله تعالى، وللعبادة والاجتماع لذكر الله تعالى فيه أجر جزيل). وقد ورد لهذا اليوم سوى الصيام والعبادة وذكر الله تعالى والغسل عملان:
الأول: صلاة مروية في كتب الشيعة القميّين وهي ركعتان تصلى عند الضحى بالحمد مرة والشمس خمس مرات ويقول بعد التسليم:
(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم يدعو ويقول: يا مقيل العثرات أقلني عثرتي، يا مجيب الدعوات أجب دعوتي، يا سامع الأصوات اسمع صوتي، وارحمني وتجاوز عن سيئاتي وما عندي يا ذا الجلال والإكرام).
الثاني: هذا الدعاء الذي قال الشيخ في المصباح إنه يستحب الدعاء به:
(اللهم يا داحي الكعبة،…. إلخ).
اعلم أن السيد الدّاماد رحمه الله قال في رسالته المسماة الأربعة ايام في خلال أعمال يوم دحو الأرض: إن زيارة الرضا× في هذا اليوم هي آكد آدابه المسنونة كذلك، ويتأكد استحباب زيارته× في اليوم الأول من شهر رجب الفرد وقد حثّ عليها حثّاً بالغاً.
المصادر:
مفاتيح الجنان، تفسير نور الثقلين، مجمع البيان، كتاب البصائر.