التلفزيون بين الهدم والبناء

img

نال اختراع التلفزيون خلال النصف الأول من القرن العشرين ما لم ينله أي اختراع آخر، فقد نال إعجاب قطاع عريض من الناس، وبمرور الزمن سرعان ما تحول التلفزيون إلى جزء أساسي من مكونات كل منزل، وكل متجر، وكل محمل، وكل مكتب.

وقد اخذ تأثير الشاشة الصغيرة والساحرة يمتد إلى كل شرائح المجتمع وخصوصاً الشباب إلى درجة أنه لا يمكن لأي شاب الاستغناء عنه ولو كان لمدة غير طويلة، وقد أدى زيادة القنوات الفضائية إلى انجذاب الشباب أكثر وأكثر، وسيصبح في المستقبل القريب اكثر تأثيراً وجذباً وذلك لما سيقدمه «التلفزيون التفاعلي» الجديد من خدمات وقدرات وإمكانيات غير متوفرة في التلفزيون العادي.

وبمقدار ما يقدمه التلفزيون الحالي من فوائد وإمكانيات وخدمات فإنه يفرض في الوقت نفسه مجموعة كبيرة من التحديات والمخاطر والسلبيات على الأفراد والمجتمعات، وكذلك على القيم والأخلاق والمثل الإنسانية العليا.

وعلى هذا السياق ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي: ضرورة التمييز بين ما يقدمه التلفزيون من برامج مفيدة ونافعة كالأخبار والبرامج العلمية والثقافية والدينية، وما يقدمه من برامج غير مفيدة أو مضرة كالأغاني الماجنة، والأفلام الهابطة، ونشر الإباحية، وتزايد أفلام العنف والرعب، وترويج الأفكار الضالة.

وقد تحول الإدمان التلفزيوني إلى مشكلة حقيقية، حيث يحاول علماء النفس والتربية والاجتماع البحث عن علاج لهذه المشكلة، فالشباب والأطفال يستغرقون وقتاً طويلاً أمام هذه الشاشة إلى درجة الإدمان، وقد أثبتت الدراسات والأبحاث «أن بعض الطلاب عندما يتخرج من المرحلة الثانوية يكون قد مضى أمام جهاز التلفزيون قربه (15) ألف ساعة، بينما لا يكون قد مضى في حجرات الدراسة أكثر من (10800) ساعة على أقصى تقدير».

إن الإدمان على مشاهدة التلفزيون يشكل أكبر خطر على تقدم الفرد من الناحية العلمية والمعرفية، كما إنه يدمر البنية الأخلاقية والروحية لمن لا يتورعون عن مشاهده البرامج الهابطة، والأفلام الخادشة للحياء، كما إنه يشكل خطورة حقيقية على المجتمع بفعل مشاهدة برامج العنف الزائدة.

وذكر الدكتور (حمود البدر) إنه من خلال إحدى الدراسات التي أجريت على (500) فلم طويل تبين أن موضوع الحب والجريمة والجنس يشكل 72% منها.

وقد قام الدكتور (تشار) بدراسة مجموعه من الأفلام التي تعرض على الأطفال عالمياً فوجد أن:

29.6% تتناول موضوعات جنسية ـ 27.4% تتناول الجريمة ـ 15% تدور حول الحب بمعناه الشهواني العصري.

بل إن الأمر وصل إلى أفلام (الكارتون) التي يشاهدها أطفالنا، ففي كثير منها مواقف واضحة تتعارض مع قيم الإسلام وأخلاقياته، وفي بعض هذه الأفلام ما يزين للأطفال منذ صغرهم التفكير في الجنس، بل تصوير ما يجري بين الكبار في هذه الأفلام، ومكمن الخطورة أن الكثير من الآباء لا يهتمون بمشاهدة ما يقدم لصغارهم، ولعل الذين يجلبونها ويشترونها لا يشاهدونها قبل شرائها وهذا مكمن الخطورة.

ولمواجهة عمليات الهدم الأخلاقي والتدمير القيمي الذي يقوم به الإعلام المنحرف، يجب إيجاد قنوات فضائية ملتزمة وفعالة بحث تكون قادرة على التأثير في الشباب وجذبهم نحو القيم والأخلاق والمثل الفاضلة، فالقنوات الفضائية المنحرفة لا يمكن أن تواجه بفعالية إلا من خلال قنوات فضائية ملتزمة وقادرة على أداء الرسالة الإعلامية بصدق وإخلاص.

 

الكاتب فاطمة الشبيب

فاطمة الشبيب

مواضيع متعلقة