مولد الرسول الأعظم (ص) ـ الجزء الأول
ولد الهدى فالكائنات ضياء |
|
وفم الزمان تبسّم وضياءُ |
البوصيري
وتحلّ سنة 570 للميلاد، فتحمل معها البشرى إلى البشرية، وتهب نسائم الفجر من أرض الحجاز؛ لتحمل معها نبأ ولادة النبي العظيم المنتظر الذي تترقبه اليهود والنصارى في الحجاز من الأرض البكر. نبيّ من أُسرةٍ عربيةٍ امتازت بطهارة أعراقها، ونبل مقاصدها، وعلوّ همّتها.. أُسرة امتازت بمواقفها وعفافها والتزامها وتدينها. إنها الأُسرة الهاشمية التي عرفتها كل قبائل العرب وعشائرها، والتي امتازت بتاريخها العريق، ومآثرها ومكارم أخلاقها.
ولم تكُ إلّا فترة قصيرة المدى ـ خمسين يوماً على الأكثر بعد غزو أبرهة مكة لهدم الكعبة المعروف بعام الفيل لأربع وثلاثين سنة وثمانية أشهر مضت من ملك كسرى أنو شروان ـ حتى عاودت الرؤيا آمنة بنت وهب في صدر ليلة مقمرة، ليلة الاثنين، السابع عشر من ليالي شهر ربيع الأول، ـ وعليه اتفاق الشيعة الاثني عشرية ـ سمعت آمنة من يهتف بها من جديد أنها توشك أن تضع سيد هذه الأُمة، ويأمرها أن تقول حين تضعه: »أعيذه بالواحد، من شر كلّ حاسد«، فإذا وضعتهِ فسمّيه محمداً. وأهل الحساب يقولون: وافق مولده من الشهور الشمسية نيسان أبريل، وكان لعشرين يوماً مضت منه، وولد بالغفر من المنازل، وهو مولد الأنبياء.
وقيل: كان مولده يوم الجمعة بعد قصة الفيل بخمسين يوماً الموافق 25 من شهر أغسطس عام 570 ميلادية، لأربعين سنة خلت من حكم كسرى أنو شروان في دار محمد بن يوسف الثقفي، في الزاوية القصوى من يسارك، وأنت داخل الدار.
وكانت هذه الدار للنبي محمد| بالميراث، ووهبها النبي| إلى ابن عمه عقيل بن أبي طالب، فبقي بيت المولد لعقيل، ومن بعده لولده حتى اشتراها منهم محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج بن يوسف، فاشتهرت باسمه »دار محمد بن يوسف«، فأدخلها محمد بن يوسف في قصره الذي يسمونه قصر البيضاء.
ثم إنه بعد انقضاء دولة بني أُمية، حجّت خيزران أم الهادي والرشيد أحد خلفاء بني العباس ـ وذلك في القرن الثاني من الهجرة ـ أخرجت عين »زبيدة« لسقاية الحجيج، والمعروفة باسمها عين زبيدة، فأخذتها خيزران، وأفرزتها عن القصر، وجعلتها مسجداً للصلاة، وأخرجته من الزقاق الذي يقال له زقاق المولد. وهي الآن معروفة، تُزار، ويُصلّى فيها، وتقع غرب الصفا، وتُعرف بمسجد المصطفى، قريب من سوق الليل.
وما كان فجر تلك الليلة ينبثق حتى كانت آمنة قد وضعت وليدها، كما تضع كل أُثنى من البشر، ويخرج المولود المبارك نقياً منظّفاً مختوناً مقطوع السرة، بلا ألمٍ، ولا دمٍ، ولا نفاسٍ، ولا بكاءٍ، ولا صراخٍ على خلاف العادة في المواليد. وتلقّى الوليد الطاهر الأرض بمساجده السبعة، رافعاً سبابته إلى السماء، يرافقه نور غطى أرجاء المكان كله كأنه على موعد مع خروج هذا المولود المبارك.
يقول البوصيري:
ليلة المولد الذي كان للديـ |
|
ـن سرور بيومه وازدهاءُ |