زواج الرسول من السيدة خديجة بنت خويلد
وفي الخامس والعشرين من عام الفيل السنة الخامسة عشرة قبل المبعث، احتفلت مكة المكرمة بزواج شاب زيّن قريش شرفاً وأمانة وخلقاً من السيدة خديجة بنت خويلد سيدة نساء قريش، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً. وتمت لخديجة في محمد هدية القلب إلى المعين، ويعانق قلب محمد قلب خديجة، وينسجم روحاهما في وقت كان محمد في الخامسة والعشـرين من عمره ويبلغ عمر السيدة خديجة الأربعين سنة.
وهي أول امرأة تزوجها النبي| وسكن إليها، وهي أول امرأة آمنت بدعوته من النساء وصدّقت ما جاء به من عند الله، ولم يتزوج عليها إلى أن لحقت بربها قبل الهجرة بثلاث سنين.
لقد اختار محمد المرأة التي وجد فيها الأنس والحنان، يفيضها قلب نقي، ونفس صافية إلى جانب الشرف والعزة، والعفة والطهارة. فكأن الله سبحانه أراد أن يعوّض هذا اليتيم عن عطف الأم الرؤوم، وحدب الأب الكريم، فوهبه خديجة الفاضلة؛ لتكون له زوجاً صالحة، وأماً حانية، ورفيقة حياة وفية، وعاش الزوجان في هناء وسعادة، يغمرها الحب، وتجمعهما الألفة. وقضت مكة أياماً وليالي ولا حديث لها إلا عن ذلك الزواج المشهود. ولم تكن بهجة الحفل وحدها هي التي استأثرت بحديث القوم، وإنما كانت المفاجآت غير منتظرة كثيرة؛ فما دار في خلد أحدهم أن ترغب السيدة خديجة في الزواج من جديد بعد الذي عرف من زهدها في الرجال، وانصرافها عنهم، وردها سادة قريش واحداً بعد الآخر، ردّاً مؤيِّساً، ولا خطر ببالهم أن يكون محمد ابن الخامسة والعشـرين هو الزوج المختار للأرملة الثرية ذات الأعوام الأربعين. وإذا كان رجال من قريش قد نقموا يومئذٍ على العقيلة الغنية أن تؤثر عليهم شاباً غير ذي مال. فلعل بنات هاشم قد تحدثن طويلاً عن شبابه الغض تستأثر به سيدة تزوجت من قبل مرتين، وتصرفه عن العذارى الهاشميات ذوات الصبا النديّ والحسن النضير.