الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام

عام 0 ــ ــ

هو الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت عليهم السلام القائم بالإمامة بعد أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام لفضله على جماعة أهل بيته وبنيه وأخوته في عصره، ولعلمه وورعه وكفاءته لمنصب الإمامة، مضافاً إلى النصوص الواردة في حقّه من أبيه على إمامته.

ولد في المدينة سنة 148 هجري، قال الشيخ كمال الدين بن طلحة بما معناه: ومن أمعن نظره وفكره، وجده في الحقيقة وارث الماضيين. نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفعت مكانته، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته، وفوّض إليه أمر خلافته، وعقد له على رؤوس الأشهاد عقد نكاح ابنته، وكانت مناقبه عليّة، وصفاته ثنيّة، ونفسه الشريفة زكيّة هاشميّة، وأرومته النبوية كريمة.

وقد عاش الإمام الرضا عليه السلام في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيين والرومانيين وغيرهم، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحدة وأحبار اليهود، وبطارقة النصارى، ومجسّمة أهل الحديث.

وكان الإمام يعقد مجالس المناظرة مع العلماء والأطبّاء وغيرهم، ومن مناظراته عليه السلام:

دخل أبو قرة المحدّث على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال: روينا أنّ الله قسّم الرؤية والكلام بين نبييّن، فقسم لموسى عليه السلام الكلام ولمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم الرؤية.

فقال أبو الحسن عليه السلام: «فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين الجنّ والإنس: إنّه ﴿لا تدركه الأبصار﴾، و﴿لا يحيطون به علماً﴾، و﴿ليس كمثله شيء﴾، أليس محمد صلى الله عليه وآله وسلم»؟ قال: بلى.

قال: «فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: ﴿لا تدركه الأبصار﴾، و﴿لا يحيطون به علماً﴾، و﴿ليس كمثله شيء﴾، ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً، وهو على صورة البشر، أما تستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا: أن يكون أتى عن الله بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر».

فقال أبو قرة: فإنّه يقول: ﴿ولَقَد رَآهُ نزلةً أُخرى﴾ فقال أبو الحسن عليه السلام: ﴿إنّ بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: ﴿ما كذب الفؤادُ ما رأى﴾ يقول: ما كذب فؤاد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ما رأت عيناه ثمّ أخبر بما رأى فقال: ﴿لَقَد رَأى مِن آياتِ رَبِّهِ الكُبرى﴾ فآيات الله غير الله، وقال: ﴿لا يُحيطون بِهِ عِلما﴾ فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة».

فقال أبو قرة: فتكذّب بالرواية؟

فقال أبو الحسن: «إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذّبتها، وما أجمع المسلمون عليه: إنّه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء».

ولما انتشر علم الإمام وفضله، أخذت الأفئدة والقلوب تشدّ إليه، ـ فكثر التفاف المسلمين حول الإمام الرضا× وازدادت أعدادهم، ممّا دفع بالخلافة العباسية إلى محاولة سحب البساط من تحت أرجل الإمام عليه السلام وأعوانه قبل أن تستفحل الأمور ويصعب السيطرة على الموقف بعدها، فأدرك المأمون مدى تأزّم الموقف وتخلخل وضع الحکومة آنذاك، فلم يجد بداً من تظاهره أمام الرأي العام الشيعي ـ الذي كان من أقوى التيارات المؤهلة للإطاحة بالخلافة العباسية دون أي شك ـ بتنازله عن الخلافة ـ التي قتل أخاه من أجلها ـ إلى الإمام الرضا عليه السلام إمام الشيعة وقائدهم.

وهكذا فبعد قبول علي بن موسى الرضا عليهما السلام بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء، فخفقت الألوية على رأسه، وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي، فلمّا دخل عليه قال: قلت قصيدة وجعلت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فأمره بالجلوس حتى خفّ مجلسه ثمّ قال له: «هاتها» فأنشد قصيدته المعروفة:

مدارس آيات خلت من تلاوة                 ومنزل وحي مقفر العرصات

حتى أتى على آخرها، فلمّا فرغ من إنشادها قام الرضا عليه السلام فدخل إلى حجرته وأنفذ إليه صُرّة فيها مائة دينار واعتذر إليه، فردّها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت، وإنّما جئت للسلام عليك والتبرّك بالنظر إلى وجهك الميمون، وإنّي لفي غنى، فإن رأيت أن تعطني شيئاً من ثيابك؛ للتبرّك فهو أحب إليّ. فأعطاه الرضا جبّة خز وردّ عليه الصرّة.

كان الإمام في مرو يقصده البعيد والقريب من مختلف الطبقات وقد انتشر صيته في بقاع الأرض، وعظم تعلّق المسلمين به، ممّا أثار مخاوف المأمون وتوجّسه من أن يفلت زمام الأمر من يديه على عكس ما كان يتمناه، وكذلك خروج أخ المأمون زيد بن موسى بالبصرة على المأمون؛ لأنّه فوض ولاية العهد لعلي بن موسى الرضا الذي كان في تصوّره سيؤدي إلى خروج الأمر من بيت العباسيين، كل ذلك وغيره دفع المأمون إلى أن يريح نفسه وقومه من هذا الخطر فدسّ إليه السم.

وكان عليه السلام قبل ذلك يتمنّى لنفسه الموت ليتخلّص من حياةً تحيط بها المكاره، وكان يقول: «اللهم إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت فعجّله لي الساعة».

ولما استشهد الإمام عليه السلام دفن في مدينة طوس من أرض خراسان في صفر 203 هجري، وله يومئذ 55 سنة، وكانت مدة إمامته بعد أبيه 20 سنة في قبر ملاصق لقبر هارون الرشيد، وقبر الإمام الرضا الآن مزار مهيب يتقاطر المسلمون على زيارته والتبرك به.

وقبر بطوس يا لها من مصيبة                     ألحت على الأحشاء بالزفرات

فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا

الكاتب ــ ــ

ــ ــ

مواضيع متعلقة