قال العزيز في كتابه المجيد (اهدنا الصراط المستقيم)

الآية الكريمة عبارة عن دعاء وطلب وترجي من الله تعالى إن يسلك بنا طريق الهداية بأسمى معانيها ومراتبها لنصل بأرواحنا ومعتقداتنا إلى طريق الاستقامة والوصول إلى أعلى درجات التي خلق الله من أجلها خليفته في الأرض, لكي يصل الإنسان إلى هذه المرتبة لابد له أولا من صقل نفسه ولكي يصقل نفسه لابد له من معرفتها , يقول سيد البلغاء أمير المؤمنين عليه السلام  (من عرف نفسه فقد عرف ربه)

من عرف نفسه : ما هو المراد من النفس في القرآن الكريم؟

النفس من الأبحاث الضرورية والأساسية في القرآن الكريم , النفس لها اصطلاحا عند علماء العرفان واصطلاح أخر عند علماء الأخلاق وفي البحث الفلسفي يريد منها شيء آخر وفي القرءان الكريم عندما يذكر النفس يريد منها شيء آخر

لا نريد أن نقول أن بين هذه الاصطلاحات اشتراك لفظي ربما في بعض هذه الاصطلاحات توجد بينها مطابقة.

 النفس في الأبحاث الفلسفية/ هي تلك الحيثية التي تشكل حقيقة الإنسان  وتعبر عن أناه بقطع النظر هل هذا مجرد أم غير مجرد

أي بمعنى آخر : تلك الحقيقة التي وراء البدن

وهذا هو الذي عبر عنه القرءان الكريم فنفخت فيه من روحي

القر أن يعبر عن النفس /

ماذا يقول عن النفس ؟ يقول اذا ذكرت النفس يريد منه أحد معاني ثلاث

1-يعني حقيقة الشيء وعرفه السيد في تفسير الميزان أصل معناه هو أصل ما أضيف إليه مثل ويحذركم الله نفسه ، جاء علي نفسه

2- يراد منه شخص الإنسان والإنسان معجون مركب من الروح +البدن مثلا (هو الذي خلقكم من نفس واحدة)

3-الروح في قبال البدن مثل (فنفخت فيه من روحي),

الذي يهمنا في الأمر النفس في قبال البدن

فهذه الروح بكل قواها هي مرتبطة بخالقها, مرتبطة بمبدئها فهي من حيث الأصل نفس مولوده على الفطرة الصادقة ) التوحيد(  ,  )الاستقامة ) النفس عوامل الطاعة فيها عوامل عالية جدا . أولا : الله عز وجل غرز في هذه النفس عقلا ملائكيا والعقل هو القوه القدسية التي يدرك بها الإنسان الخير يدرك بها الكلمات يدرك بها أسباب السعادة يدرك الحق يدرك الطاعة وكل تقوى هذه القوه القدسية التي جعلها الباري عز وجل حجه في النفس الإنسانية كما جعل الرسل حجه ظاهره على النفس وتجتمع لله حجتان حجه ظاهره وحجه باطنه كذلك

ثانيا: غرس الله تعالى في هذه النفس فرقانا يفرق فيه الإنسان بين الحق والباطل ويخير فيه بين الخير والشر } إنا هديناه النجدين{ أي سبيلي الخير والشر

(إنا هديناه السبيل إما شاكرا أو كفورا) فزيادة على القوه القدسية المعبر عنها بالعقل هنالك كذلك الفرقان الذي به يميز الإنسان بين الخير والشر, ولا يكفي الإنسان لكي يسلك في طريق صحيح أن يعرف ذلك الطريق بل لابد أن يميزه عن غيره حتى لا يقع في خطوه فرعيه بيمين أو شمال تؤدي به إلى الضلال , الله تبارك وتعالى أودع العقل وأودع الفرقان وأودع فيها نزوعا فطريا إلى الخير وإلى الاستقامة وإلى الحق نزوع جنوح غير المعرفة, المعرفة شيء والنزوع والميول شيء آخر.

رب إنسان يعرف الله ولكن يجحد وجود الله عز وجل } وجحدوا بها  واستقيتنها أنفسهم ظلما وعدوا{ , لهذا كان الإيمان غير العلم صحيح إنه يستند إلى العلم لكن ليس بالضرورة إن الإنسان يعلم بالشيء أن يسلم بذلك الشيء قد يعلم أنك على حق ولكن لا يسلم لك فالمعرفة شيء والتسليم شيء آخر.

الإيمان هو التسليم, الإيمان هو الانقياد القلبي لما تؤمن به، لما تعتقد به، النفس الإنسانية الله عز وجل زودها ثالثا/ بنوع من النزوع والجنوح والطموح والتوق والشوق والعشق إلى الطاعة إلى الخير إلى كل ما هو حق.

رابعا: الله عز وجل أرسل رسلا مزودين بكتب سماوية بشرائع ربانية هذه الشرائع تعين الإنسان أن يسير إلى الطريق الصحيح , الكليات التي يدركها العقل ولهذا يحرم التقليد في أصول الدين وليس في الفرعيات, لأن العقل لا يدرك إمامة صبي هذه تحتاج إلى الشارع لكن أصل الإمامة يدركها العقل لأنها تشكل امتداد للنبوة, العقل يدرك, النبوة, المعاد, الاعتقادات يدركها العقل لابد أن تأخذ عن طريق الإدراك المباشر فتؤمن بها.

كذلك وجوب النظر والمعرفة، معرفة الدين, يحتاج إلى نظرية من الشارع الذي يجب علينا معرفة الدين، معرفة التوحيد، معرفة الموجد، معرفة الصانع هو دليل عقلي العقل مثلا يقول دفع الضرر المهلك (المحتمل) أمر واجب على الأقل الضرر في الآخرة والخطر من جهنم فلكي أتقي حينئذ يوجب علي أن آخذ بالدين لكي أدفع عن نفسي الخطر المهلك يوم القيامة من باب وجوب دفع الضرر لو كان محتمل أو كما قال ابن المعري:

قال المنجم والطبيب كلاهما     لا تحشر الأجساد قلت: إليكما

إن صح قولكما فلستا بخاسر    وغن صح قولي فالخسار عليكما

تفسير الكلام يتكلم عن منجم والطبيب اللذان لا يؤمنان بالله ……….الخ

الدين عبارة عن تهذيب للنفس هذا حكم عقلي .

من الذي يدلك على الله هو العقل أولا فهو أول حجة احتجها الله على الإنسان

الله زود الإنسان برسل وكتب سماوية هذه الرسل عليها ان تبين وتوضح وتفصل الأمور مثلا قضية الميزان.

كل هذه العوامل تتظافر تجتمع  وتجعل أمر التقوى أمر ميسر

الله تبارك وتعالى جعل من اللطف المقرب ايضا: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن هذا نوع من انواع الرقابة الشرعية } المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر{ .

سيرتهم هي بذاتها عامل مهم في التقرب من الله نتأثر بهم.

} لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه { . لهذا نحيي مناسباتهم ونذكرهم لأنهم رموز فذكراهم سيساعدنا للإنشداد إلى الطاعة والتقوى لأن إذا لم يكن له رمز سوي فانه يهوى والإنسان بطبيعته له نزاع فطري ان يتخذ رمز له، يتبعه يتأثر به ،

فلهذا حث الإسلام على ضرورة البيئة الصالحة من اسرة، من صديق صالح، ومن مدرسة صالحة هذا عامل من عوامل الطاعة زيادة على ذلك

·       من أهم العوامل المساعدة على الطاعة النفس اللوامة  , الانسان له تركيبة من شهوات ونزوات هذا موجود وذاك موجود, هذه نفس امارة وهذا مناط التكليف فالله تبارك وتعالى إذا جعل له عقل بها شهوة كيف يمتحنه بها، إذا جعل هذا وذاك فالإنسان في قرارة نفسه  نفس لوامة. النفس واحده ولكن هذه تقاسيم لقوى تلك النفس واستعدادها ووظائفها من جملة هذه القوى هي النفس اللوامة, الضمير الديني التي تلوم الإنسان فيما إذا فعل الشر إذا فعل المعصية فلهذا من شروط التوبة: هو ان يندم ندما حقيقا يعتقل هذه النفس فيصبح الإنسان (يأكل في نفسه) بتعبيرنا الدارج فيصبح يلوم نفسه لماذا صلاته كذا لماذا فعل كذا هذه عامل من عوامل الردع.

الإنسان جعل الله نفسه نفس مرتبطة به فمن حيث الفطرة فطرة مرتبطة به كما في الحديث (يولد المرء على الفطرة) وزوده بعوامل تساعده على فعل الخير وترك المعصية ولكن هناك عوامل قد تقف في عوامل هذه الإنسان

بالتأكيد الشهوات  النفسانية على اختلافها ندا للنفس } أفرءيت من اتخذ إلهه هواه{ هذا هو العامل والتكليف لا يصح إذا لم يكن لديه كلا الجانبين الخير والشر الدين لم يأتي لكبت هذه الشهوات وإنما جاء لتنظيمها } وأحل الله البيع وحرم الربا{ , } والذين هم لفروجهم حافظون{ جعل الأصل هو الضبط هو الحظر}  إلا على ازواجهم أو ما ملكت أيمانهم { الأزواج يشمل نوعين الدائم والمؤقت والمؤقت لم يكن سفاحا كما ادعى البعض ولو كان سفاحا مستحيل الله عز وجل يجيزه للصحابة.

النتيجة كما توجد للنفس اشياء تدفعها للطاعة وتشجعها على الخير هناك اشياء تدفعها للمعصية والإنسان كما أسلفنا سابقا أن الأنسان مركب من عقل وشهوه وهذا فارق رئيسي بين الإنسان والحيوان وبين الملك ,الملك عقل بلا شهوه , والحيوان شهوه بلا عقل , والانسان ركب فيه كلاهما حتى تتم عملية الامتحان

من العوامل التي تدفع نحو المعصية / الشيطان

كثير من الناس يتساءل لماذا خلق الله الشيطان ما كان يمكن أن يقضي عليه ويريحنا منه، يكفي أن عندنا نفس أمارة بالسوء الشيطان حقيقة نوع من انواع هذا الامتحان الرباني لهذا الإنسان ,و البعض يسئل لماذا خلقتنا الله يجيبه لنعبد الله عز وجل , لنتكامل , لنتكامل يرجع يعيد السؤال ؟ لماذا خلقتنا لنتكامل ؟ كان ما خلقنا لنستريح من هذه الحياة , الجواب على هذا السؤال / الله عز وجل لا يسئل هذه الأسئلة، الله لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون  الله لا يسئل لماذا فعلت كذا وكذا، الله عز وجل حكيم لا يفعل خلاف الحكمة ،وعدل لا يجور، ورحيم لا يقسو على عباده، كما أنه خالقنا ولا يحق لنا أن نسأل من خلقتنا لا يمكن الاعتراض على الله عز وجل هذه مسائل لا يحق لنا الوقوف عندها

الله تبارك وتعالى أعرف لماذا خلقنا ليس مسئوليتنا هذا لا يحق للمصنوع أن يسئل الصانع

الأمر الواقع نحن موجودون نعيش فوضى؟ لا

خلقتنا عبثا؟ لا , خلق رسول ورساله خلقنا بدون هدف؟ لا

خلقنا للآخرة خلقتم للبقاء لا للفناء ما خلقنا لنموت وتنتهي المسيرة ولكن تنقلون من دار إلى دار.

علينا أن ننظر في هذا أما لماذا خلقتنا؟ أصلا ليس مسؤوليتنا ولو الدنيا كلها يعصرون ادمغتهم الله يدري أن صنف من الناس للجنة و صنف من الناس للنار فلهذا احتج عليه بالعقل, عقل الإنسان محدود كسمعه وبصره فالمحدود لا يمكنه ادراك ادراك اللامحدود

علينا أن نعرف طريق الوصول الى الحق, صحيح لا يعرف ما هو إلا هو العقل يدرك ويدرك إلى أن يقف ،الإنسان يدرك وجود الله يدرك بفعله بوجود شريعة, يركه بآياته، فيدرك ان الأمور لا تترك سدى لابد من آخره, لابد من حساب وكتاب هذا القدر الذي يدركه العقل نحن مكلفين به, أكثر من هذا نحن غير مكلفين الشيطان قد يدخل ويسول لهذا الإنسان من هذه النقاط ويربك عقله لا ! لا تجعل للشيطان عليك سبيلا

الشيطان  فلسفة وجوده/ أنه نوع من الابتلاء الرباني  الله شاء أن يبتلي هذا الإنسان حتى يتم عليه هذا الامتحان والتكليف يعني مثل ما جعل له عقل وجعل له فرقان يميز به الخير من الشر وجعل له نزوع يدفعه للخير وزوده بكتب ورسل..الخ  في مقابل هذا أيضا امتحنه فيما امتحنه: امتحنه بالشيطان ولكن ماهي وظيفة الشيطان ؟ قسم من الناس يتصور أن الشيطان يسلب إرادة الإنسان , أبدا الشيطان لا يستطيع سلب إرادة الإنسان أبدا: الشيطان هو قال } فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين { لا يستطيع الشيطان وحده أن يفعل شيئا لولا أن الله يأمر ببقائه ثم الشيطان أساسا كيده كيدا ضعيفا ( أن كيد الشيطان كان ضعيفا) لكن ضعيف إذا كانت هناك موازنه في المعركة موازنة في المواجهة طبيعي في كل مواجهه إذا لم يكن هناك مكافئه سيكون الغالب هو الأقوى قد يكون هذا الجانب ضعيف في نفسه ولكن الطرف الآخر ضعيف فيغلبه هذا الضعيف.

الشيطان أساسا كيده كيد ضعيف ولكن الإنسان إذا لم يمتلك الضمانات الكافية لمواجهة هذا الكيد سينهار قال تعالى } أنه ليس له سلطان على الذين أمنوا{  يعني الإنسان الذي عنده إيمان قوي لن يستطيع عليه ابليس، ابليس ليس له سلطة على سلب الإرادة ولكن المسائلة موكوله إلى مدى مناعة هذا الإنسان من بلغ الأربعين من عمره ولم يتب مسح ابليس على وجهه ويقول (يأبى وجه لا يفلح أبدا) يقول الإنسان إذا بلغ الأربعين بلوغه الأربعين سببا لمواجهة الشيطان لأن يعيد النظر في نفسه وان يندم على ما مضى العمر كم هو قيمته وكم عمر الإنسان أساسا ؟ الأن  اسأل ابن الأربعين متى ولدت ؟ يقول أمس؟ كرر السؤال على ابن الستين يجيب نفس الشيء العمر عمر يسير صغير الإنسان المفروض إذا بلغ الأربعين أن يعيد النظر في عمره, الإنسان دائما مطالبا في إعادة النظر ابن العشرين وابن الثلاثين ولكن الإنسان ابن 20 أو 30 قد يقال في بدء إقباله على الدنيا وله طموحات ومغريات ..الخ  فلربنا غفلاته تكثر ولكن إذا بلغ الأربعين المفروض تقل هذه المغريات ثم الإنسان والعياذ بالله إذا تقدم بت العمر ولم يتب كان الإقلاع عن المعصية أصعب المفروض يعالج نفسه وابن الأربعين لأنه إذا تراخى واستسلم للمعاصي فإن المعاصي تتمكن منه أكثر وأكثر فيصعب عليه تركها )  إذا شاب ابن آدم شب معه خصلتان : حب الدنيا وطول الأمل ) الانسان كلما تراخى في ترك المعصية زينت له الدنيا وأصبح متعلقاً بها, ولكن اذا أستخدم المؤهلات الي الله تبارك وتعالى زوده بها التي من أقدسها نعمة العقل يستطيع ان يرتقي بها الى اعلى المقامات القدسية وسطر لنا التاريخ اروع الأمثلة في تربية النفس والترفع عن حطام الدنيا السيد الخميني قدس الله روحه الشريفة لم يملك دار لنفسه رغم امتلاكه أعلى سلطة في أيران بعد انتصار الثورة الإسلامية فيها بقيادته, فقد عاد منتصراً على حب الدنيا قبل انتصاره على الشاه حيث استأجر في قرية في طهران بيتا من احد مقلديه ومحبيه. قال الامام: خذ البيت هدية وهبة, فأبى إلا ان يكون مستأجرا وبذاك خط رسالته الى اقرانه الحكام, كيف يملك الحاكم السلطة, ولكنه يكون زاهداً في سفاسف وزبرج الدنيا

النتيجة/ النفس إما أن تقودها مغناطيسية الجسد (الثابت الارضي) فيصبح الانسان كما في قوله

(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَايَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)  الأعراف: ١٧٩

أو ان تقودها الروح(الثابت الملكوتي) فتصبح النفس في موطن نسبه الله الى نفسه(فنفخت فيه من روحي) حال الارتحال الدائم الى الروح, عندما نقف عند النموذج علي ابن ابي طالب عليه السلام :قرآناً ناطق, فصاحة خارقة, شجاعة مفعمة, في كل شيء هو الأوج هو النموذج أي نفس هي هذه؟ نفس أتصلت بعالم الملكوت مباشرة، لم تشدها مغناطيسية الجسد إطلاقاً إلا بمقدار(قوي على العزيمة جوارحي) يأكل ويشرب ليبقى هناك في الملكوت الاعلى.

فهذا هاني رضوان الله عليه يجر الخطى ببصمة قدر قيدتها روحه، بأجنحة تسابق بها الملائكة لترتمي بأحضان العدالة، فتخبره هناك تركته وحيدا ، ولكن أصحيح تركه وحيد يجابه القوم؟!