مفهوم العجلة في حياتنا ـ القسم الأول

img

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.. واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين..

يقول تعالى في محكم كتابه الكريم (فَلَا تَعْجَل عَلَيهِم إِنَّما نَعُدُّ لَهُم عَدًّا)

الآية المباركة من سورة مريم وهي من السور المكية والسور المكية هي التي نزلت على النبي “ص” في مكة وغالبا ماتتحدث السور المكية عن قصص الأنبياء السابقين ورُوي في فضل قراءة سورة مريم عن عمرو ابن أبان عن أبي عبدالله “ع” قال:

(من أدمن قراءة سورة مريم لم يمت حتى يصيب منها ما يعينه على نفسه وماله وولده وكان في الآخرة من أصحاب عيسى ابن مريم “ع” وأُعطي في الآخرة مثل ملك سليمان بن داوود في الدنيا) .

هذه الآية الشريفة (فلا تعجل عليهم …إلخ) فيها خطاب من الحق جل وعلا لنبيه الكريم (ص) : فلتطب نفسك يا محمد ولا تستعجل لهم العذاب (للكافرين) فإن مدة بقائهم قليلة فإنا نعد لهم الأيام والسنين.

البعض من أهل العامة لهم عدة أقوال  في  معنى العد: فقيل بأن المراد منها عد الخطوات وقيل اللذات وقيل اللحظات وقيل الساعات.

روى ابن فهد الحلي عن خاتم الأنبياء (ص) ما مفاده أن ساعات العمر للإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام : إحدى هذه الساعات هي التي عندما تُعرض صورتها الملكوتية أمام الإنسان فإنها تُشعر المؤمن بالفرحة والسرور وهي الساعة التي انشغل فيها بذكر الله تعالى كان خلالها في المسجد , كان خلالها صائما في شهر رمضان, كان موجودا خلالها في إحدى المجالس برفقة أهل الإيمان وكل عمل أديته في سبيل الله وكل كلام قلته في سبيل الله وكل توبة بادرت إليها في سبيل الله فسوف تراها جميعا ثابتة وموجودة.

أما الساعة الأخرى التي عندما يراها الإنسان فإنه يشعر باللوعة والأسى إلى درجة أنه إذا وزعت هذه اللوعة على جميع أهل الجنة لتأثر أهل الجنة جميعا بها , وهي الساعة التي كان يرتكب الذنوب خلالها فإن جميع أعضاء الإنسان وجوارحه تشهد عليه وعلى كل عمل قد أقدم عليه الإنسان , هناك رواية تفيد بأن الإمام (ع) يقول مامفاده : عندما يتوب أحد من الناس يصدر أمر تكويني من قبل الحق إلى الكرام الكاتبين وإلى الأعضاء والجوارح مفاده ألا تشهدوا على ذنبه غدا في يوم القيامة وذلك لأن عبدنا قد اعتذر من عمله وتاب.

الساعة الثالثة: فهي بمثابة الحد الوسط, أي لافرحة ولا أسى وهي الساعة التي انشغل الإنسان فيها بالمباحات أي أنه لم يقدم فيها لا على طاعة ولا على معصية , لكن الإنسان في هذه الساعة سوف يتحسر على كونه لم يؤدِ عملا مضيئا في هذه الساعات, لذا نقرأ في دعاء مكارم الأخلاق ” ونبهني لذكرك في أوقات الغفلة”.

نعود للآية : (فَلَا تَعْجَل عَلَيهِم إِنَّما نَعُدُّ لَهُم عَدًّا)

يقول صاحب الكافي : سُئل الإمام الصادق “ع” عن قوله تعالى : إنما نعد لهم عدا” قال “ع” : ما هو عندك؟ قال السائل: عدد الأيام  قال “ع”: إن الآباء والأمهات يحصون ذلك لا, ولكنه عدد الأنفاس .

يقول القرطبي: إن أنفاس ابن آدم بين اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس اثنا عشر ألف نفس في اليوم واثنا عشر ألفًا في الليلة والله أعلم فهي تعد وتحصى إحصاءًا ولها عدد معلوم وليس لها مدد فما أسرع ماتنفد .

فلا تعجل يا محمد على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم إنما نعد لهم عدا وإنما نؤخر إهلاكهم ليزدادوا إثما ونحن نعد أعمالهم كلها ونحصيها حتى أنفاسهم لنجازيهم على جميعها.

لذا توهم بعض الهنود بأن هناك علم يسمى علم حصر الأعمار بالأنفاس فيرتاضون بحبس النفس وتقليلها ويستعينون على ذلك بترك الأطعمة الحيوانية من اللحم واللبن والبيض وغيرها, والإقتصار على الأغذية النباتية إلى أن يبلغوا حد يكتفون في يوم أو يومين بل أيام عديدة بنفس واحد تحتبس في أدمغتهم فلا يتحلل شيء من أبدانهم أصلًا ويزعمون أنه ينكشف عليهم حينئذٍ شيء من الحقائق والمعارف , ولهم في ذلك قصص خيالية لا واقع لها ولا يمكن للعقل تصديقها.

والذي يدلل على أن الأنفاس معدودة قوله تعالى : (فَسئَلِ الْعَآدِّينَ)

والمراد بالعادين الملائكة الذين يعدون الأنفاس .

نلاحظ في الآية الشريفة لفتة لخصلة سيئة في الإنسان وهي العجلة, ورب العزة إذا خاطب نبيه بها فلا يعني إتصاف النبي بهذه الصفة_ معاذ الله_ وإنما هي من باب إياك واسمعي يا جارة , فكما هو معروف إن العجلة من الشيطان والأناة من الله ووردت لفظة (عجل ) في عدة موارد في القرآن الكريم باختلاف مناسباتها منها قوله:( وَلَا تَعْجَل بِالْقُرآنِ) وقوله: (وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرْضَى)

والظواهر في ذم العجلة أكثر من أن تحصى ولذلك أفتى بعض علماء العامة بالمنع من التعجيل لمن خاف فوت صلاة الجمعة والسر في شدة ذم العجلة أن الاعمال ينبغي أن تكون بعد المعرفة والبصيرة وهما موقوفان على المهلة والتأمل , فمن يستعجل في أمر يُلقي الشيطان شره عليه من حيث لا يدري , والتجربة شاهدة بأن كل أمر يصدر على العجلة يوجب الندامة والخسران , وندلل على أن العجلة أمر شيطاني فقد روي أنه لما ولد عيسى “ع” أتت الشياطين إبليس فقالت: أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال إبليس: هذا حادث قد حدث , مكانكم_فطار إبليس حتى جاء خافقي الأرض فلم يجد شيئا_ ثم وجد عيسى “ع” قد ولد وإذا بالملائكة قد حفت حوله فرجع إليهم فقال: إن نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا (يقصد النبي) فايأسوا أن تُعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل العجلة والخفة.

وعن الإمير “ع”: إنما أهلك الناس العجلة ولو أنهم تثبتوا لم يهلك منهم أحد

وأيضا نرى القاضي إذا أراد ان يحكم على قضية ما فإنه يتثبت وينظر في الأمر

لذلك كتب “ع” إلى واليه في مصر الأشتر النخعي كتابا مطولا وكان من ضمنه وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها

لذلك سميت الدنيا بالعاجلة لأنها تعجل لمن تبعها الهلاك والذل قال تعالى:( كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلةَ)

هذا إذا كانت العجلة في أمور تحتاج إلى التريث والتمهل والأناة , لكن هناك أمور يستحب الاستعجال فيها كأداء الدين فمادام الإنسان مقتدرا على أداء دينه فيستحب أن يعجل في دفعه لأهله وتعد من أهم الواجبات الإلهية وقد وعد الله عليها بالثواب والأجر العظيم قال “ص”: من ردَّ درهما إلى الخصماء أعتق الله رقبته من النار, وأعطاه بكل دانق ثواب نبي وبكل درهم مدينة من درة حمراء”

الكاتب هدى الميرزا

هدى الميرزا

مواضيع متعلقة