من سيرة الحسين: کيف صار يوم عاشوراء يوم حزن ومصيبة؟

img

روى الصدوق(ره) في کتاب العلل، بسنده إلى عبدالله بن الفضل الهاشمي، قال: قلت لأبي عبدالله(ع): يا ابن رسول الله: کيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبکاء؛ دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله(ص)، واليوم الذي توفيت فيه فاطمة(ع)، واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين(ع)، واليوم الذي توفي فيه الحسن(ع)؟

فقال: «إن يوم قتل الحسين أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام، وذلک أن أصحاب الکساء(ع) الذين کانوا أکرم الخلق على الله «جل وعلا» کانوا خمسة، فلما مضى عنهم النبي(ص) بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عزاء وسلوة، فلما مضى أمير المؤمنين کان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة، فلما مضى الحسن کان للناس في الحسين عزاء وسلوة.

فلما قتل الحسين(ع) لم يکن بقي من أصحاب الکساء أحد للناس فيه عزاء وسلوة، فکان ذهابه کذهاب جميعهم، کما کان بقاؤه کبقاء جميعهم، فلذلک صار يومه أعظم مصيبة».

قال الهاشمي: أفلم يکن في علي بن الحسين (عليهما السلام) عزاء وسلوة مثل ما کان لهم في آبائه الماضين؟

فقال: «بلى إن علي بن الحسين کان سيد العابدين، وإماماً وحجة على الخلق بعد آبائه الماضين، ولکنه لم يلق رسول الله(ص)، ولم يسمع منه، وکان علمه وراثة عن أبيه عن جده عن النبي(ص)، وکان أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(ع)، شاهدهم الناس مع رسول الله(ص) في أحوال تتوالى، فکانوا متى نظروا إلى واحد منهم تذکروا حاله مع رسول الله(ص)، وقول رسول الله(ص) له وفيه، فلما مضى فقد الناس مشاهدة الأکرمين على الله تعالى، ولم يکن في واحد منهم فقد جميعهم إلاّ في الحسين(ع)؛ لأنه مضى في آخرهم، فلذلک صار يومه أعظم الأيام مصيبة».

أقول: وقد أوضح هذا القول نداء زينب(ع) يوم العاشوراء: (اليوم مات جدي محمد المصطفى، اليوم مات أبي علي المرتضى، اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء، اليوم مات أخي الحسن المجتبى، يا بقية الماضين، وثمال الباقين).

کما أن هذا السؤال يدل بدوره على أن أهل البيت(ع) يتخذون يوم العاشوراء يوم حزن ومصيبة، ولکن على جهة التستر والإستخفاء؛ لشدّة الضغط من أعدائهم، واستمر ذلک سنةً في محبيهم، ولکن على حذر من أعدائهم، حتى جاء زمن آل بويه، فتظاهرت الشيعة بالمآتم الحسينية، وأخرجت المواکب العزائية في الطرقات تحمل الأعلام السود.

وفي سنة (352)، وسنة (356) هجرية: أمر معز الدولة ورکن الدولة البويهيين في يوم عاشوراء بتغليق الأسواق، وعقد المآتم في بغداد علانية، وخروج مواکب العزاء ليلاً وبأيديهم المشاعل.

وکان ذلک الزمان حافلاً بأکابر العلماء کالشيخ المفيد، وابن قولويه، والسيدين الإمامين الرضي والمرتضى، فلم ينهوا عن شيء مما عمله الشيعة؛ بل ودافعوا عنه بحججهم الواضحة وبراهينهم الساطعة.

فروي عن الشيخ المفيد& أنه قال لمن اعترض على هذه المظاهر الحسينية من زيارة ومأتم عزاء وبکاء: إنا نخشى أن تُنسى واقعة کربلاء، کما نسيت بيعة الغدير. فدلت مساندة هؤلاء الأعلام على رجحان هذه الأمور، أو جوازها على الأقل.

وکذلک کانت الدولة الفاطمية أيام تملکها على أفريقيا ومصر، کانوا يکثرون النوح والبکاء على الحسين(ع)، ويعطلون الأسواق في أيام عاشوراء؛ کما جاء في الخطط للمقريزي.

وفي عصر الصوفيين والقاجاريين: تقدمت المآتم الحسينية والمواکب العزائية تقدماً باهراًَ؛ في إيران والهند والعراق وغيرهم من سائر الأقطار.

وستبقى هذه المآتم خالدة إن شاء الله، وسيکون بقاؤها مصداقاً لما روي عن رسول الله(ص) أنه قال لحبيبته فاطمة(ع): «يقتل ولدک الحسين في زمان خال مني ومنک ومن أبيه وأخيه». قالت: «فمن يبکي عليه ويقيم عزاءه»؟ قال: «إن الله سيخلق له شيعة کراماً يقيمون عزاءه جيلاً بعد جيل»

قال السيد الأمين(ره):

(وليس أعجب ممن يتخذ يوم العاشورء يوم فرح وسرور واکتحال، وتوسعة على العيال؛ لأخبار وضعت في زمن الملک العضوض، اعترف بوضعها النقاد، وسنها عدو الله الحجاج، وأي مسلم تطاوعه نفسه، أو يساعده قلبه على الفرح في يوم قُتل فيه ابن ابنة نبيه، وبماذا يواجه رسول الله(ص)، وبماذا يعتذر اليه وهو مع ذلک يدعي محبته؟ ومن شروط المحبة: الفرح لفرح المحبوب، والحزن لحزنه).

فيا رب زدني في هواهم محبة

****

وزد حبهم يا رب في حسناتِ

الكاتب الشيخ عبد الحميد المرهون

الشيخ عبد الحميد المرهون

مواضيع متعلقة