فعالية المرأة في المجتمع- (الزرقاء مثالا)

img

كان العالم الإسلامي اليوم يعاني من أزمة فعالية المرأة في المؤسسة الاجتماعية. فإن ثمة شيئاً من ذلك لم يكن موجوداً في المجتمع الإسلامي بين عفتها وطهارتها وكرامتها.

ومشاركتها الفعالة في ميدان الحياة مع اختلاف ألوانها وتعدد مجالاتها، رغم ما تتطلبه تلك المشاركة من عزيمة جبارة وعناء كبير حتى وصلت إلى أعلى مدارج المشاركة الفعالة. ولذلك لم يكن غريبا أن تتكامل البنية الاجتماعية حينها؛ لترسم صرحا حضاريا هائلا أضحى أفقا واسعا ينير للأجيال دروبها رغم تلك الظروف الصعبة التي مرت بها تلك المرحلة التاريخية من حروب ضارية ونزاعات شديدة.

بيد إننا لا نرى أحيانا إغناء حقيقا اهتم به المؤرخون في تاريخنا الإسلامي لدور المرأة فلم تستهدف كبحث من قبلهم بل في أغلب الأحيان كانت المرأة تذكر ضمن سياق تاريخي لواقعة ما أو حدث تاريخي معين.

وبالرغم من كل ذلك فقد سطر لنا التاريخ أمثلة رائعة برزت فيها المرأة المؤمنة وشملت كافة الأدوار التربوية والاقتصادية والسياسية والعلمية فتطاول دورها حتى وصل إلى أعلى المراتب المتمثل في مساندتها ووقوفها مع النبي| أو الإمام المعصوم.

ومن الأمثلة الرائعة على ذلك الزرقاء بنت عدي الكوفية التي ساندت أمير المؤمنين في كل مواقفه وشاركته في حروبه وسطرت أروع البطولات في الشجاعة والفصاحة والبلاغة.

حتى إن معاوية وهو المتربع على كرسي الحكم في الشام كان يقلقه دور الزرقاء الموالية لأمير المؤمنين والمدافعة والمناصرة له وهي بالكوفة.

فعن عبد الله بن عمر الفساني عن الشعبي. قال: حدثني جماعة من بني أمية ممن كان يسمر مع معاوية ذات ليلة مع عمرو وسعيد وعتبة والوليد؛ إذا ذكروا والزرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الهمداني ـ امرأة كانت من أهل الكوفة وكانت شهدت مع قومها صفين فقال: أيكم يحفظ كلامها؟ قالوا: نحن نحفظه يا أمير المؤمنين. قال فأشيرو علي في أمرها. فقال بعضهم: نشير عليك بقتلها  قال: بئس الرأي أشرتم به علي! أيحسن بمثلي أن يتحدث عليه أنه قتل امرأة بعد ما ظفر بها؟ فكتب إلى عامله بالكوفة ليوفدها إليه في ثقة من محارمها. فلما ورد الكتاب إلى أمير الكوفة ركب إليها فأقرأها الكتاب فذهبت إلى معاوية في وفد من أربعين رجلا من فرسان قومها. فلما دخلت عليه ـ وهي في عقدها السادس من العمر ـ أدلت بآرائها وحاورته بثبات راسخ وعزيمة قوية وحجة قاطعة فكان لها معه الحوار التالي: معاوية: هل تعلمين لم بعثت إليك؟

الزرقاء: سبحان الله أنى لي بعلم ما لا أعلم؟ وهل يعلم مافي القلوب إلا الله؟

معاوية: بعثت إليك لأسألك. ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صفين بين الصفين. توقدين الحرب وتحضين على القتال؟ فما حملك على ذلك؟

الزرقاء: إنه قد مات الرأس وبتر الذنب. والدهر ذو غير ومن تفكر أبصر والأمر يحدث بعد الأمر.

معاوية: صدقت. فهل تحفظين كلامك يوم صفين؟

الزرقاء: ما أحفظه.

معاوية: ولكني والله أحفظه لله أبوك.

لقد سمعتك تقولين: أيها الناس إنكم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم. وجارت بكم عن قصد المحجة فيا لها من فتنة عمياء صماء بكماء لا تسمع لناعقها ولا تنساق لقائدها. إن المصباح لا يضيء في الشمس. ولا تنير الكواكب مع القمر. وإن البغل لا يسبق الفرس. وإن الزف لا يوازن الحجر ولا يقطع الحديد إلا الحديد ألا من استرشدنا أرشدناه ومن استخبرنا أخبرناه.

أيها الناس إن الحق كان يطلب ضالته فأصابها.

فصبرا يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص. فكان قد اندمل شعب الشتات. والتأمت كلمة العدل ودمغ الحق باطله. فلا يجهلن أحد فيقول: كيف العدل أني؟ ليقضي الله أمراً كان مفعولا. ألا وإن خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء. ولهذا اليوم وما بعده والصبر خير في الأمور عواقبها. إيها إلى الحرب قدما غير ناكصين. ولا متشاكسين.

ثم قال معاوية: والله يا زرقاء! لقد شركت عليا في كل دم سفكه.

الزرقاء: أحسن الله بشارتك. وأدام سلامتك! مثك من بشر بخير وسر جليسه.

معاوية: أيسرك ذلك؟

الزرقاء: نعم والله لقد سرني قولك فأني لي بتصديق الفعل.

معاوية: والله لوفاؤكم له بعد موته. أعجب من حبكم له في حياته.

الكاتب الشيخ عبد العال

الشيخ عبد العال

مواضيع متعلقة