الرسالةُ العاشورية (في تحقيق صوم عاشوراء) ـ 10
تأليف: العلامة المحقق الشيخ أحمد بن صالح آل طعّان البحراني القطيفي& (ت 1315هـ)
وبالجملة، فلا أرى بحسب الفهم القاصر وجهاً لكلامه النيّر الزاهر سوى هذا الوجه الظاهر.
أمّا على ما نقلناه من لفظ (المصباح)، من تصريحه× بالتقييد بصلاة العصر، فظاهر ظهور نور الصباح المغني عن نور المصباح، لأنّ صلاة العصر من الألفاظ المحكمة الصراح.
وأمّا على ما نقلتموه من قولكم: بعد العصر، من دون تصريح بلفظ المضاف، فهو غير مُناوِيءً لما قلناه، ولا مُنافٍ:
أمّا أوّلاً: فلظهور كون العصر عَلَماً بالغلبة على الصلاة على حدّ غيره من الأوقات، كالصبح، والظهر، وسائر الأوقات.
وأمّا ثانياً: فلعدم صلوح شيء من المعاني اللغويّة المذكورة للعصر في هذا المقام، إذ معانيه التي لها مناسبة مّا بالمرام لدلالتها على الزمان دون سائر المعاني الخارجة عن حرم هذا العنوان إنّما هي الدهر، واليوم والليلة، والعشي إلى إحمرار الشمس، والغداة، هكذا في (القاموس)([1]) الذي هو أبسط كتب اللغات، وأنت خبير بعدم صلوحها للانتظام في سلك الاستدلال، وببعدها عن دائرة الاعتدال.
أمّا الدهر والليلة والغداة، فظاهر لكلِّ ذي التفات.
وأمّا اليوم: فلما قرع سمعك من نهيه× عن جعله صوم يوم كامل، فلو فسّر العصر به لزم عكس المطلوب الذي هو عن قبلة القبول زائل.
فلم يبقَ إلّا معنى العشيّ الذي هو في اللغة: من بعد زوال الشمس إلى غروبها، كما في (مجمع البحرين)([2])، و(النهاية)([3]) و(الغريبين)([4])؛ أو ما بين زوالها إلى غروبها كما نقله عن المغرب في (مجمع البحرين)([5])؛ أو آخر النهار كما في (القاموس)([6])، ونسبه في (المجمع)([7]) إلى المشهور؛ أو من زوالها إلى الصباح كما نسبه في (النهاية)([8]) إلى القيل.
وعلى كلّ المعاني فهو منطبق على ما قلناه ومؤيّد لما ذكرناه، ولما سمعت من امتداد العصر إلى ذينك الوقتين قيّده الإمام× بمضي الساعة فقط احترازاً عن إتمام اليوم الذي يلزم بسببه ولو حصول صورة الصوم الذي فيه ما فيه من الوعيد واللوم.
نعم، على تفسير العصر بآخر النهار والبقاء على الإمساك إلى مضي ساعة بعده يلزم استغراق النهار، اللّهم إلّا أن يحمل آخر النهار على النصف الثاني منه؛ إمّا من باب مجاز المشارفة، أو من باب تسمية الكلّ باسم البعض، فلا إشكال.
وعلى كلِّ حال فلابدّ من الإفطار قبل وقت الإفطار من الصيام ليحصل الامتثال ويخرج من الإشكال، والله العالم بحقيقة الحال.
وأمّا الساعة: فقد تطلق على الجزء القليل من النهار أو الليل، كما يقال: جلستُ عنده ساعة من النهار، أي: وقتاً قليلاً، وقد تطلق على مطلق الوقت والحين طال أمر قصر، وعلى الوقت الحاضر أيضاً، وقد تطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءً هي مجموع اليوم والليلة لكلٍّ منهما اثنا عشر، وتنقسم هذه إلى مستوية ومعوجّة.
فأمّا الساعة المعتدلة: فهي التي يختلف عددها ولا يختلف قدرها وكميّة أجزائها أبداً، بل أجزاء كلّ ساعة منها خمسة عشر جزءً، عبارة عن خمس عشرة درجة، وذلك أنّ قوس الليل والنهار ثلاثمائة وستون درجة، فإذا قُسّمت على أربعٍ وعشرين ساعة حصل حصّة الساعة خمس عشرة درجة.
قيل: والدرجة ستون دقيقة، والدقيقة: قدر قولك: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ربّ العالمين، مرتّلاً.
فيكون قدر الساعة من هذه الكلمات سبعمائة مرّة، وبهذا التقدير يتقدّر جميع النهار.
وقيل: إنّ الدقيقة قدر قراءة التوحيد قراءة متوسطة، وقيل: قدر التسبيحات الأربع خاصّة، والله العالم.
وأمّا الساعة المعوجّة: فهي التي يختلف مقدارها ولا يختلف عددها، بل لكلٍّ من الليل والنهار منها اثنا عشر، طالا أم قصرا؛ وإنّما سُمّيت معوجّة لاختلاف مقاديرها باختلاف الأيام طولاً وقصراً، وتُسمّى أيضاً بالساعات الزمانية، لأنّها نصف سدس زمان النهار أو الليل.
يتبع…
___________________________
([3]) النهاية (ابن الأثير) 3: 242.