وحدة الجماعة ضرورة إسلامية ـ 08
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
حديث «كتاب الله وعترتي»
وهذه العترة التي كثيراً ما قرن رسول الله| بينها وبين القرآن الكريم في رواياته، فقال في حديث من جملة أحاديث مروية عنه|، ثابتة الصحة: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً. ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»([1]).
وهو| إنما يريد بهذا القول الشريف أن يبين للمسلمين كافّة مكانة هذه العترة منه| ومن الإسلام، وأنها عنوان جامع لوحدتهم، واجتماع كلمتهم، وتوحيد صفّهم إذا ما اتّبعوهم ووادّوهم كما هو الأمر القرآني الشريف الذي ينصّ على أنه| كان يطلب منهم أن يوادّوهم أجراً على رسالته([2]) دون أن يريد منه أجراً ماليّاً أو دنيويّاً مادّيّاً. فألم يئن الوقت لنلتفت إلى هذه الحقيقة الناصعة، وهي أن هذه المسألة قد أخذت حيّزاً كبيراً من اهتمامات الرسول الأكرم|، وهي مسألة إبراز أهمية هذه العترة الطاهرة المطهّرة من الرين والرجس والإثم والدنس ([3])، التي لم تلبس من مدلهمات الجاهلية، ولم تتنجس بأرجاسها ([4]).
وهذا هو السبب الذي حدا نبي الإسلام رسولنا وحبيبنا الأعظم محمد ابن عبد الله| إلى التأكيد على أهمية هذه العترة في حياة المسلمين جميعاً، وقيام دولتهم واتّحادهم، واجتماع كلمتهم، فهو أمر من الأهمية بمكان بحيث إنه| كان وما فتئ حتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى في مقعد صدق يؤكّد عليه، ويحثّ المسلمين كافّة على امتثال تعاليم الله سبحانه وتعالى وأوامره الواردة إليهم عبره| بهذا الخصوص.
معارضة حديث «كتاب الله وعترتي»
ومع كل ما نجده من تأكيد منه| على ضرورة اتّباع العترة وقرن شأنها بالقرآن الكريم نجد أن البعض أرادوا أن يحرّفوا مؤدّى هذا الحديث الشريف ـ هو من أساليبهم التي رأينا أنها قد استخدمت مع القرآن الكريم في إفراغ محتواه كما مر بنا، وقد عاد البعض لممارسة هذه المعالجة البائسة مع سنة رسول الله|؛ لإفراغها من محتواها كذلك ـ ليذكروا أو يرووا أن الحديث ليس كذلك، بل إنه قد ورد عنه| بلفظ: (كتاب الله وسنتي). وهكذا فإننا نكون قد أصبحنا أمام محاولة اُخرى من محاولات هؤلاء لإفراغ الدين الإسلامي من مضامينه السامية، ومفاهيمه الراقية التي أودعها الله تبارك وتعالى ورسوله| فيه.
وهي كما ذكرنا محاولة بائسة الهدف منها حرف مجرى الإسلام عن منبعه ومصبّه، وحرف الفكر الإسلامي عند أبناء هذا الدين عن مساره الصحيح والطبيعي؛ اتّباعاً لهوى النفس، أو لأمر دنيوي مرتكز إلى طلب مال أو لهاث خلف سلطان وكرسي، أو نتيجة بغض وحقد على أهل هذا البيت النبوي المطهر^.
الرد على هذه الفرية
ونقول في مقام الرد على هذه الفرية: إن الحديث المشتهر بين المسلمين عامة من أهل السنة، فضلاً عن كونه كذلك هو المسلّم عند الإمامية أنه| جاء به بلفظ: «كتاب الله، وعترتي أهل بيتي»، وأنا على استعداد كبير لأن اُرشد من يريد أن اُرشده إلى المصادر التي تروي هذا الحديث بهذه العبارة، وهذا النص من كتب الصحاح ([5])عندهم، وكتب التفسير ([6]) كذلك، وغيرها من الكتب([7]) التي عالجت هذا الموضوع أصالة أو استطراداً ([8]) . إذن فمن الروايات الحاثّة على اتباع العترة الطاهرة المطهرة قوله| الآنف: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً. ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».
وفي رواية اُخرى: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي…»([9]).
فلسفة كون العترة عدل الكتاب
إن الدارس حينما يتنبه إلى قوله| الآنف: «كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي…»، فإن هذا يعني أنه| قد جعل العترة عدل الكتاب، وكونها عدل الكتاب لا يؤدي إلّا إلى نتيجتين اثنتين ضروريتين، وهدفين كبيرين هامين هما:
الأول: أن للعترة ما للكتاب، وإذا كان الكتاب مصدراً من مصادر الوحدة بين المسلمين، فإن العترة النبوية المطهّرة (على جدّهم وعليهم أفضل الصلوات، وأتم التحيات والتسليمات) لها هذا الدور وهذه الوظيفة أيضاً؛ فهي تمثّل كذلك مصدراً هامّاً من مصادر الوحدة بين المسلمين.
الثاني: أن العترة هي الوحيدة التي لها حقّ حمل الكتاب وترجمة معانيه، وبيان غامضه ومبهم مبانيه.
يتبع…
_________________________
([1]) انظر أكثر صيغه وطرقه في فضائل الصحابة (ابن حنبل): 15، 22، مسند أحمد 3: 14 وغيرها، سنن الدارمي 2: 432، وغيرها.
([2]) قال عزَّ من قائل في كتابه الكريم: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ الشورى: 23.
([3]) قال عزَّ من قائل في كتابه العظيم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ الأحزاب: 33.
([4]) ورد في زيارة الإمام الحسين×: «أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الْأَصْلَابِ الشَّامِخَةِ وَالْأَرْحَامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا، وَلَمْ تَلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا». مصباح المتهجد 2: 689، 721، المزار الكبير (المشهدي): 421، 422، 514، 515، الإقبال بالأعمال الحسنة 3: 122، 129، البلد الأمين والدرع الحصين: 287، 288، المصباح (الكفعمي): 501، 502.
([5]) انظر: الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5: 328/ 3874، فضائل الصحابة (النسائي): 15، المصنف (ابن أبي شيبة) 7: 418 / 41، منتخب مسند عبد بن حميد: 108 / 240، الحوض والكوثر (ابن مخلد القرطبي): 137، كتاب السنة (ابن أبي عاصم): 337 / 754، 629 / 1549، 630 / 1555، السنن الكبرى (النسائي) 5: 45 / 8148، 130 / 8464، خصائص أمير المؤمنين× (النسائي): 93،المعجم الكبير 3: 66، 154، المعجم الأوسط 4: 33، المعجم الأوسط 5: 89، المعجم الصغير1: 135، الفايق في غريب الحديث1: 150، جزء بقي بن مخلد: 137.
([6]) الكشف والبيان عن تفسير القرآن 9: 186، تفسير السمعاني 5: 329، معالم التنزيل في تفسير القرآن 4: 271، الكشف والبيان المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 5: 230، تفسير البحر المحيط 8: 192، تفسير القرآن العظيم 4: 122، 123.
([7]) أصول السرخسي 1: 315، المحصول في علم الاُصول 4: 170، الإحكام في اُصول الأحكام (الآمدي) 1: 246.
([8]) وكذلك يمكن الرد في المقام على هذه الفرية بأن رسول الله| في مرضه الذي توفي فيه قال: إيتوني بدوات وكتف أكتب لكم كتابا فرفض عمر ذلك وقال: حسبنا كتاب الله. ثم إنه ثبت في تاريخنا أن في زمن الخلافة الراشدة أيام الثلاثة قد منعت تدوين الحديث، فإذا كان الأمر كذلك وأن الحديث ليس له تلك الأهمية حتى إنه منع رسول الله| من تدوين شيء فيه نفع للمسلمين وانقاذ لهم وعدم الظلالة، وكذلك رفض تدوين الحديث، فلماذا إذا يصروا هؤلاء على أن الحديث هو وسنتي مع موقفهم هذا من السنة؟ إن هو إلا تناقض واضح وتهافت بيّن.
([9]) فضائل الصحابة (أحمد بن حنبل): 15، 22، مسند أحمد 3: 14 وغيرها، سنن الدارمي 2: 432، وغيرها كثير .