الإمام الحسين (عليه السلام) وذكر الله تبارك وتعالى

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

إن الإمام الحسين× كما يحدثنا المؤرخون حتى في أشدّ حالاته وأصعبها لم يترك ذكر الله تبارك وتعالى، كما حصل معه في اليوم العاشر من المحرم؛ حيث إنه× بقي يلهج بذكر الله تبارك وتعالى حتى رمقه الأخير، وحتى وهو يلفظ تلك النفس الزكية الطاهرة. يقول نافع بن هلال: مررت على الحسين، فرأيت جبينه مشرقاً، وشفتيه تتحركان، فأصغيت إليه فإذا هو يقول: «صبراً على قضائك يارب، ياغياث المستغيثين، لا معبود سواك، لك العتبى يارب»([1]).

وهكذا فإنه× لم يدع ذكر الله جل شأنه حتى في ذلك الموقف الصعب والعسير الذي من الممكن أن يفكّر فيه أي إنسان غيره بالحياة، وبما سيترك ويخلف فيها من متاعب ومن أهل وممّا يوفّره له ولأهله من وسائل البقاء فيها، وتجاوز الحال التي هو عليها ليستمر في تلك الحياة. لكننا مع ذلك نجد أنه× لم يلتفت إلى كلّ تلك الاُمور، بل إنه آثر أن يفارق الحياة الدنيا ولسانه لهج بذكر الله تبارك وتعالى؛ كي ينال قربه تعالى ورضوانه الأكبر.

وهذا هو الذي حصل، حيث إنه× فارق هذه الدار الفانية والتحق بالله جل شأنه حيث نعمته ورضوانه، وترك داره خالية ومحرابه خاوياً.. تلك الدار وذلك المحراب اللذين أفجعا قلوب بنات الزهراء÷ لما رجعن إلى المدينة، حيث نظرن إلى دار الإمام الحسين× فرأينها خالية، وكان محرابه فارغاً ليس فيه أحد بعد أن كان عامراً به وبذكر الله تبارك وتعالى، وبسويعات السحر التي يقضيها قائماً وقاعداً، وقارئاً للقرآن ومبتهلاً إلى الله جلّ شأنه.

وهنا راحت اُخته العقيلة الحوراء زينب÷ تجول وسط الدار ودموعها جارية:

أ اُخيّ هل لك أوبة تعتادنا *** فيها بفاضل برّك المعتادِ
أتُرى يعود لنا الزمان بقربكم *** هيهات ما للقرب من ميعادِ
أ اُخيّ كيف تركتني حِلف الأسى *** مشبوبة الأحشاء بالإيقادِ([2])

وتنتقل÷ من هذه الدار التي تحسّها كلّها لوعة وأسىً وحزناً إلى دار اُخرى لتجد اُم البنين جالسة وطفل العباس بين يديها وهي تضج إلى الله سبحانه:

لا تدعونّي ويكِ اُمّ البنينْ *** تذكّريني بليوثِ العرينْ
كانت بنون ليَ اُدعى بهم *** واليوم أصبحت ولا من بنينْ
أربعة مثل نسور الربا *** قد عالجوا الموت بقطع الوتينْ
يا ليت شعري أكما أخبروا *** بأن عباساً قطيع اليمنْ([3])

***

بعد هيهات دهري بيكم يعود *** أرد اشيل راسي بيكم ردود

***

بالأمس كانوا معي واليومَ قد رحلوا *** وخلّفوا في سويدا القلب نيرانا
نذر علي لئن عادوا وإن رجعوا *** لأملأن طريقَ الطفّ ريحانا([4])

________________________

([1]) ينابيع المودّة 3: 82.

([2]) الأبيات لأحمد بن الحسن الميثمي النجفي المعروف بالنحوي. أعيان الشيعة 2: 504.

([3]) أعيان الشيعة 4: 130، 8: 389، مقتل الإمام الحسين× (أبو مخنف): 181.

([4]) شجرة طوبى 1: 91، كربلاء فوق الشبهات: 85.

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة