فاجعة رضيع الحسين (عليه السلام) يوم الطف

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

وبناء على هذه العلاقة القوية التي أشرنا إليها آنفاً بين الرضيع والمرضعة فإننا نقول: إنه من غير المبالغ فيه ما جرى على الرباب< من ذهول وهي ترى ابنها مذبوحاً على يدي أبيه الإمام الحسين× بعد أن رجع به إليها يحمله وقد قطع سهم حرملة بن كاهل الأسدي وريده، فما إن رأته حتى فقدت وعيها، وقامت تجول حول مهد الطفل، وتهزّه دون أن تهدأ، فكانت تحرّك المهد وتندب رضيعها من المغرب حتى الصباح:

ورب مرضعة منهن قد نظرت *** رضيعها فاحص الرجلين في التربِ
تشوط عنه وتأتيه مكابدة *** من حاله وظماها أعظم الكربِ
فقلب هاجر إسماعيل أحزنه *** متى تشطْ عنه من حرّ الظما تؤبِ
وما حكتها ولا اُم الكليم أسى *** غداة في اليمّ ألقته من الطلبِ
هذي إليها ابنها قد عاد مرتضعاً *** وهذه في سقا بالبارد العذبِ
فأين هاتان ممن قد قضـى عطشاً *** رضيعها ونأى عنها ولم يؤبِ
بل آب مذ آب مقتولاً ومنتهلاً *** من نحره بدم كالغيث منسكبِ
شاركنها بعموم الجنس وانفردت *** عنهن فيما يخص النوع من نسبِ
كانت ترجّي عزاء فيه بعد أب *** له فلم تحظَ بابن لا ولا بأبِ
فأصبحت بنهار لا ذكاء له *** وباتت الليل في جوّ بلا شهبِ

فلمّا جن الليل جاءت سيّدتنا زينب÷ تتفقد النساء فلم تجد الرباب في خيمتها، فقد درّ صدرها لبناً حينما شربت الماء بعد أن اُذن لهم به، فخرجت من المخيم وهي ترجو أن يكون في ولدها صبابة من روح أو بقية من حياة لترضعه. فسارعت مولاتنا زينب÷ للخروج من المخيم للبحث عنها وإذا هي بفارس يدور حول الخيمة، فصاحت به: من أنت؟ قال: سيدتي أنا من معسكر عمر بن سعد، أمرني أن أحرسكم هذه الليلة. فاختنقت÷ بعبرتها، وقالت: أبعد عين أبي الفضل العبّاس أنت الذي تتولى حراستنا؟

ثم توجّهت إليه قائلة: هل مررت بأرض المعركة؟ فقال: نعم سيّدتي. فقالت: هل رأيت هناك امرأة؟ قال: لا يا سيّدتي، لكنني سمعت هناك أنيناً، ولعلّها المرأة التي تسألين عنها. فهرولت نحو أرض المعركة، وهي تنادي: ربابُ، أين أنت؟ فوجدتها جالسة، وقد أخذت جثّة رضيعها وأدنتها إلى صدرها، وهي تقول: بني، صدري يؤلمني، وقد درّ عليك لبناً. وقد أقبلت إليك لأني كنت أرجو أن أجد فيك رمقاً من حياة وبقية من روح، فها أنت مذبوح من الوريد إلى الوريد. فأخذت السيّدة زينب÷ بيدها، ثم دخلت بها إلى الخباء:

دايك ما يطيب وداي ابوك النوب *** داي اللي يسعّر ولو سبع اگلوب
حسبت احساب وحسابي طلع مگلوب *** سكنة ميسـرة وانت الفگد يرجاي

والذي يبدو من خلال ما تستعرضه بعض الروايات من أحداث الطفّ الأليمة أن هناك أكثر من رضيع قد قتل ذلك اليوم، فهذا شاعر أهل البيت^ يخاطب الإمام أمير المؤمنين× بقوله:

كم رضيع لك في الطفّ قضى

ولننظر إلى هؤلاء القوم أين وصلت بهم القسوة، حتى إنهم حينما جاؤوا إلى قطع الرؤوس، افتقدوا رأس عبد الله الرضيع، حيث قال لهم عمر بن سعد: إن الحسين قد قُتل له طفل اسمه عبد الله، فأين رأسه؟ قالوا: بلغنا أن أباه احتفر له بجفن السيف، وواراه في أرض المعركة. فقال: انبشوا الأرض برماحكم، وأخرجوه واحتزّوا رأسه، وجيئوني به. فنبشوا الأرض برماحهم، وأخرجوا جسد الرضيع، وفصلوا الرأس عنه برمح من تلك الرماح:

كلهم بلايا روس وا حزني عليهم *** محد عمل من الخلگ معروف بيهم
إلّا طيورٍ بالسما ترفرف عليهم
*** أفدي جسومٍ رضّضتها الأعوجيه

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة