وحدة الجماعة ضرورة إسلامية ـ 03
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
البحث الرابع: فرية قرآن الشيعة
ومن ضمن الادعاءات والدعوات التي تهدف إلى تمزيق صف المسلمين، وتفتيت وحدتهم، وفتّ عضدهم ما نسمعه بين حين وآخر، وفي أوقات متقاربة جدّاً حيث الدعوات التي تنطلق من هنا وهناك من أجل عدم تحقيق مبدأ الوحدة بين المسلمين الادّعاء على بعض أبناء هذا الدين ممن يشكلون طائفة كبيرة معتدّاً بها، وكيل التهم لهم كيلاً، ووسمهم بما ليس فيهم وليس منهم. أعني الشيعة بأن عندهم قرآناً مستقلّاً غير القرآن الذي يجتمع عليه باقي المسلمين، وأن الشيعة يحتكمون إلى معتقدات تختلف عن معتقدات باقي المسلمين. وقد سمعت قبل أيام شريطاً لأحد دعاتهم الذين ليس من شأنهم الّا ارتقاء المنابر لبثّ سمومهم من خلالها بين الناس ضد المسلمين كان يصرخ فيه قائلاً: إن الشيعة عندهم قرآن غير قرآننا هذا، وهذا القرآن موجود في السرداب الذي اختفى فيه الإمام المهدي× بزعمهم، وهم لا يخرجونه إلى الوجود حتى يخرج الإمام المهدي× فيخرجه معه.
وهكذا تتوالى منهم أمثال هذه الفرى والأكاذيب والأضاليل التي لا يبتغون من ورائها إلّا تمزيق وحدة صف المسلمين، والقضاء قضاء تامّاً على اُخوّتهم وتآلفهم، وتوادّهم وتحابّهم؛ وبالتالي القضاء على وحدتهم، مستغلين من أجل تحقيق هذا الهدف سذاجة البعض من العامة الذين يصدقونهم فيما يقولون، ومستفيدين من الإمكانات المادية والتكنولوجية الضخمة التي يوفرها لهم من يقف وراءهم من أجل تحقيق هذا الهدف. فهذه الجهات التي تقف خلفهم وتسندهم، وتدفعهم إلى القيام بهذا الدور القذر والمريض هي التي تحرّضهم دائماً وأبداً على تحقيق هذا الهدف الذي كان مبغضو الإسلام ومازالوا يفعلون كل ما في وسعهم وطاقتهم وقدراتهم من أجل تحقيقه.
الرد على هذه الفرية
ونقول في مقام نقض هذا الادعاء الكاذب، وهذه الدعوى الباطلة: نودّ هنا أن نسأل من على هذا المنبر الشريف هؤلاء الذين راحوا يعزفون هذه المعزوفة مذ كانوا وحتى اليوم دون كلل أو ملل أو خجل: إن لكم حقبة طويلة تمتد إلى ما يقارب الألف والأربعمئة سنة وأنتم تعزفون على هذا الوتر، وكأنكم تغردون خارج السرب، فهلا عثرتم على نسخة من هذا القرآن الذي تدّعون أننا نحتفظ به، ونرجع إليه، ونلجأ له، وهو يختلف عن قرآن المسلمين جميعاًا؟ وهل بإمكانكم أن تدلّونا على مسجد واحد من مساجدنا، أو بيت من بيوتنا، أو هيئة من هيئاتنا العلمية أو الدينية التي تحتضن مثل هذا المصحف الذي ترموننا به، وليس فيها المصحف الشريف الذي يتداوله المسلمون اليوم؟
إن مساجدنا وحسينياتنا، وبيوتنا، وهيئاتنا العلمية والدينية، ومؤسساتنا الثقافية جميعها مملوءة بنسخ من المصحف الشريف، فدونكموها لتتأكدوا بأنفسكم من أنه لا وجود لهذا الذي تدّعونه من خلال ما ترسمونه في مخيلاتكم من أكاذيب وأضاليل، وخدع ومهاترات، ثم تترجمونها إلى واقع خارجي؛ كي تصلوا إلى أمرين، وتحقّقوا هدفين ظللتم العمر كلّه تسعون وراء تحقيقهما وإيجادهما في الخارج:
الأول: أن تكفّروا طائفة من المسلمين مؤمنة بأكملها؛ إفراغاً لما في نفوسكم المريضة من حقد عليهم.
الثاني: أن تضلّلوا الناس وتخدعوهم عن أمرهم وأمر دينهم، وتدفعوهم إلى أن يكونوا أدوات بأيدي أصحاب المشروع التسقيطي الذي تسعون خلف تحقيقه لهم في مجتمعاتنا الإسلامية، والذي تهدفون من خلال تحقيقه إلى الوصول لأمر هامّ عندهم وعندكم هو نقض وحدة المسلمين.
إن هذه المساجد والحسينيات والمؤسسات والهيئات التي نمتلكها مفتحة أبوابها أمام الجميع؛ فمن شاء أن يأتيها ويلجها ليتأكد بنفسه من هذا الأمر، فله ذلك دون أن يحاول أحد أن يمنعه أو أن يقف بوجهه. وبهذا يكون قد تأكد بنفسه من أنه لا وجود لمثل هذه الخيالات المريضة إلّا في أذهان أصحابها ومطلقيها، ومن يقف وراءهم بإسناد كبير لهم، دافعاً إياهم من أجل تحقيق هذا الهدف المريض.
إذن كل هذه الأمور ادعاءات وسفسطات سوف يحاسب الله تبارك وتعالى عليها قائلها وكاتبها([1])، ومروجها والساعي إلى بثها ونشرها بين الناس، وهي أمور سوف يحاسب الله تبارك وتعالى عليها هؤلاء نتيجة ما هم عليه من أضاليل وأكاذيب، ونوايا سيئة خبيثة يراد منها كسر هذا النظام الذي أراده الله تبارك وتعالى لأمة نبيه الأكرم محمد|.
مدرك هذه الفرية
ينطلق هؤلاء في أكذوبتهم هذه من رواية وجدوها في كتبهم منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمان بثها أعداء الإسلام من أجل تحقيق هذا الهدف الذي أشرنا إليه فيما مضى مراراً وتكراراً، فهل من المعقول أن يحتكم إنسان عاقل إلى رواية مكذوبة مدسوسة نقلها أعداؤنا لأجل التشهير بنا، وتسقيط مذهبنا، وتكفير عدد كبير من أبناء ديننا مع أن هذا الأمر تكذبه الشواهد والعيان والوجدان كما رأينا؟ وقد نادينا مراراً بأن على هؤلاء أن يلتجؤوا إلى تحكيم الحقّ والعقل، فيلجوا مكتباتنا العامرة، ويطالعوا مؤلّفاتنا المشتهرة وغيرها، والتي تغص بألوان وأنماط كثيرة من الكتب في مختلف مجالات الدين من التفسير والعقائد والفقه والحديث وما إلى ذلك ليجدوا أن هذا الذي يذهبون إليه، ويقولون به لا ينتمي إلى الواقع أبداً، ولا أساس له من الصحة، وأن أمثال هذه الروايات المكذوبة والمدسوسة علينا إنما هي من صنع مخيلاتهم المريضة التي دفعها أعداء الإسلام، بل من صنع أعداء الإسلام الذين دسوها في تراث المسلمين؛ حتى يفرقوا جمعهم، ويشتتوا كلمتهم.
يتبع…
____________________
وما من كاتب إلا ستبقى *** كتابتُه وإن فَنِيَت يَداهُ
فلا تكتُبْ بكفِّكَ غيرَ شيء *** يَسُرُّكَ في القيامة أن تَراهُ
تأويل مختلف الحديث 1: 59، كتاب الغرباء: 16