وحدة الجماعة ضرورة إسلامية ـ 02
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
شعار الشيعة
ومن هنا فإننا نقول إن الشيعة إنما يحملون شعاراً واحداً هو: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([1]). هذا فضلاً عن أننا حينما نرجع إلى التاريخ الذي حفظ لنا القائمة التي تضم أسماء الشعوبيين فسنجد أنهم جميعهم من غير الشيعة؛ فليس هنالك من أحد فيهم شيعي المذهب أو إمامي المعتقد. وبهذا فإننا نقول: إن الأمة إذن هي الجماعة التي تجتمع على هدف واحد معين، وهذا الهدف تحدده المبادئ، أو الأديان، أو الاعتقادات، وما إلى ذلك.
البحث الثاني: هدف الجماعة
ذكرنا أن الأمة هي التي تجتمع على هدف ما، والأمة التي أشارت إليها هذه الآية الكريمة هي الجماعة التي اجتمعت على هدف معين لابدّ من توضيحه وبيانه للآخرين حتى يكونوا على هداية من أمرهم. إن الهدف من هذه الأمة هو تحقيق الجماعة الواحدة للمسلمين، وترسيخ اتّفاقهم ووقوفهم صفّاً واحداً بوجه أعدائهم، ومن يكيدون لهم، ويترصدون بهم، ويبغون لهم الغوائل؛ حتى يعيش المسلمون جميعهم روضة «لا إله إلا الله، محمد| رسول الله»، ويتفيؤوا ظلال هذه الوحدة المباركة، ليجنوا أحلى ثمارها وأشهاها من رياضها، وينهلوا أعذب شرابها وصبابتها من كوثر حياضها، ويتفيّؤوا ظليل ظلّ آجامها وغياضها.
فهذا هو الهدف الأسمى والأبعد والأكبر الذي يدعونا الإسلام الحنيف إلى تحقيقه، والذي يجب على الأمة أن تجتمع عليه للوصول إليه.
أهداف الساعين إلى نقض الوحدة الإسلامية
ومن هنا فإننا نقول: إن كل عمل يهدف إلى تمزيق وحدة المسلمين، وإلى فتّ عضدهم، وهدم بنيانهم، وتفكيك صفّهم إنما هو عمل خبيث مقصود، ومخطّط له ومدروس. وهو عمل ينبئ عن سوء سريرة وخبث طوية. وهذا الموقف يمكن أن يكون ناشئاً عن أحد أمور أربعة:
الأول: أنه ناشئ عن نفس مريضة لا همّ لها إلّا الإطاحة بوحدة الكلمة، وبوحدة الصف عند هذه الجماعة المباركة.
الثاني: أن يكون ناشئاً عن نفوس رخيصة باعها أصحابها لغيرهم؛ ليشتروا بهذه الوحدة ثمناً قليلاً.
الثالث: أن يكون ناشئاً من غرض سيّئ الهدف منه تمرير إرادة الحاقدين على الإسلام؛ ليمزّقوا وحدة أتباعه.
الرابع: الجهل والسذاجة المطبقان اللذان يخيمان على نفوس وعقول البعض فيحيلانهم تماثيل جامدة لا تعي ما حولها، ولا تفقه شيئاً ممّا يدور في فلك المجتمعات والتكتلات التي تعيش فيها، وهي في الواقع بعيدة منها، خارجة عنها.
البحث الثالث: علة تعقيب الدعوة إلى وحدة المسلمين بعبادته تعالى
إن الله تبارك وتعالى يقرر لنا من خلال القرآن الكريم أن على المسلمين أن يكونوا اُمّة واحدة مجتمعة على هدف واحد هو توجههم إلى الله تبارك وتعالى بالعبادة، وطلب أمورهم، وقضاء حوائجهم، وإعانتهم على أنفسهم، فهو سبحانه ربهم الذي خلقهم ورباهم. وعليه فكأن المتبادر من هذه الآية الكريمة: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبدُونِ﴾ هو ـ بناء على تعقيب الأمر بالعبادة لتقرير ضرورة كون الاُمة واحدة مجتمعة ـ أن هؤلاء الذين يتفرّقون ولا يجتمعون على أمر واحد فإنهم إنما يعبدون غير الله تبارك وتعالى، أي أنهم يعبدون الهدف الذي يسعون من أجله إلى إيقاع الفرقة بين المسلمين، وإلى تمزيق صفّهم. فهذا هو الهدف الذي يسعون إليه، فكان هو معبودهم، وبالتالي فإنهم لا يعبدون الله جل شأنه.
مناشئ الدعوة إلى فت عضد الوحدة
وبعبارة اُخرى نقول: إن التفرقة والتشرذم والتشتت هي أمور تتأتّى من عبادة غيره جل شأنه، وهذه الحالة متعدّدة المنشأ:
الأول: الهوى
فهي إما أن يكون منشؤها عبادة الهوى، وقد ذمّ الله تعالى ذلك، قال عزَّ من قائل في كتابه الكريم: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾([2]). وقال جلّ شأنه: ﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً﴾ ([3]).
الثاني: الغرائز
أو أن يكون المنشأ فيها عبادة الغرائز والشهوات، وقد قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾([4]).
الثالث: الشيطان
أو أن يكون المنشأ فيها عبادة الشيطان والمادة، وقد قال تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾([5]). وقال عزَّ من قائل: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين﴾([6]) .
وهي كلها أمور تصب في صالح الهدف الذي يسعى إليه هؤلاء، وهو بثّ الفرقة بين المسلمين، والسعي الحثيث والدؤوب إلى عدم تحقيق وحدتهم. وإذا تحقق هذا الأمر منهم فإنهم إنما يكفرون بالله جلّ وعلا، ولا يعبدونه حقّاً؛ لأنه جل شأنه أراد من المسلمين أن يتّحدوا ويتوحّدوا ويجتمعوا، لكن هؤلاء سباقون إلى أن يخالفوا كل هذه الأمور الدالة على الاجتماع، والداعية إلى أن يكون هؤلاء الأفراد أمة واحدة تجتمع على هدف واحد. وهذا يعني أنهم إنما يخالفون الهدف الذي يريده الله سبحانه وتعالى.
يتبع…
____________________