الرسالةُ العاشورية (في تحقيق صوم عاشوراء) ـ 03
تأليف: العلامة المحقق الشيخ أحمد بن صالح آل طعّان البحراني القطيفي& (ت 1315هـ)
صوم عاشوراء: صوم أو إمساك
وأمّا صوم العاشوراء وهل هو صوم أو إمساك؟
فقد اختلفت فيه كلمات فقهائنا الأبرار لاختلاف الأخبار الواردة في هذا المضمار، فإنّ منها ما دلّ على استحباب صومه، كخبر أبي همّام، عن أبي الحسن×، قال: «صامَ رسولُ الله| يوم عاشوراء»([1]).
وكخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله×، عن أبيه×، أنّ عليّاً× قال: «صُوموا العاشوراء التاسع والعاشر، فإنّه يكفّر ذنوب سنة»([2]).
وخبر الزهري، عن عليّ بن الحسين× المشتمل على بيان وجوه الصيام، حيث قال فيه: «وأمّا الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة، والخميس، والاثنين، وصوم أيّام البيض، وصوم ستّة أيّام من شوّال بعد شهر رمضان، وصوم يوم عرفة، ويوم عاشوراء، كلّ ذلك صاحبه فيه بالخيار إنْ شاء صام وإن شاء أفطر»([3]).
وخبر عبدالله بن ميمون القدّاح، عن [جعفرٍ]([4])، عن أبيه’ قال: «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة»([5]).
وخبر كثير النوا، عن أبي جعفر× قال: «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي، فأمر نوح× من معه من الجنِّ والإنسِ أن يصوموا ذلك اليوم». وقال أبو جعفر×: «أتدرون ما هذا اليوم؟! هذا اليوم الذي تابَ اللهُ فيه على آدم وحوّاء، وهذا اليوم الذي فلقَ اللهُ فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى× فرعون، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم×، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس×، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم’، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم×»([6]).
ومنها: ما دلّ على بدعيّته ونسخه بصوم شهر رمضان، لصحيح زرارة، ومحمّد بن مسلم، أنّهما سألا أبا جعفر× عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال×: «كان صومه قبل صوم شهر رمضان، فلمّا نزل شهر رمضان تُرِك»([7]).
وخبر [نجبة]([8]) بن الحارث العطّار، قال: سألتُ أبا جعفر× عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «صوم متروك بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة».
قال [نجبة]: فسألتُ أبا عبدالله× عن ذلك من بعد أبيه؟ فأجاب بمثل جواب أبيه، ثمّ قال لي: «أمَا إنّه صيام يومٍ ما نزل به كتاب، ولا جرت به سنّة إلّا سنّة آل زياد بقتل الحسين×»([9]).
ومنها: ما دلّ على النهي عن صومه بالنهي الشديد والزجر الأكيد والوعيد، الذي ليس عليه من مزيد، كخبر عبدالملك قال: سألتُ أبا عبدالله× عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرّم؟ فقال×: «تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين× وأصحابه بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين× وأصحابه كرّم الله وجوههم، وأيقنوا ألّا يأتي الحسين× ناصرٌ ولا يمدُّهُ أهلُ العراق، بأبي المستضعف الغريب».
ثمّ قال: «وأمّا يوم عاشوراء فيوم اُصيبَ فيه الحسين× صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله، أفصومٌ يكون ذلك اليوم؟! كلّا وربّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلّا يوم حزن ومصيبة دخلَتْ على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام، غضب الله عليهم وعلى ذريّاتهم. وذلك يوم بكتْ عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صام أو تبرّك به حشرهُ اللهُ مع آل زياد ممسوخَ القلبِ ومسخوطاً عليه، ومن ادَّخر فيه إلى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك»([10]).
وكخبر زيد النَرسي قال: حدثنا عبيد بن زرارة، قال: سمعت زرارة يسأل أبا عبدالله× عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «مَن صامَه كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة وآل زياد».
قال: قلتُ: وما حظّهم من ذلك اليوم؟ قال: «النار»([11]).
وفي بعض نسخ هذا الحديث: «أعاذنا الله من النار، ومن عملٍ يُقرِّبُ من النار»([12]).
وخبر الحسين بن أبي [غُنْدَر]([13])، عن أبيه، عن الصادق×، وفيه: قلتُ: فصوم عاشوراء؟ قال: «ذلك يوم قتل فيه الحسين×، فإن كنتَ شامتاً فصُم، فإنّ آلَ زيادٍ نذروا نذراً إنْ قُتِلَ الحسين× أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً لهم، فيصومون شكراً ويفرحون، فصارتْ في آلِ سفيان سنّةً إلى ذلك اليوم».
ثمّ قال: «إنّ الصوم لا يكون للمصيبة ولا يكون إلّا شكراً للسلامة، وإنّ الحسين× اُصيبَ يوم عاشوراء، فإنْ كنتَ فيمن اُصيب به فلا تصم، وإن كنتَ شامتاً ممّن سرّه سلامةُ بني اُميّة فصُم»([14]).
وخبر جعفر بن عيسى، قال: سألتُ الرضا× عن صوم عاشوراء وما يقول الناس فيه؟ فقال: «عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آلِ زياد لقتل الحسين صلوات الله عليه، وهو يوم يَتشأْمُ به آلُ محمّد|، ويتشأَّمُ به أهلُ الإسلام، واليوم المُتشئِّم به الإسلامُ وأهلُه، لا يصام، ولا يُتبرَّكُ به، ويوم الاثنين يوم نحس قبضَ اللهُ فيه نبيَّنا|، وما اُصيب آل محمّدٍ| إلّا في يوم الاثنين فتشأَّمْنا به، وتبرّك به أعداؤنا، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين× وتبرّك به ابن مرجانة، وتتشأّمُ به آلُ محمّد|، فمن صامها وتبرّك بهما لقي الله عزّ وجلّ ممسوخ القلب، وكان محشره مع الذين سَنّوا صومهما والتبرّك بهما»([15]).
يتبع…
__________________________
([1]) التهذيب 4: 299/ 906، الاستبصار 2: 134/ 438، الوسائل 10: 457، أبواب الصوم المندوب، ب 20، ح1.
([2]) التهذيب 4: 299/ 905، الاستبصار 2: 134/ 437، الوسائل 10: 457، أبواب الصوم المندوب، ب 20، ح2.
([3]) الفقيه 2: 48/208، الوسائل 10: 411، أبواب الصوم المندوب، ب 5، ح1.
([4]) في المخطوط: عن أبيه جعفر، وما أثبتناه من المصدر.
([5]) الاستبصار 2: 134/ 439، التهذيب 4: 300/907، وفيه: (عن أبي جعفر) وما أثبتناه هو الصحيح. راجع معجم رجال الحديث (الخوئي) 10: 357.
([6]) التهذيب 4: 300/ 908، الوسائل 10: 458، أبواب الصوم المندوب، ب 20، ح5.
([7]) الفقيه 2: 51/ 224، الوسائل 10: 459، أبواب الصوم المندوب، ب 21، ح1، وفيهما: (قبل شهر رمضان).
([8]) في المخطوط: نخبة، وما أثبتناه من المصدر.
([9]) الكافي 4: 146/4، التهذيب 4: 301/910، الاستبصار 2: 134/411، الوسائل 10: 461، أبواب الصوم المندوب، ب 21، ح5. وقد ورد في الثلاثة الأخيرة: نجية، ولا يبعد الاتّحاد. انظر معجم رجال الحديث 20: 137.
([10]) الكافي 4: 147/7، الوسائل 10: 459، أبواب الصوم المندوب، ب 21، ح2.
([11]) التهذيب 4: 301/912، الاستبصار 2: 135/443.
([12]) الكافي 4: 147/6، الوسائل 10: 461، أبواب الصوم المندوب، ب 21، ح4.
([13]) في المخطوط: منذر، وما أثبتناه من المصدر.
([14]) أمالي الطوسي: 667/1397، الوسائل 10: 462، أبواب الصوم المندوب، ب 21، ح7، بتفاوت.
([15]) الكافي 4: 146/5، التهذيب 4: 301/911، الاستبصار 2: 135/442، الوسائل 10: 460، أبواب الصوم المندوب، ب 21، ح3، باختلاف فيهما.