لامٌ للوائليّ ولؤلؤ مِنه

img

الآنَ آبَ كَما يُسْتدْرَجُ الأجَلُ *** أَصْفَى من الدَّمْعِ هَذَا المَوتُ والرَّجُلُ!

يعودُ في مَوتِه العَالِي إلَى ذَهّبٍ *** سَهْلٍ تَغَاوى عَليه الشَّرْقُ والطَّفّلُ!

يَنَامُ في حِضْنِ ضَافِي الَّلونِ، قَالَ: أَنا *** لِسَيِّدِي، يَا ظَلِيلَ الإسمِ يا عَسَلُ…

يَا قُبَّةً عُلِّقَتْ مِنْ عَسْجَد وحَشَا *** إهابِ أُمِّ الضُّحَى: هَلْ هُيِّمَ الحَجَلُ؟

دَامِي العُيُونِ مَرِيضُ الحَيفِ ضَجَّ بِه *** مِن الهَوى رَطْبُ شَوقٍ قَاصِمٌ ذَهِلُ!

…. وخَادَع القَبْرَ، كالقِطِّ اقْتفاهُ، مَشَى *** وَرَاءَهُ، .. وأنَاخَ القَبْرُ والخَتَلُ!

أَغْفَى وَصَارَ إلَى بَرْقٍ وَشَعْشَعةٍ، *** حَورٌ لَهَا كُحُلٌ أَغْوى بِها شَهَلُ

تَنَفَّسَ الصُّعَداءَ، اختارَ ضَجْعَتَهُ *** إلَى جِوارِ عَليٍّ شَاعِرٌ خَضِلُ

حَفَّتْ بِه فَتَياتُ الرِّيحِ، وانْكَسَرَتْ *** إلَى جِوارِ يَديه الغَيْمَةُ الجَلَلُ

يَا أيُّهَا النَّفَرُ الغَادُونَ كيفَ بِه، *** وقَدْ مَشَيْتُمْ بِه ذَيَّالِك الجَبَلُ؟!

يَمُوتُ مَنْ نبَّهَ النَّاياتِ فِي دَمكُمْ؟ *** يَمُوتُ، أمْ يَتعَافَى الرَّمْلُ والأمَلُ؟!

لِمَ اخْتِيَارُكَ نَابَ الرِّيحِ عَالِكَةً *** رُدُودَ غِزْلانِكَ الَّلائِي، لِمَ العَطَلُ؟

وَكَيفَ طَاوَعْتَ أَنْ تَبْلَى يَدَاكَ مَدَى *** تَشَوُّقَاتِ غَرِيٍّ لَثْمُهُ ثَمَلُ؟

أَنْتَ افْتَكَرْتَ فَطِرْتَ، الشَّامُ مَنْزِلَةٌ *** بَيْنَ المَنَازِلِ، دِيوانٌ ومُنْتَزَلُ

أَفْشِ السَّلامَ على وادِي السَّلامِ، علَى *** حَوَاصِلَ الطَّيْرِ أَغْنَى جُوعَهُا النَّفَلُ

وَقَشِّرِ الَّليلَ عَنْ فَوضَى مَلائِكَةٍ *** حُرَّاسِ أَهْل الهَوى رَاحُوا ومَا رَحَلُوا

ذَهَبْتَ للأَهْلِ للأَحبابِ، كَيفَ هُمُ؟ *** لَقَدْ تَيَتَّمَ دَهْرَاً تَوقُكَ الوَجِلُ…

قُرْبَى تُرَابِ أَبِي هَذَا التُّرَابِ، *** ولِلْغَايَاتِ غَايَاتُهَا مِنْ حَولِه نُزُلُ!

يَا مُودِعِي عُوده فِي صَخْرَةٍ نَعِمَتْ، *** مَا بَالُهُ عَالِقٌ فِي صَوتِه الأَزلُ؟!

مَا حَالُهُ تَحْتَ أَطْبَاقِ التُّرَابِ، ومَا *** نَتَائِجُ النَّهْرِ؟ .. عَفْرٌ مِنْ ثَرَى جَزِلُ

ذَاقَ الرَّدَى، ذَاقَ طَعْمَ القَبْرِ، جَسَّ يَدَ *** الفُتَاتِ، مَاذَا الغِوَى والأَعْيُنُ النُّجُلُ؟

قَوَاتِلٌ كَحَنَانِ الرِّيشِ أَو كَنَدَى *** يَومِ العَرُوسِ، سَبِيلٌ تِلْكُمُ السُّبُلُ..

يَمْتَصُّهَا فَرَمَانُ الحَيْنِ، يَشْرَبُهَا *** كَمَا تَمزَّزَ فِي صَهْبَائهِ الكَسَلُ!

سَاوِ النَّقِيضَيْنِ يَا مَوتُ، انْصِهَارُهُمَا *** مَعْنَاهُمَا، .. وتَمَاهَى التَّحْتُ والبَجَلُ!

أَلَيسَ ذَلِكَ مَا فكَّرْتَ فِيهِ؟، هُنَا *** نَحْوٌ لِنَحْوِكَ، لا خُلْفٌ وَلا مَطَلُ…

***

يَا نَازِلِينَ عَلى حَامِي الحِمَى، أَفَلا *** هُنَيْهَةٌ لِي تَشْفِينِي ومُحْنَفَلُ؟!

هل لِي بِتَقْبِيلِ قَبْرٍ مُمْعِنٍ لِعُلَىً؟ *** لَقَدْ تَعَذَّبَت الأَشْواقُ والقُبَلُ..

حُلْمِي رَضِيعُ التَّشَهِّي قُرْبَ دَارَتِه، *** يَطِيرُ طَيْرِي فَلا يَعْيَا ولا يَصِلُ..

أَمَّا أَنا فَلَقَدْ أَشْبَعْتُ مُتَّجَهِي، *** أَنَا وَصُولٌ فَمَا حَالَتْ بِي الحِيَلُ!

أَنَا الّذِي المُرْتَضَى قَلْبِي وَصُورَتُهُ، *** أَعْطَى يَدَيَّ، الرِّضَا أَرْضٌ ومُحْتَمَلُ..

مَا إِنْ سَأَلْتُ يَدَيهِ، اسْتَفْتِحَا حُلُمِي *** إلا تَحقَّقَ، وانْدَاحَتْ لِي العِلَلُ..

قَبْرٌ لِي، اللهَ، لو قَيَّضْتَ يَا قَدَرِي *** جِوَارَهُ لِيَ، هَا تُرْبٌ ومُكْتَحَلُ!

تَرَكْتُ هَمْزَ خُيُولِي، واسْتَجَبْتُ إِلَى *** فَرَاسَةِ الخَيْلِ، لَمْ يَنْبِسْ بِي الخَطَلُ..

عَدَا مَلائِكَةٍ شَيطانَةٍ هَلَكَتْ *** مِمَّا يُحَسَّدُ مِنْ أَعْلَى ويُشْتَعَلُ

حَتَّى مُسَاوِرُ مَائِي جرَّ بَغْلَتَهُ *** فِي الزَّرْعِ، لَمْ أُحْتَطَبْ، لَمْ يَشْفِه الدَّغَلُ..

أَنَا صَدِيقُ علِيٍّ، عَاشِقٌ أَرِقٌ، *** لِي مِنْ سُهَىً، وبُرَاقٌ لِي وَمُنْتَعَلُ..

لا شَيْءَ يُوقِعُ أَسْمَائِي، تَصَرُّفُهَا *** عَلِيُّهَا.. وتَهَاوَى المَوتُ والدُّوَلُ!

***

تَشَعَّبُوا، فِقْهُهمْ فِقْهٌ وفَاكِهَةٌ، *** لَكِنَّ حُبَّكَ فِيهِمْ وَاحِدٌ بَطَلُ!

وَرُبَّ حَادٍ حَدَا رَكُبَاً بأُغْنِيَةٍ.. *** وإِنْ تَكَاثَرْنَ نُوقُ القَومِ والإِبِلُ!

يَا أيُّهُذَا الّذِي أَعْطَى مَودَّتَهُ، *** فَرَاحَ يَغْرِفُ مِنْ حُبٍّ وَيَنْتَهِلُ..

الوَاضِحُ الطِّيْنِ، عَرَّابُ البَيَانِ، فَتَىً *** أَعْوَادُه نَضْرَةٌ، أَعْوادُهَا بَلَلُ

تَاجٌ لِدَولَةِ أَعْوادِ الحُسَيْنِ، مَتَى *** مَا قَالَ أَصغَتْ تَلامِيذَاً لَهُ المِلَلُ!

***

هَامُوا عَلَى جَنَبَاتِ الأَرْضِ، لَمْ يَصِلُوا، *** وَنَقَّبُوا فِي تُراثِ الأَرْضِ، لَمْ يَصِلُوا!

كَرِيشِ طَاووسِ حَقْلٍ حَقْلِهِمْ، نُسِلَتْ *** فَرَائِدُ الوَطَن، اسْتَشْرَى بِهِمْ مَيَلُ..

وأَلَّلوا فِكْرَةً أَو لَوحةً شَبَحَاً *** على البِلادِ الَّتِي، ذَابُوا ومَا بُذِلُوا!

حَتَّى تَأَتَّتْ خَطَاطِيفٌ بأَضْلُعِهِمْ، *** مَا إِنْ يَرَوا نَجَفَاً أَو نَخْلَةً قُتِلُوا!

لَولا الحَنِيْنُ لَما أَغْنَى بَبوصَلَةٍ *** تَوتُّرٌ، جِهَةً إِحْدَى، ومُبْتَهَلُ..

عَلَى مَواطِنِهِمْ مِنْ ماءِ أَدمُعِهِمْ، *** مَا يَجْرَحُ الشَّوقُ أَو ما يَصْنَعُ الخَجَلُ!

***

كَمْ قُلْتُ: ما إِنْ بقَلْبِي عُدَّةٌ لأَرَى *** نَعْيَاً لِمَنْ عَلَلٌ مِنْ نَهْرِه نَهَلُ..

مَرَّ الرَّدَى واصْطَفاهُ قُرْبَ نَبْعَتِه، *** يَا لَيتَ أُمَّ الرَّدَى فِي نَجْلِها ثُكُلُ!

هَذَا العَطَاءُ لأَنَّ النَّهْرَ حَيْدَرَةٌ، *** وَمَنْ عَلِيٌّ بِه بَدْرٌ فلا بُخُلُ،

الوَائِلِيُّ، وَمَنْ كَالوَائِلِيِّ، وَمَنْ *** كَالوَائِليِّ، وَمَنْ؟ عُشَّاقُه ذُهِلُوا!

وَأَجْزَلُوا الدَّهْشَةَ، اعْتَلُّوا وجَالَسَهُمْ *** سُؤَالُهُمْ: يَا وريفَ الظِّلِّ ما العَمَلُ؟!

مَاتَ، الطُّفُولاتُ مِنَّا صَوتُهُ، ولَنَا *** مِنْهُ اعْتِمارُ فَصَاحَاتٍ ومُنْفَعَلُ..

كَيفَ اجتَمَعْتَ على شِعْرٍ وقَارِعَةٍ *** يَبِيسَةٍ، كَيفَ ديِفَ البحرُ والجَمَلُ؟

تَقَمَّصُوهُ وعَاشُوا فِي حِكَايَتِهِ، *** أُسْتَاذُهُمْ، والسَّمِيرُ البدْعُ، والجّذَلُ!

إِرْثِي العَتِيدُ غَدٌ لِلْوائِلِيَّةِ، لِلْمَسْرَى *** إلى الشِّعرِ، هَا تُسْتَمْطَرُ الرُّسُلُ…

صَغِيرَةٌ مِثْل زَرِّ اللَّوزِ عِمَّتُهُ، *** كَأَنَّمَا العَبْقَرِيُّ العِطْرُ لا الحُلَلُ!

وَكَمْ يُكَوكِبُ بَعْضُ النَّاسِ خِرْقَتَهُ، *** فِي خَصْفِ نَعْلَيْنِ مِنْ تَكوِيرِهَا بَدَلُ!

مَنْفُوخَةٌ لَوثَهَا، جَوفَاءُ عَائِمَةٌ، *** فُقَاعَةٌ… بِئْرُ ماءٍ مَاؤُهَا وَشَلُ،

وَلَو سَأَلْتَ مَرَاقِي المِنْبَرِ انْفَجَرَتْ *** بِالوَيلِ: حِمْلِي ثَقِيلٌ لَيسَ يُحْتَمَلُ،

تَشَابَهَ البَقَرُ، احْتَجنَا لِمَقْتَلِهَا، *** وإِنْ رَعَى جُعَلٌ أَشْيَاءَهَا هَمَلُ…

مَا كُلُّ طَالِعِ أَعْوادٍ يَلِيقُ بِهَا، *** مَا كُلُّ مَا عَامَ فِي هَالاتِه زُحَلُ!

بَغْدَادُهُ وَرْدَةٌ حَمْرَاءُ جَالِسَةٌ *** عَلى رَصِيفٍ، وغَنَّاهَا، وَتَبْتَهِلُ..

وفَاةُ سِرْبِ القَطَا مِنْ حَولِ هَيكَله، *** وَمَوتُ مَنْ صَدَّ عَنْهُ الرُّوحُ مُنْتَحَلُ

أَضْحَى بَريدُكَ بَيتَاً فِي مَواسِمِهِمْ، *** وَصَارَ ظِلُّكَ فِيهِمْ يُضْرَبُ المَثَلُ..

أَدْخِلْ يَمِينَكَ يَنْضَحْ لُؤْلُؤٌ نُبُلٌ، *** أَخْوكَ فِي كُلِّ مَا تَخْتَارُهُ النُّبُلُ،

إِلَى الأَعَالِي تَفَرَّسْ فِي كَوَاكِبِهَا، *** واصْنَعْ ضَرِيحَكَ مِمَّنْ عَلَّلُوا فَعَلُوا!

***

.. أَحْبَبْتُهَا، جَرَّدَتْ مِنِّ مُكَابَدَتِي، *** وَطِرْتُ عَنْهَا، لأَنِّي عَاشِقٌ مَلِلٌ..

وَحِيدُ هَذَا الرَّصِيفِ، الحُبُّ يَفْضَحُنِي، *** يَقْتَصُّ مِنِّي، فَأَسْتَحْيي وأَمْتَثِلُ

وأَسْتَجيِرُ بِقَلْبِي: عُدْ إِلَيَّ إِلَى *** قَلْبِي، فَلا صَبْوَةٌ تُشْقِي وَلا مَيَلُ…

قَلْبِي عُبَيدُ يَدِي، لا يَسْتَطِيعُ إِذَا *** أَرَدْتُ أَنْ يَتَذَاكَى قَلْبُهُ الغَزِلُ!

كَالخَيزَرَانَةِ تَلوِيهَا الرِّيَاحُ صَبَاً *** وَشَمْأَلاً، وهيَ بِنْتُ الرِّيحِ تَعْتَدِلُ،

حَاشَا البِلادَ، فَمَا قَلْبٌ يُطِيقُ أَذَى *** عِشْقِ البِلادِ، وَمَنْ فِي جِسْمِهَا نَزَلُوا!

بَعْضُ الرَّدَى يُشْتَهَى يُهْوَى يُحَبُّ كَمَا *** تَمُوتُ أَنْتَ، فَيَبْكِي النَّاسُ والنَّحَلُ

فِي كُلِّ قَلْبٍ مِن الصَّوتِ الجَليلِ نَدَىً، *** تَمُوتُ، هَلْ مَاتَ صَوتٌ بَاسِقٌ هَطِلُ؟

مَوتٌ جَمِيلٌ لأَنَّ اللهَ قَالَ به، *** مَنْ لِي بِمَوتٍ كَهَذَا المَوتِ يَا رَجُلُ؟!

الشاعر أمجد المحسن

2003

الكاتب الشاعر أمجد المحسن

الشاعر أمجد المحسن

مواضيع متعلقة