أفعال العباد بين الجبر والتوفيض
تأليف: الخواجة نصير الدين الطوسي
إعداد حوزة المصطفى|، أم الحمام
بسم الله الرحمن الرحيم
أفعال العباد تنقسم إلى مايكون تابعاً لقدرته وإرادته، وإلى ما لا يكون.
المثال الأول: الأكل والمشي من الإنسان الصحيح الذي لم يكره على هذين الفعلين.
والمثال الثاني: حركة الإنسان إلى السفل إذا وقع من موضع عال.
والقدرة يراد بها: سلامة آلات الفعل من الأعضاء. ويراد بها الحالة التي يكون الإنسان عليها وقت صدور الفعل عنه. والأول يكون قبل الفعل ومعه، وهذه هي القدرة عند المعتزلة.
والثاني لا يكون إلا مع الفعل، وهي القدرة عند الأشعري.
ولاشك أن القدرة بالوجهين لا يكون مقدوراً للعبد، بلى ربما يكون أسبابه، كالتغذي والتداوي المقتضيين لسلامة الأعضاء، مقدوراً له.
وأما الإرادة فسببها إما العلم بالمصلحة، وإما الشهوة، وإما الغضب. ولا يكون واحد منها إلا عند الشعور، والشعور أيضاً لا يكون مقدوراً للعبد، وربما كان بعض أسبابه مقدوراً له.
وأما عند حصول القدرة والداعي يجب الفعل أم لا.
فالحق إنه يجب، وإلا لزم رجحان أحد طرفي الفعل وتركه من غير مرجع. وهذا الوجوب لا يخرج الفعل عن حد الاختيار، لأن معنى الاختيار هو أن يكون الفعل والترك بإرادة الفاعل، فيختار منهما أيهما أراد. وهاهنا لزم الفعل من القدرة والإرادة.
فإذا نظرنا إلى أسباب القدرة والإرادة كان في الأصل من الله، وعند وجودهما الفعل واجب، وعند عدمهما ممتنع، فإذا نظرنا إلى الفعل كان من العبد بحسب قدرته وإرادته، فلهذا قيل: «لاجبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين».
فإذن الاختيار حق، والإسناد إلى الله حق، ولا يتم الفعل بأحدهما دون الآخر.
وما قيل: في إثبات الجبر من أن خلاف ما علم الله وقوعه محال، وهو يوجب الجبر.
أجيب عنه: بأن الله تعالى كان في الأزل عالماً بأفعاله فيما لا يزال، فإن لزم من ذلك الجبر والإيجاب في العبد فهو لازم في حق الله، وما أجبتم به هناك فهو الجواب هاهنا.
والجواب الحق: أن العلم بالشيء ربما لا يكون سببا له، فإن من علم أن الشمس تطلع غدا لا يكون علمه سبباً لطلوعها، وإذا لم يكن للعلم أثر في الفعل فلا يكون الفعل بالجبر أو الإيجاب. والله أعلم.