الرسالةُ العاشورية (في تحقيق صوم عاشوراء) ـ 01

img

تأليف: العلامة المحقق الشيخ أحمد بن صالح آل طعّان البحراني القطيفي&([1]) (ت 1315هـ)

إعداد وتحقيق

دار المصطفى| لإحياء التراث

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي فضَّل هذه الاُمّة المرحومة بالعاشوراء، وجعلَ السعي فيه مشكوراً، وضاعف لمن بكى أو تباكى فيه اُجوراً وجعل التلذّذ بالطعام والشراب فيه محظوراً، والصلاة والسلام على عبادِهِ الذين اصطفى محمّد سيّد الأصفياء والأنبياء، وآله الحلفاء الحنفاء، حلفاء الصفاء واُلفاء الوفاء، الممتحنين بصروف الكربِ والبلاء ـ ولاسيّما شهيد كربلاء ـ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

أما بعد: فيقول فقير ربّه المنّان أحمد بن صالح بن طعّان ـ عامله الله سبحانه بالعفو والغفران ـ:

قد سألني الأخ الصفيّ والخلّ الوفيّ العالم العامل الأمجد، والفاضل الكامل الأرشد، الشيخ محمّد بن المقدّس الشيخ عبدالله بن المقدّس الشيخ أحمد([2])، لا زال كاسمه محمّد، وفي أموره مسدّد بحقّ محمّد وآله العُمَد، عن مسألة تنحلّ إلى مسائل جليلة، وتنطوي على فوائد جزيلة.

وكان هو الحريّ بكشف نقابها وابن بجدة جوابها. إذ مثلي لا يصلح أنْ يكون من حجّابها فضلاً عن المتأهّلين لإماطةِ حجابها، ولا ممّن يحظى بسماعِ خطابِها فضلاً عن أنْ يُعَدّ من خطّابِها، لِما أنا عليه من قُصور الباعِ وقلّةِ الاطّلاعِ.

لكن لمـَّا كانَ أمره الشريف واجب الامتثال، قابلته بالإطاعة على ما أنا عليه من كثرة الإضاعة وقلّة البضاعة، واختلال الأحوال واختلافِ الأهوال، ولاسيّما في هذه الأيّام التي وقع فيها ما وقع من الحوادثِ التي لا تُنيم ولا تَنام، قاصداً بالجواب محض الاستفادة منه والاستزادة، لا روم الإفادة له والإزادة.

والمأمول منه ـ سلّمه الله تعالى ـ سَدْل ذيلِ العفوِ على ما يجده من الهفو، فإنّه أهلُ ذلك، سلك اللهُ به أحسنَ المسالِك ـ.

قال ـ أيّده الله وسدّده، وساعده وأسعده ـ:

ما العاشوراء؟

وما صوم العاشوراء؟ وهل هو صوم أو إمساك؟

وما الصوم وما الإمساك؟

وما العصر، وما الساعة في قول سليل صاحب الشفاعة: >بعد العصر بساعة<؟

وما وقت الإفطار؟ وما ثواب الصوم في ذلك اليوم؟

أقول: سائلاً منه تعالى التوفيق لارتقاء سلّم الوصول لتحقيق الفروع والاُصول ـ:

أمّا العاشوراء ـ ممدوداً ومقصوراً، ويقال فيه أيضاً: العاشوراء والعشوراء مدّاً وقصراً أيضاً ـ:

فالحقّ أنّه هو اليوم العاشر من المحرّم([3])، الذي ذبح فيه الذبح العظيم الأعظم.

قيل: وهو من الأسماء الإسلاميّة، وليس فاعولاء بالمدّ غيره في اللغة العربيّة([4]).

وأمّا تاسوعا ـ لتاسع من المحرّم أيضاً ـ: فهو مولَّد ملحق بعاشوراء كما هو صريح الكتب اللغويّة([5]).

كما أنّ صريحها أيضاً اختصاص العاشوراء بالعاشر من خصوص شهر المحرّم([6]) دون غيره من سائر الشهور حتى أشهر الحرم، كأنّ الواضع لاحظ بزيادة مبناه زيادة معناه؛ تنبيهاً على ما يتضمّنه من الأمر الفضيع، والخطب الفجيع، والرزء الوجيع، والفعل الشنيع.

وكذلك التاسوعاء أيضاً، لأنّه يوم حاصر فيه الأعداءُ الأدعياء سعيد الشهداء وشهيد السعداء، روحي له الفداء.

وما ذكرناه من اختصاص العاشوراء بخصوص العاشر من المحرَّم هو الذي اعتمد عليه المعظم، بل الخلاف فيه كاد أن ينقرض أو يعدم، لأنّ العاشر هو المتبادر من لفظه عند الإطلاق والمفهوم منه والمنساق، والأصل في التبادر كونه وضعيّاً لا إطلاقيّاً، والتبادر الوضعي علامة كون المعنى حقيقيّاً.

مضافاً إلى ما يدلّ عليه من الأخبار المعتبرة القويّة، والآثار المشتهرة الجليّة من طريق الخاصّة([7]) والعامّة([8]).. على وجه أغنى اشتهارها عن ذكرها، وكَلَّ بنانُ اليراعِ عن حصرها:

وليس يصحّ في الأذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليلِ

يتبع…

________________________

([1]) عالم محقق فقيه، من مراجع الدين وأساطين العلم، له كثير من المؤلَّفات، طبع منها: (زاد المجتهدين في شرح بُلغة المحدّثين) في مجلدين، وستصدر قريباً إنْ شاء الله تعالى عن دار المصطفى| باقي مؤلّفاته المتوفّرة عند الدار.

([2]) عالم فقيه، كنّي بأبي المكارم لما عُرف عنه من دمائه الخُلق وكرم الفعال، له مؤلّفات عدّة، منها: (الخلافيّة والاستدلال)، وقد حرّر فيه المناظرات العلميّة التي دارت بينه وبين المصنِّف (الشيخ أحمد آل طعان). وكانت ولادته سنة 1255 هـ، ووفاته & سنة 1318 هـ، أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين 2: 781.

([3]) مجمع البحرين 3: 405، المصباح المنير: 75، 411، تاج العروس 3: 400.

([4]) النهاية في غريب الحديث 3: 240.

([5]) القاموس المحيط 3: 15، المصباح المنير: 75، تاج العروس: 5: 290.

([6]) مجمع البحرين 3: 405، المصباح المنير 75، 411، القاموس المحيط 2: 127.

([7]) الكافي 4: 147 / 7، الوسائل 10: 459، أبواب الصوم المندوب، ب 21، ح2.

([8]) سنن الدارمي 2: 22، المعجم الكبير (الطبراني) 3: 103 / 2803.

الكاتب العلامة المحقق الشيخ أحمد بن صالح آل طعّان البحراني القطيفي&

العلامة المحقق الشيخ أحمد بن صالح آل طعّان البحراني القطيفي&

مواضيع متعلقة