إثبات الواحد الأول

img

الخواجة نصير الدين الطوسي

إعداد: حوزة المصطفى|، أم الحمام

بسم الله الرحمن الرحيم

المبدأ الأول الذي لاشيء قبله ولا مبدأ له يستحيل أن يكون أكثر من واحد، وذلك لأن كل ما سوى الواحد فهو كثير، وكل كثير فهو مؤلف من آحاد، وكل واحد من تلك الآحاد يكون مقدماً عليه ومبدأ له، فإذن الكثير له مباد. فالمبدأ الأول الذي لا مبدأ له لا يكون كثيراً، بل واحداً فقط.

وأيضا المبدأ الأول الذي لا مبدأ له لا يجوز أن يكون ممكن الوجود، لأن كل ممكن موجود فله مبدأ. فإذن المبدأ الأول الذي لا مبدأ له يجب أن يكون واجب الوجود.

ولا يجوز أن يكون واجب الوجود مشتملاً على كثرة، فإن المشتمل على كثرة محتاج إلى آحادها في الوجود. والمفتقر إلى الغير في الوجود لا يكون واجباً، ويلزم منه ألا يكون في الوجود واجبان، لأنهما يشتركان في الواجبية والوجود، ويختلفان في شيء غير ما به يشتركان، فيكون كل واحد منهما مشتملاً على أشياء أكثر من واحد، فلا يكون كل واحد منهما واجباً. هذا خلف.

ولا يجوز أن يكون لواجب الوجود ماهية غير الوجود؛ لأنه حينئذ يكون مشتملاً على كثرة.

ولما كان شيء موجوداً وجب أن يكون في الوجود واجب؛ لأنه لو لم يكن في الوجود واجب، لكان جميع الموجودات ممكناً محتاجاً إلى المبدأ، وكل مبدأ على ذلك التقدير ممكن، فأما أن يدور احتياج الممكنات، وهو محال؛ لأنه يوجب تقدم الشيء على نفسه، وإما أن يتسلسل، ولابدّ أن يكون في السلسلة آحاد هي معلولة لعللها المتقدمة عليها، وعلة لمعلولاتها المتأخرة عنها، فإذا أخذنا واحداً منها لكان لها مباد متسلسلة إلى غير النهاية، وهي سلسلة العلل المبتدأة من ذلك الواحد إلى غير النهاية، وذلك الواحد بعتبار آخر معلول، وعلته أيضاً معلولة.

ويرتقي في سلسلة العلل سلسلة معلولات،  مبتدأة من ذلك الواحد مرتقية إلى غير النهاية، فيحصل لنا من تلك الآحاد سلسلتان مبتدأتان من واحد بعينه وغير منتهيتين في الارتقاء، لكن سلسلة العلل يجب أن تكون أكثر من سلسلة المعلولات بواحد في جانب الارتقاء، فيلزم الزيادة والنقصان في الجانب الذي لا ينتهيان فيه، وهو محال. فإذن يمتنع ارتفاعهما إلى غير النهاية، فإذن هما متناهيان. فالتسلسل محال. وإذا ثبت امتناع الدور والتسلسل امتنع كون جميع الموجودات ممكناً، وقد ثبت أن الواجب لا يكون إلا واحداً.

فإذن في الموجودات واجب وجود هو واحد من جميع الوجوه، وهو المبدأ الأول الذي لا مبدأ له.

وصدور الموجودات عنه لايمكن أن يكون حال وجودها، فإذن هو حال لا وجودها. فإذن ما سواه يوجد بعد أن لا يكون موجوداً، وكل ماهو كذلك فهو محدث، فإذن كل ماسوى الواجب الواحد محدث، سواء كان جوهراً أو عرضاً و ذا مادة أو مفارق للمادة، ويجب أن يصح صدور الموجودات عنه، وإلا لما كان موجوداً، فإذن هو قادر، ويكون الموجودات الصادرة عنه على نظام وترتيب يشهد بذلك علم الهيئة والتشريح وغيرهما، اضطر العقل إلى الحكم بكونه عالماً.

وصحة القادرية والعالمية يستدعي اتصافه بكونه حياً، ولا يجوز أن تكون هذه الصفات متغايرة ومغايرة لذاته، التي هي الوجود القائم بذاته، لامتناع التكثر فيه.

ثم إنه يمكن أن يوصف: بصفات اعتبارية بحسب اعتبارات العقول؛ وصفات إضافية بحسب إضافة كل واحد من الموجودات الصادرة عنه إليه، وصفات سلبية بحسب سلب كل شيء مما عداه عنه. وأمكن أن يكون له بحسب كل صفة إسم كان له أسماء حسنى كثيرة. لكن لا يستعمل منها إلا مايليق بجلاله وتنزهه.

فهذا ما أردنا إيراده في إثبات الواحد الحقيقي، الذي هو المبدأ الأول لجميع الموجودات، تعالى جده وتقدست ذاته وصفاته. تمت.

الكاتب الخواجة نصير الدين الطوسي

الخواجة نصير الدين الطوسي

مواضيع متعلقة