رسالة في أقل مايجب الاعتقاد به
تأليف: الخواجة نصير الملة والدين الطوسي، إجابة لبعض أخوانه
إعداد حوزة المصطفى|
بسم الله الرحمن الرحيم
إعلم أيدك الله، أيها الأخ العزيز: إن أقل مايجب اعتقاده على المكلف فهو ما ترجمة قوله: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، ثم إذا صدّق الرسولَ فينبغي أن يصدقه في صفات الله تعالى، واليوم الآخر، وتعيين الإمام المعصوم، وكل ذلك بما يشمل عليه القرآن من غير مزيد وبرهان.
أما بالآخرة فالإيمان بالجنة والنار، والحساب وغيره، وأما في صفاة الله تعالى، فبأنه حي، قادر، عالم، مريد، متكلم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
وليس عليه بحث عن حقيقة هذه الصفات، وأن الكلام والعلم وغيرهما، قديم أو حادث.
بل لو لم يخطر له حقيقة هذه المسألة حتى مات، مات مؤمناً. وليس عليه بحثٌ عن تعلم الأدلة التي حررها المتكلمون، بل مهما خطر في قلبه التصديق بالحق، بمجرد الإيمان من غير دليل وبرهان فهو مؤمن، ولم يكلف رسول الله| العرب أكثر من ذلك.
وعلى هذا الاعتقاد المجمل استمر الأعراب وعوامُ الخلق، إلا من وقع في بلدة يقرع سمعه فيها هذه المسائل، كقدم الكلام وحدوثه، ومعنى الاستواء والنزول وغيره. فإن لم يأخذ ذالك بقلبه وبقي مشغولاً بعبادته وعمله فلا بأس عليه.
وإن أخذ ذالك بقلبه، فأقل الواجبات عليه ماعتقده السلف؛ فيعتقد في القرآن الحدوث، كما قال السلف: القرآن كلام الله تعالى مخلوق. ويعتقد أن الاستواء حق، والإيمان به واجب، والسؤال عنه مع الاستغناء عنه بدعة، والكيفية فيه مجهولة؛ ويؤمن بجميع ما جاء به الشرع إيماناً مجملاً من غير بحث عن الحقيقة والكيفية.
وإن لم يقنعه ذلك وغلب على قلبه الإشكال والشك، فإن أمكن إزالة شكه وإشكاله بكلام قريب من الأفهام، وإن لم يكن قوياً عند المتكلمين ولا مرضياً فذلك كاف. ولاحاجة إلى تحقيق الدليل، فإن الدليل لا يتم إلا بذكر الشبهة والجواب عنها.
ومهما ذكرت الشبهة لا يُؤمن أن تتشبث بالخاطر والقلب فيضل فهمه عن ذكر جوابها، إذ الشبهة قد تكون جلية، والجواب دقيقاً لا يحتمله عقله.
ولهذا زجر السلف عن البحث والتفتيش وعن الكلام فيه، وإنما زجروا عنه ضعفاء العوام، وأما أئمة الدين فلهم خوض غمرة الإشكال.
ومنع العوام عن الكلام يجري مجرى منع الصبيان عن شاطئ دجلة خوفاً من الغرق، ورخصة الأقوياء فيه تضاهي رخصة الماهر في صنعة السباحة. إلا أن هاهنا موضع غرور ومزلة قدم، وهو أن كل ضعيف في عقله راجٍ من الله في كمال عقله، ونظر نفسه أن يقدر على إدراك الحقائق كلها، وأنه من جملة الأقوياء، فربما يخوضون ويغرقون في بحر الجهالات من حيث لا يشعرون.
والصواب للخلق كلهم، إلا الشاذ النادر الذي لا تسمح الأعصار إلا بواحد منهم أو اثنين، سلوك مسلك السلف في الإيمان المرسل والتصديق المجمل، بكل ما أنزل الله وأخبر به رسوله من غير بحث وتفتيش، والاشتغال بالنفوس فيه شغل شاغل. «ومن اشتغل بالخوض فيه، فقد أوقع نفسه في شغل شاغل» إذ قال رسول الله| حيث رأى أصحابه يخوضون، بعد أن غضب حتى احمرت وجنتاه: «أفبهذا أمرتم؟ تضربون كتاب الله بعضه ببعض؛ أنظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا، وما نهاكم عنه فانتهوا». فهذا تنبيه على منهج الحق، واستيفاء ذالك شرحناه في كتاب قواعد العقائد، فاطلبه منه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين. انتهى.