الأصول الخمسة ـ التوحيد ـ 15

img

السيد نظام الدين ابن السيد أحمد المدني

الخاتمة

إنا نختم الكلام في هذا المقام بما يكون تفسيراً لقوله تعالى شأنه: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا([1])، فإنه تعالى شأنه استدلّ به على نفي تعدّد الإله الخالق للعالم المدبر له. وجمهور المتكلّمين([2]) قد فسّروه بالدليل المشهور المعروف عندهم بالتمانع، كما هو مذكور في الكتب المتداولة بين الطلبة.

وقال العلّامة الدواني في شرحه للعقائد العضدية: (قد قيل: إنه دليل إقناعي لجواز أن يتفق، فلا يلزم الفساد. ويمكن أن يقال: إن [التعدّد]([3]) يستلزم إمكان التخالف. وعلى تقدير التخالف، إما أن يحصلّ مراد أحدهما، أو كليهما، أو لا يحصل شيء منهما، والكلّ محال.

أما الأول فلاستلزامه كون الآخر عاجزاً فلا يكون خالقاً وقد فرض، وهو خلف.

وأما الثاني، فلاستلزامه اجتماع النقيضين.

وأما الثالث، فلارتفاع النقيضين: فإن منع استلزامه إمكان التخالف، لجواز أن يكونا متفقين في الإرادة، بحيث يستحيل اختلافهما، إما لأن مقتضاهما إيجاد الخير أو ما الغالب فيه الخير، وإما لأن ذاتهما يقتضي الاتّفاق.

فالجواب: أنه لا يخلو أن يكون قدرة كلّ واحد منهما وإرادته كافية في [إيجاد]([4]) العالم؛ إذ لا شيء منهما بكافٍ، أو أحدهما فقط. فعلى الأوّل يلزم اجتماع المؤثّرين التامّين على معلول واحد، وعلى الثاني يلزم عجزهما؛ لأنهما لا يمكن لهما التأثير إلّا باشتراك الآخر، وعلى الثالث لا يكون الآخر خالقاً، فلا يكون إلهاً ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ([5]).

لا يقال: إنما يلزم العجز إذا انتفت القدرة على الإيجاد بالاستقلال، أما إذا كان كلّ منهما قادراً على الإيجاد بالاستقلال، ولكنّهما متفقان على الإيجاد بالاشتراك، فلا يلزم العجز، كما أن القادرين على حمل خشبة بالانفراد قد يشتركان في حملها، وذلك لا يستلزم عجزهما، لأن إرادتهما تعلّقت بالاشتراك، وإنما يلزم العجز لو أراد الاستقلال، ولم يحصل.

لأنا نقول: تعلّق إرادة كلّ واحد منهما إن كان كافياً لزم المحذور الأوّل، وإن لم يكن كافياً لزم المحذور الثاني. والملازمتان [ثابتتان لا تقبلان]([6]) المنع، وما أوردتم من المثال في سند المنع لا يصلح للسنديّة؛ إذ في هذه الصورة ينقص كلّ منهما من الميل الذي يستقلّ به في الحمل قدر ما يتمّ بالميل الصادر عن الآخر، حتى ميل الخشبة بمجموع الميلين، وليس واحدٌ منهما بهذا القدر من الميل فاعلاً مستقلاً.

وفي مبحثنا هذا ليس الموثر إلّا تعلّق الإرادة والقدرة، ولا تتصوّر الزيادة والنقصان في شيء منهما. وهذا وجه متين من سوانح الوقت، لا يبقى فيه للمنصف ريبة، والله ولي التوفيق).

هذا ما أفاده، أقول: فيه نظر؛ لأنه لا يلزم من كفاية مجرّد القدرة والإرادة من كليهما، في وجود العالم، بل ولا من كفاية تعلّق الإرادة منهما أيضاً ـ اجتماعُ المؤثّرين التامّين، على معلول واحد إلّا إذا اجتمع تعلّق إرادة أحدهما بوجود العالم بتمامه، مع تعلّق إرادة الآخر بوجوده بتمامه أيضاً بالفعل، وهو ظاهر. ولعلّه لا تتعلّق إرادة كلّ منهما بوجود ما تعلّق به إرادة الآخر، بل إنما تتعلّق إرادة أحدهما بوجود بعضٍ من أجزاء العالم مغايرٍ لما تعلّق به إرادة الآخر، فلا يلزم اجتماع المؤثّرين التامّين على معلول واحد، ولا عجز أحدهما، ولا عدم كونهما خالقاً مطلقاً.

نعم، لو تعلّق إرادة كلّ منهما بوجود العالم بتمامه كان كافياً، ويلزم اجتماع الموثّرين التامّين على معلول واحد. لكن لا تتعلّق إرادة كليهما بوجود العالم بتمامه، فلا يلزم اجتماع المؤثّرين التامّين على معلول واحد بالفعل أصلاً. وإن قيل: يجوز أن تتعلّق إرادة كليهما بوجود العالم بتمامه عاد المنع بعينه، فتأمّل.

يتبع…

_______________________

([1]) الأنبياء: 22.

([2]) المطالب العالية من العلم الإلهي (فخر الدين الرازي) 2: 135، الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد (المولى أحمد الأردبيلي): 93، ولم ينص على تسميته بدليل التمانع.

([3]) في المخطوط: (للتعدد).

([4]) في المخطوط: (وجود).

([5]) النحل: 17.

([6]) في المخطوط: (بثبان لا تقبل).

الكاتب السيد نظام الدين ابن السيد أحمد المدني

السيد نظام الدين ابن السيد أحمد المدني

مواضيع متعلقة