دور الإعجاز في المسيرة الدعوية للأنبياء عليهم السلام ـ 12
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
دليل المعترض على تشريع فريضة الخمس
وقد بنى هؤلاء المعترضون على تشريع الخمس نظريتهم هذه، وطرحهم النقضيّ هذا أول الأمر دون التفات منهم إلى هذه النكتة المارة ـ وهي أن اعتراضهم هذا يستلزم إتهام الإمام× مع ما يستلزم ذلك من خروج عن المذهب بل عن الدين ـ ؟؟ على دليلين ظانّين أنهما كافيان في إثبات مدعاهما في مثل المقام، وهذان الدليلان هما:
الدليل الأول: آية الخمس
وهي قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِالله وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([1]). فهم يذهبون إلى أن الغنيمة إنما تختص بغنيمة الحرب فقط، ولذا فإن ما يغنمه الإنسان من مغانم أخرى كالتجارة وغيرها يكون غير داخل في هذه الآية؛ وعليه فهو غير مشمول بهذا التشريع.
الدليل الثاني: عدم ورود حديث حتى زمان الصادق (عليه السلام) يثبت كونه فريضة
نعم إنه لم يرد حديث واضح على عهد رسول الله| وعلى عهد أمير المؤمنين أو الإمام الحسن والحسن^ أو حتى الإمام السجاد والباقر’ بخصوص الخمس وكونه فريضة ثابتة. وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن هذه الفريضة لا وجود لها في مثل مسألة المقام، أي أرباح التجارات والمكاسب.
ردّ ونقض
أما المثبتون لهذا التشريع والقائلون به فيستدلون كذلك على مدعاهم هذا بدليلين أيضاً يشكلان نقضين لكلام هؤلاء، هما:
النقض الأول: قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾
فمفهوم الغنيمة مفهوم عام سيال له مصاديق كثيرة أعم من أن تكون من خلاله مختصة بحالة الحرب فقط. ولتوضيح هذه الفكرة نضرب المثال التالي وهو مفهوم الماء الذي ينطبق على هذا السائل المعدّ للشرب والاستعمال والتطهير، فالشارع حينما يقول: استخدم الماء في التطهير أو في التنظيف فإنه لا يريد ماء معيّناً دون غيره، أي أن مفهوم الماء مفهوم عام يشمل ماء المطر، وماء البحر، وماء النهر وما إلى ذلك من أنواع اُخرى يصدق عليها هذا المفهوم. فالشارع هنا لا يريد ماء من هذه المياه دون غيره، بل إنه يريد منا أن نتطهر أو نتنظف بأي ماء من هذه المياه؛ سواء كانت مياه البحار، أو مياه الأنهار، أو مياه الآبار، أو مياه الأمطار، أو غيرها.
وكذلك الحال هنا مع الغنيمة التي تعتبر مفهوماً عامّاً وسيّالاً أي أنه يشمل ما يغنمه الإنسان في الحرب، وفي السلم، أي في التجارات والمكاسب الأخرى التي تدر عليه ربحاً، ويصدق عليه أنه غنيمة. ويدعم هذا الرأي اللغة التي تذهب إلى أن هذا المفهوم ينطبق على غنائم الحرب وغنائم السلم([2])، فهو لا يتخلف في انطباقه على غنائم السلم أبداً كما أنه لا يتخلف في انطباقه على غنائم الحرب.
النقض الثاني: أن مدّعاهم يستلزم اتّهام ساحة قدس الإمام (عليه السلام)
أما ادّعاء هؤلاء بأنه لم تكن هنالك روايات على عهد النبي الأكرم| ولا عهد الأئمة الذين جاؤوا من بعده حتى عصر الإمام الصادق× فإن هذا الأمر قد تكفلت ببيانه الروايات الكثيرة الواردة عن أئمة أهل البيت بخصوص هذه الفريضة، والتي ذكرنا أنها لو كانت على وفق ما يدعي هؤلاء فإنها إنما تعني أمراً واحداً وهو اتهام ساحة قدس الإمام الصادق×، وهذا ما لا يقول به إمامي مؤمن موحد. وهذا الموضوع في واقع الأمر يحتاج إلى مساحة أوسع وأكبر لمناقشته، غير أن محاضرتنا هذه لا تتسع إلى مناقشته بما هو أكثر من هذا؛ فنكتفي بهذا المقدار منه.
يتبع…
___________________________
([2]) قال الفراهيدي: الغنم: الفوز بالشيء في غير مشقة. و الاغتنام: انتهاب الغنم، والغنيمة: الفيء. العين 4: 426 ـ غنم. وقال: الفيء: الغنيمة. العين 8: 407 ـ فيء. وفي غريب الحديث: الفيء: خراج الأرضين، وجزية رؤوس أهل الذمة. غريب الحديث 1: 45 ـ فيء. وفي الصحاح: والفيء: الخراج. الصحاح 1: 63 ـ فيء. وفي المخصص: المَغْنَم: الفَيْء، وقد غنِمْت الشيءَ غنْماً: فُزْت به، وتغنّمته واغتنَمته: انتهزْت غُنْمه. المخصص ج 3، ق3 :274 ـ غنم.