دور الإعجاز في المسيرة الدعوية للأنبياء عليهم السلام ـ 10
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي
بين الإسلام والماركسية
وكما أشرنا فإن هذه النظرية على هناتها وأخطائها لم تأتِ من فراغ أبداً، بل إنها وليدة حالة ميؤوس منها كانت تعيشها الطبقات العاملة آنذاك. إذن فهي حالة تترجم واقعاً له منشأ حتمي قاد إلى وجودها، لكننا نقول: إن هذا المنشأ الذي نشأت عنه مثل هذه الفكرة ليس ذلك المنشأ الذي تحاول أن تصوره لنا الماركسية عبر تصويرها المالكين وهم يستحوذون على جهود العمال بترجمة تلك الجهود إلى أموال طائلة يستمتعون بها ويعيشون حياة الرفاهية والبطر والبذخ، بل إن هؤلاء المالكين إنما أجروا عملية مبادلة هي عملية مشروعة من حيث المبدأ وفي الأساس، لكن الاختلاف حينئذٍ يبقى في مشروعية التطبيق، والآلية التي تتم بها عملية المبادلة هذه.
ومن هذا التوجه والتقريب لأجل إظهار الحقائق، فإننا نقول: إن الإسلام ينظر إلى هذا المنشأ لا بتلك النظرة التي تنظر بها إليها الماركسية، بل إنه ينظر إليها بنظرة أخرى؛ حيث يسعى الإسلام إلى تهذيب هذا المنشأ، وإلى وضع آليات ونظم تسعى إلى تسيير هذه العملية بشكل صحيح ومدروس دراسة واعية بحيث إنها لا تؤدي في النتيجة إلى إلحاق الظلم بطرفي المعاملة؛ أي العامل والمالك.
معالجة الإسلام لنظرية فائض القيمة
إن المعالجة الإسلامية الواقعية لهذه النظرية الاقتصادية تمرّ على ضوء الرؤية السماوية بمرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة تكبير قيمة العمل
إن الآلية التي اتبعها الإسلام الحنيف من خلال مقرراته الاقتصادية لتهذيب هذا المنشأ هي أنه عمد إلى تكبير قيمة العمل، وإعطاء الإنسان ما يستحقه وفق عمله الذي يؤديه دون أن ينقص منه شيئاً، لا أنه يسعى إلى إلغاء هذا الجانب الهام والحيوي في سيرورة الاقتصاد في المجتمعات البشرية كما عليه المذهب الماركسي.
المرحلة الثانية: مرحلة الضمان
أي أن الإسلام سعى من ضمن ما سعى إليه في عملية إشباع الحاجات الأساسية للإنسان أنه كفل له ما يقيم إوده ويتمم حاجاته إن كان ما يؤديه من عمل لا يعود عليه بما يكفيه، فضمن له ـ كما أشرنا ـ سدّ كل احتياجاته الأساسية. ففي مثل هذه الحال يأتي دور صندوق الضمان الذي يعني استغلال هذه الظاهرة استغلالاً صحيحاً وإيجابياً سليماً من أجل الحفاظ على هوية الفرد وهوية المجتمع، وعلى طابع العلاقة التي تحكم العامل وصاحب العمل ـ أي الأجير والمستأجر ـ ليصل من خلال هذه الآلية وهذا التقنين إلى إشباع صحيح بعيد عما فيه إلحاق أي ضرر أو أذا بطرفي التعامل هذا.
الشيوعية في ميزان أبي ذر (رضي الله عنه)
إن المواقف التي كان يقفها أبو ذر رضوان الله تعالى عليه من الحكام والسلاطين والمتنفذين وأصحاب الأموال من جهة، ومن الفقراء والعمال والطبقة الكادحة المسحوقة من جهة اخرى أدت بالبعض إلى أن يتهمه بأنه شيوعي، أو أنه أول من أسس للفكر الشيوعي في تاريخ البشرية؛ نتيجة مواقفه من هؤلاء ومن هؤلاء، ودعوته الصريحة إلى تذويب هذه الطبقية وهذه الفوارق بين أبناء المجتمع الواحد وتوزيع الثروة توزيعاً صحيحاً عقلانياً بعيداً عن تكدسها في جانب وخلوها من جانب آخر بما يترتب على ذلك من قهر وإذلال لمن لا يملك شيئا من المال.
وقد انسحب هذا الأمر حتى على بعض المؤسسات العلمية والدينية كما هو شأن الأزهر الذي أصدر فتوى معروفة عام 1953 يقول فيها: إن أبا ذر (رضي الله عنه) كان شيوعياً.
إننا نعرف أن أبا ذر (رضوان الله تعالى عليه) كان يمثل الترجمة الصحيحة والأمينة والصادقة لمفاهيم الإسلام وأفكاره ورؤاه الاقتصادية، وكان ـ لما عرف به، ولما تشرّب من مفاهيم وقيم إسلامية ـ يسعى جاهداً إلى المناداة بكل صراحة وواقعية من أجل أن يسعى الآخرون ونعني بهم الفقراء والمسحوقين إلى تحصيل حقوقهم وأموالهم من الطبقة الحاكمة المتسلطة والمتنفذة من أصحاب رؤوس الأموال التي تستهلك عملهم وجهودهم وأتعابهم من أجل صالحها حتى رفع شعار: «عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على النّاس شاهراً سيفه»([1]).
أي أن على هؤلاء أن يمتشقوا سيوفهم ويخرجوا ليضربوا الناس يمينا وشمالا؛ لأن هذا أمر طبيعي لمن يفتقر إلى الاستقرار النفسي، وإلى الحس بأنه قد كفلت له حياته واحتياجاته الأولية والأساسية. فانعدام هذه الحاجات الأساسية، وعدم توفرها أدى إلى انعدام الاستقرار النفسي عند هذه الطبقة المسحوقة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يؤدي بها حتما إلى أن تخرج شاهرة سيفها من أجل استعادة حقها المسلوب، وتحصيل أموالها المضيعة.
يتبع…
____________________