دور الإعجاز في المسيرة الدعوية للأنبياء عليهم السلام ـ 09

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

المبحث الثالث: القلوب المطمئنة

ثم انتقلت آية المقام الكريمة لتقول: ﴿وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾، إن هذا المقطع الشريف من آية المقام الكريمة يشير إلى حقيقة هامة هي أن الإنسان بعد أن يشبع حاجاته الغريزية الأساسية التي زرعها الله تبارك وتعالى فيه، فإن قلبه سوف يطمئن إلى أنه قد توفّر على ما فيه حفاظ على حياة وامتداد مسيرته، فإن لم يشبع تلك الحاجات فإنه حينئذٍ سوف لن يملك قلباً ولا نفساً مطمئنين، بل إنهما حينئذٍ سوف يعيشان الرعب والخوف من المجهول الآتي بكل أبعاد هذه المفردة. فهو يعيش القلق والترقّب والتوجّس إن لم يصل عنده الأمر إلى حافة الحقد على المجتمع، وإلّا فإنه إن وصل عنده الأمر إلى هذه النقطة فإنه سوف يتحوّل إلى عنصر إجرامي، وقنبلة موقوتة ملغومة داخل هذا المجتمع الذي سوف يتضرر من وجوده بين أفراده.

وانطلاقاً من هذا التقرير، وأهمية هذا الموقف فإننا سوف نتناوله عبر مساحة الأبحاث التالية:

البحث الأول: الشيوعية والواقعية

بناء على ما أسلفناه من تقرير حول طبيعة الغريزة البهيمية عند الإنسان فإننا لابدّ إذ نتناول هذا الموضوع من أن نشير إلى رؤية نابعة من وجهة نظر لطرح اقتصادي حديث متمثّل بالنظرية الشيوعية. وقبل أن نتناول هذه النظرية بالنقد والتفنيد لابدّ أن نشير إلى أنها لم تأتِ عن فراغ أبداً، بل إنها جاءت نتيجة معايشة ميدانية واقعية لظروف بائسة عاشتها الطبقة العاملة المسحوقة، والتي كانت تتحكّم بتحرّكها آنذاك؛ الأمر الذي أدى إلى نشوء وولادة فكر اقتصادي مضادّ ومعاكس للفكر الاقتصادي الرأسمالي، وهو الفكر الذي تطور بعد ذلك ليصبح نظرية عامة شاملة للحياة في كل ميادينها ومجالاتها دون أن يقتصر على الفكر الاقتصادي فقط، فنراها دخلت في ميدان السياسة والأدب والتعليم والاجتماع، وما إلى ذلك من مرافق حياتية اُخرى.

إذن فهذه النظرية لم تكن وليدة مرحلة آنية، أو فراغ كان يعيشه أصحابها، بل إنها نظرية ولدت بعد مخاضات اقتصادية واجتماعية عسيرة وكثيرة، بل سياسية كذلك عاشتها وعايشتها المجتمعات المسحوقة بالمطرقة الرأسمالية؛ فانفرجت حينها عن حالات كثيرة متعددة من احتكار الأموال والأعمال، وازدراء الطبقات العاملة، مما أدى إلى بلورة هذه الفكرة في أذهان أصحابها. ونحن إذ نقول هذا فإننا لا ندعمها أو نؤيدها، كما أننا نقول في الوقت نفسه: صحيح أنها تنطوي من جهة على جانب طوباوي مثالي عريض، وعلى تطرف كبير في التعامل مع الغريزة الإنسانية، لكنها كما ذكرنا نظرية جاءت نتيجة ظروف خاصة عاشتها الطبقة العاملة في اُوروبا إبان النهضة والمد الرأسمالي الكبير الذي عرفته المنطقة آنذاك.

 غريزة الجوع في منظار ماركس ولينين

إن کلّ ذي اطّلاع علد حرکة التاریخ والثورات الاقتصادیة الحاصلة فیه، وعلى مسيرته سيما فيما يتعلّق بالمناخ الفلسفي ذي العلقة بالجانب الاقتصادي منها يعرف أن ماركس ولينين ليسا إنسانين عاديين إذ كتبا ما كتبا، ونظّرا ما نظّرا له نتيجة الواقع الذي عايشه الأول وعاشه الثاني، بل إنهما كانا إنسانين ذكيين أرادوا أن يستغلوا ذلك اللون من النقمة التي يحملها الفرد الإنساني الذي لا يجد في بيته طعاماً يأكله فيسد جوعته، أو لباساً يستر عورته.

إذن هما قد سعياً إلى استغلال هذه النقطة لصالح ما كانا يفكران فيه وينظران له، فقد كانا يعرفان أن أي فرد من أفراد المجتمع ينطوي على اعتقاد بأنه حينما يعمل لصالح المجتمع، فإن على المجتمع أن يعمل على توفير حياة كريمة له. ومن ضمن مفردات الحياة الكريمة هذه سد حاجة الإنسان من الطعام والشراب واللباس والمسكن، أما إذا كان المجتمع لا يفكر فيه، ولا يلبي له تلك الحاجات أو يعطيه تلك الطلبات فإنه حتماً سوف ينتكس عنده الجانب الإنساني، وسوف يكفر بذلك الاعتقاد وهو ما يأخذ بيده إلى الثورة على هذا المجتمع الذي يرى أنه قد أصبح فاسداً بفساد تصرفات أبنائه، وتوجّهاتهم الاقتصادية البحتة، وتعاملاتهم الجائرة مع أفراد الطبقة العاملة.

البحث الثاني: نظرية فائض القيمة

إذن لقد عمد كل من ماركس ومن بعده لينين إلى استثمار وبلورة حالة الفقر التي كان يعيشها الإنسان العامل في المجتمع الرأسمالي من خلال ضخه بمفردات تزيد من تأجيج غضبه وحقده على الأغنياء؛ إذ صورا له من خلال نظرية فائض القيمة أن هؤلاء قد يأخذون جهد العامل الذي ترجمه إلى أموال طائلة استولى عليها هؤلاء المالكون، وراحوا يستمتعون بها ويتلذذون ويتصرّفون بها كما يشاؤون. وهكذا ملأا نفوس العمال بالحقد والضغينة على هؤلاء المالكين باستغلال هذه الجنبة عندهم؛ مما أدى إلى بلورة هذه الفكرة والنظرية إلى أن تصبح واقعاً ميدانياً معاشاً عند هؤلاء؛ ليبلوروه بعد ذلك ويترجموه إلى ثورة ودولة.

يتبع…

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة