الأصول الخمسة ـ التوحيد ـ 13

img

السيد نظام الدين ابن السيد أحمد المدني

الفصل الثاني في إثبات توحيده تعالى

وهو حصر خالقية العالم فيه، وبيان أن الإله المدبّر للعالم واحد. وما يدلّ على ذلك وجوه متعدّدة، نذكر في هذا المقام بعضاً منها:

الأوّل: نقول: خالق العالم بجملته واحد، لأن الاُمور المتعدّدة إذا كانت مرتبطة متعلقة بعضها ببعض منتفعة بعضها من بعض، بحيث لا ينتظم حال بعضها بدون غيره، كأعضاء حيوان واحد، وإذا كانت [مصنوعة]([1]) كان صانعها واحداً بشهادة الفطرة بأن الاُمور المرتبطة المتّسقة المنتظمة المترتّبة على تعانقها وانتظامها وارتباطها فوائد بوجه كأنها أمر واحد، لا يكون إلّا فعلاً لفاعل واحد. وهذا الحكم مثل الحكم بأن فاعل الفعل المتقن عالم، بل نقول: إن العلماء والحكماء صرّحوا بأن فاعل الأفعال المحكمة المتقنة عالم مريد، والشيخ الرئيس في (النجاة) صرّح بأن أعضاء الحيوانات لما فيها من الدقائق والمنافع والارتباط والانتفاع غير صادرة من الطبيعة، وإنما هي صادرة عن علم وإرادة.

ولا يخفى على من أنصف أن هذا التصريح والاعتراف متضمن للاعتراف [بالحكم]([2]) الذي أشرنا إليه، فإن إتقان الأفعال لا يدلّ على علم فاعلها، إذا كان ذلك الفاعل واحداً، وأمّا إذا كان كلّ جزء من الفعل صادراً عن فاعل آخر، فلا يلزم من الأحكام والإتقان علم فاعل.

وبالجملة، دعوانا أن الحكم بوحدة فاعل مثل تلك الاُمور المرتبطة المتعانقة الّتي [هي] بمنزلة أمر واحد ليس أبعد ولا أخفى من الحكم بعلم فاعل الفعل المحكم، بل لعلّه أجلى، وهو معتبر ضمناً في الحكم بعلم الفاعل الّذي فعله محكم. ثم إن النظر في السماوات والأرض وسائر أجزاء العالم تفيد الحكم بأنها مرتبطة متعلّقة بعضها ببعض، منتفعة بعضها من بعض، مترتّبة على تعانقها ونظامها، وارتباطها فوائد كثيرة، كأنها أمر واحد، فالعالم لو كان مصنوعاً كان صانعه واحداً، لكنه مصنوع مخلوق، فصانعه وخالقه واحد، وهو ما أردناه.

لا يقال: لِمَ لا يجوز أن يكون كل جزءٍ من أجزائه مصنوعاً لصانع آخر، وصانع الكلّ يأخذ تلك الأجزاء، وينظّمها ويربط بعضها ببعض بوجه ينتفع بعضها من بعض، كصانع البيت؟.

لأنا نقول: الأجزاء مخلوقة بالربط والتعلّق، وبالجملة بوجه لا يحصل الانتفاع منها إلّا بخلقها كأعضاء الانسان لا أن الانتفاع يعرضها بعد الخلق كأجزاء البيت؛ ولهذا يتأثّر بعضها عن بعض، بخلاف أجزاء البيت.

والحاصل أن تلك الأجزاء وجدت مرتبطة منتظمة متعلقة بعضها ببعض، لا أنها وجدت ثم ارتبطت وانتظمت، فتأمل.

يتبع…

_________________

([1]) في المخطوط: (مصنوعاً).

([2]) في المخطوط: (للحكم).

الكاتب السيد نظام الدين ابن السيد أحمد المدني

السيد نظام الدين ابن السيد أحمد المدني

مواضيع متعلقة